عديمو الجنسية في سورية والملكية العقارية الفردية
على الرغم من مرور عقد من الزمن على الدستور الأول لسوريا عام 1920 الذي نص في مادته التاسعة على أنّه:
(يطلق لقب سوري على كل فرد من أهل الجمهورية السورية العربية ويسوغ الحصول على الجنسية السورية وفقدانها بحسب الأحوال التي يعينها القانون)
وتعاقبت الدساتير السورية مع مرور الزمن وظهرت فئة من السكان في سوريا عديمو الجنسية السورية (وليس لديهم جنسية أخرى)
أساس هذه المشكلة:
بتاريخ 23/8/ 1962 صدر المرسوم الجمهوري التشريعي رقم /93/ الذي بات يعرف حاليا باسم “إحصاء الحسكة 1962” وتضمن هذا المرسوم ما يلي:
– يجري إحصاء عام للسكان في محافظة الحسكة في يوم واحد يحدد تاريخه بقرار من وزير التخطيط بناءً على اقتراح وزير الداخلية.
-عند الانتهاء من عملية إحصاء السكان، تشكل لجنة عليا بمرسوم جمهوري بناءً على اقتراح وزير الداخلية لدراسة نتائج الإحصاء، وتقرير تثبيتها في سجلات الأحوال المدنية الجديدة أو عدمه، وإعداد التعليمات لذلك.
الإحصاء:
جرى الإحصاء في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1962 ونجم عنه تقسيم الأكراد في سوريا إلى:
1-أكراد متمتعين بالجنسية السورية
2-أكراد مجردين من الجنسية ومسجلين في القيود الرسمية على أنهم أجانب ويحملون إخراج قيد يتمّ فيه كتابة بياناتهم، وهو الوثيقة الوحيدة التي يستحصلونها من الحكومة بشكل رسمي ولا يخوّل صاحبه لممارسة حقوق المواطنة، ويُشار إليه غالباً بـ “البطاقة الحمراء” لأنّها ذات لون أحمر.
3-أكراد مجردين من الجنسية غير مقيدين في سجلات الأحوال المدنية الرسمية وأطلق عليهم وصف مكتومي القيد، وهو مصطلح إداري سوري يشير الى عدم وجود الشخص المعني في السجلات الرسمية
ويشمل المكتوم إضافة الى الفئة السابقة كلا من:
- من ولد لأب أجنبي وأم مواطنة
- من ولد لأب أجنبي وأم مكتومة القيد
- من ولد لأبوين مكتومي القيد
الفرق بين الأجنبي والمكتوم:
الأجانب لديهم سجلات في دوائر الأحوال المدنية السورية تسمى سجلات الأجانب ويستطيعون تسجيل الوقعات المدنية مثل (ولادة ووفاة وغيرها)
أما مكتومو القيد فلا يوجد لهم سجلات في دوائر الأحوال المدنية السورية نهائيا، وبالتالي لا سيطيعون تسجيل وقائعهم المدنية؛ لعدم وجود سجلات لهم بالأساس، ويحملون شهادة تعريف صادرة عن المختار
لذلك فإن معاناة المكتوم أكبر من الأجنبي، ولا يمنح أبناء المكتومين الشهادة الابتدائية والاعدادية، وحتى إذا أرادوا النوم في الفنادق فإنهم يحتاجون الى ورقة موافقة من إدارة شعبة الفنادق.
إحصائيات:
- نتيجة لإحصاء عام 1962، تم تجريد حوالي 120 ألف كردي سوري من الجنسية السورية، وفقدوا بالتالي حقوق ملكية ممتلكاتهم بعد أن أصبحوا بلا جنسية. وعدّت الحكومة السورية أولئك الأكراد منذ ذلك الحين “أجانب سوريين”، ومنحتهم وثائق خاصة بهم أطلق عليها وثيقة “الأجنبي السوري”.
اللجنة العربية لحقوق الانسان – هيثم مناع -2004
- حتى مطلع العام 2011 بلغ عدد فئة “أجانب الحسكة/أصحاب البطاقة الحمراء” المسجّلين ضمن القيود الرسمية للحكومة السورية (346242) فرداً.
- بلغ مجموع عدد المجرّدين/المحرومين من الجنسية منذ عام 1962 حتى 2011 أكثر من / 517000/ شخصا.
وفي مصدر آخر “عنب بلدي” 2018 وفقًا لإحصائية سكانية صادرة عام 2011 عن حكومة النظام السوري، فقد بلغ عدد الأجانب الكرد 400 ألف شخص حرموا من الجنسية السورية التي تبعها حرمان من الحقوق المدنية والسياسية كافة.
- وصل عدد مكتومي القيد من الأكراد في محافظة الحسكة حتى بداية عام 2011، إلى أكثر من (171300) ألف كُردي، وفقاً لإحصاءات صدرت عن مُنظمات غير حكوميّة سوريّة، كان هؤلاء يُسجّلون لدى المخاتير في أحياء مُدن المُحافظة وبلداتها ويُمنحون وثيقة تُثبت انتماءهم إلى فئة مكتومي القيد، وبذلك يُعطَون شهادة التعريف.
- وفي تقرير أصدرته في عام 2005، قالت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال) إنه نتيجة للتزايد الطبيعي للسكان أصبح عدد المحرومين من الجنسية السورية من الأكراد في ذلك العام يتراوح ما بين 200 و360 ألف شخص.
المناطق الجغرافية التي تتواجد فيها هذه الفئة:
المناطق الجغرافية التي يقطنها المجردون / المحرومون من الجنسية معظمها مدينة المالكية والقامشلي وعامودا والدرباسية ورأس العين والحسكة المدينة وغيرها من القرى والبلدات.
كيف أثر هذا المرسوم على حياة تلك الفئة:
عانت هذه الفئة ولا يزال قسم منهم يعاني الحرمان من أبسط الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية فضلاً عن الاقتصادية، بل إنّ بعضهم أتى إلى هذه الدنيا وفارق الحياة دون أن يُدرك معنى المواطنة وتمثلت تلك المعاناة بـ:
1-الحرمان من حق تثبيت وقائع الأحوال المدنية (الزواج – الولادات – الوفاة- الطلاق) في سجلات الدولة الرسمية للمواطنين السوريين.
2-حرمانهم من تسجيل أموالهم المنقولة وغير المنقولة على أسمائهم.
3-مشاكل في السفر والتنقل داخل القطر؛ إذ إنّ الأوراق التي يحملونها تسبب لهم الكثير من المتاعب والإحراج ونظرة السلطات إليهم، ومن ناحية أخرى هذه الأوراق لا تسمح لهم بالسفر خارج البلاد ويتطلب ذلك وجود جواز سفر.
4-تأخر دخول الأطفال في المدارس الابتدائية حيث لا تعطى لهم شهادات التعريف إلا بعد التحقيق من قبل الأمن السياسي والكثير منهم يتأخر إلى السنة الدراسية التالية.
5-الحرمان من حق العمل لدى دوائر ومؤسسات الدولة العامة.
6-حرمانهم من متابعة تعليمهم بسبب مشكلة الوثائق التي يحملونها، ما سبب لدى الكثير منهم ترك المدراس وعدم متابعة دراستهم، والسبب الآخر هو حرمانهم من التوظيف في المؤسسات العامة.
7-حرمانهم من حق الاستفادة من القروض التي تمنحها البنوك بشكل عام والحرمان من الحقوق المدنية المنصوص عليها في الدستور ومنها حق الترشيح والتصويت.
كيف أثر هذا المرسوم على حق الملكية العقارية لتلك الفئة:
- حرم هذا المرسوم هذه الفئة من تملك العقارات وتسجيلها على أسمائهم في السجل العقاري؛ لأنه حرمهم من الجنسية السورية بالأساس، وتم تسجيل الأراضي التي يعيشون عليها باسم أملاك الدولة.
- حرمهم من استئجار الأراضي الزراعية والانتفاع بها.
- حرمهم أيضا من الاستفادة من القروض الزراعية التي يستفيد منها الفلاحون السوريون من المصارف الزراعية.
- حرمهم من الاستفادة من خدمات الجمعيات التعاونية الفلاحية كتقديم البذار والأدوية الزراعية وبأسعار متدنية للسبب نفسه.
- وحرمهم أيضا من توريد منتجاتهم الزراعية بأسمائهم الى المؤسسات العامة التي تشتري تلك المنتجات.
كيف كانت تعالج هذه الفئة نتائج هذا المرسوم بما يتعلق بالملكية العقارية والأمور الزراعية:
الحقيقة عانت هذه الفئة معاناة كبيرة على مدى عقود عدّة، ولا يزال قسم يعاني مما يتعلق بالملكية العقارية والزراعية؛ لذلك كانوا مضطرين لاتباع أساليب عدة لتسيير شؤونهم ومنها:
الكثير منهم اشترى مسكنا أو أرضا زراعية ولا يستطيع تسجيلها على اسمه؛ لذلك كانوا يلجؤون الى تسجيلها على اسم شخص آخر لديه الجنسية السورية، وهذا الأمر تسبب بالعديد من المشاكل كالاستغلال والابتزاز وأحيانا ضياع حقوقهم بتلك الملكيات.
فضلا عن شرائهم البذور والأدوية الزراعية من الأسواق السوداء وبأسعار مرتفعة، ومن ثمّ
يقومون بتوريد منتجاتهم بأسماء أشخاص يحملون الجنسية السورية.
مراسيم أخرى زادت من تعقيد المشكلة:
- الشروع بتطبيق الحزام العربي بموجب المرسوم التشريعي ذي الرقم (1360) لسنة 1964 الذي اعتبر كامل محافظة الحسكة منطقة حدودية مع أن عمقها يبلغ حوالي 200 كيلو متر، وقد أعلنت الحكومة عن المشروع المذكور بعمق 15 كم وعلى طول 280 كم على الحدود التركية ، ما أسفر عن تهجير سكان 332 قرية من سكانها الكرد كما جرى بين أعوام 1973 – 1974 وقضى بإسكان مواطنين عرب من محافظتي الرقة وحلب في الجزيرة على الشريط الحدودي بطول 350 كم وعرض 10 كم وإقامة قرى نموذجية لهم وتمليكهم أراضي زراعية واسعة وتعريب أسماء القرى والبلدات الكردية في محافظة الحسكة.
- إن المرسوم التشريعي رقم 269 لعام 1969 المتعلق بالجنسية السورية ووفقا للمادة الثالثة منه قد حرم أبناء وبنات المواطنة السورية المتزوجة من أجنبي (غير سوري) حق اكتساب الجنسية؛ إذ نصت المادة المذكورة على من يعدّ سوريا حكما دون ذكر حق أبناء المواطنة السورية المتزوجة من أجنبي او مكتوم القيد بأن يعدّ مواطنا سوريا وقد أثر هذا الأمر تأثيرا كبيرا وبشكل خاص في المناطق التي يتواجد فيها محرومو الجنسية والمكتومون؛ إذ عدّوا أولاد المواطنة السورية المتزوجة من هؤلاء هم مكتومو القيد
وأثر هذا المرسوم هو أنه حرمهم من حقوقهم في ملكياتهم بشكل عام لأنهم أصبحوا مكتومي القيد ولم يكتسبوا الجنسية السورية.
- المرسوم التشريعي رقم /43/ لعام 2011 المتعلق بأراضي المناطق الحدودية الذي نص على وجوب الحصول على الترخيص من وزارتي (الداخلية والدفاع) لإنشاء أو نقل أو تعديل أو اكتساب حق عيني على العقارات الحدودية.
لا يجوز إنشاء أو نقل أو تعديل أو اكتساب أي حق عيني عقاري على أراض كائنة في منطقة حدودية أو إشغاله عن طريق الاستئجار أو الاستثمار أو بأي طريقة كانت لمدة تزيد على ثلاث سنوات لاسم أو لمنفعة شخص طبيعي أو اعتباري إلا بترخيص مسبق.
يستثنى من ذلك الأراضي الواقعة داخل المخططات التنظيمية فقط.
آثار هذا المرسوم:
آ-قيد حرية المالك بحقه في أملاكه العقارية الواقعة خارج المخطط التنظيمي واشترط الحصول على موافقات وزارتين ومن الممكن عدم إعطاء الموافقة.
ب-لم يحدد هذا المرسوم المسافة الحدودية (كم كيلو متر تبعد عن الحدود) بشكل دقيق وبالتالي ترك أمر تحديدها للسلطات المعنية.
تجنيس عديمي الجنسية في سوريا ….. ولم تحل المشكلة بشكل كامل:
بعد انطلاقة الثورة السورية ومشاركة الأكراد فيها حاول النظام كسبهم الى جانبه فأصدر المرسوم التشريعي رقم (49) بتاريخ 7 من نيسان 2011 ولم يقم بإحصاء جديد، بل اعتمد على الإحصاء القديم وجاء في مواده ما يلي:
المادة 1: يُمنح المُسجلون في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية.
المادة 2: يُصدر وزير الداخلية القرارات المتضمنة للتعليمات التنفيذية لهذا المرسوم.
المادة 3: يُعتبر هذا المرسوم نافذًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وصدر هذا المرسوم محددا الأجانب فقط، ولم يذكر المكتومين في مواده، علما أنّ بلاغاً وزارياً قد صدر عقب المرسوم 49 خاصّاً بمكتومي القيد، وبعكس الأجانب الذين حصلوا على الجنسية بعد أشهر فقط من تسيير معاملتهم بقي مكتومو القيد دون جنسية حتى اللحظة؛ إذ إنّ هناك من يتتبّع تسيير معاملته منذ صدور البلاغ الوزاري، ولم يحصل على الجنسية بعد.
إحصائيات:
- وقد ذكر تقرير حقوقي[6]لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” صدر في أيلول 2018 أنّه حتى مطلع العام 2011 بلغ عدد فئة “أجانب الحسكة/أصحاب البطاقة الحمراء” المسجّلين ضمن القيود الرسمية للحكومة السورية (346242) فرداً، ومع نهاية شهر أيار/مايو 2018 بلغ عدد الحاصلين على الجنسية السّورية من الفئة نفسها (326489) فرداً، فيما لا يزال هنالك (19753) فرداً محروماً منها.
- وحصل ما يُقارب (50400) ألف كُردي سوري على الجنسية، بعد تصحيح وضعهم القانوني من فئة المكتومين إلى فئة أجانب الحسكة وبالتالي إلى فئة المواطنين السوريين. ولكن هنالك حوالى (41000) ألف حالة لم تستطع تصحيح وضعها القانوني؛ بسبب مشكلات صادفتها المديرية أثناء إدخال ملفاتهم إلى قيود فئة أجانب الحسكة. وما زال هنالك أكثر من (50000) ألف شخص لم يحضروا إلى دوائر النفوس لتصحيح أوضاعهم القانونية، وفقاً لتقرير أعدّته مُنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بعنوان “المواطنة السورية المفقودة: كيف دمر إحصاء عام 1962 حياة الكرد السوريين وهويتهم”.
ملاحظات:
وبعد منح الجنسية لنسبة كبيرة من الأكراد السوريين، المجرّدين من الجنسية ميّز النظام السوريّ هوياتهم الشخصيّة، التي حصلوا عليها بشيفرات خاصة، حيث تمّ وضع رقم (8) بعد رقم القيد لتصبح كالتالي: ××/8.
ما يدفع بعضهم إلى التخوّف من إمكانية سحبها أو التعامل مع حامليها معاملة خاصة
مكتومو القيد… أكراد سوريّون غرباء في بلادهم
الحزام (العربي) في الجزيرة السورية
المراجع:
- عنب بلدي-مرسومان والآلاف من الأكراد بلا جنسية
- الحزام العربي في الجزيرة السورية – مركز توثيق الانتهاكات
- المرسوم 49 لعام 2011
- المرسوم 93 لعام 1962
- المرسوم /43/لعام 2011
- التعليمات التنفيذية للمرسوم 43 لعام 2011
حوالي 20 ألف كردي سوري محرومون من الجنسية و46 ألفاً «مكتومو القيد»