مع استمرار الحرب الأهلية السورية في تدمير البلاد، برزت تركيا كأكبر مضيف للاجئين السوريين ، حيث لجأ أكثر من 3.6 مليون سوري إلى داخل حدودها. أدى الصراع في سوريا، الذي بدأ في عام 2011، إلى نزوح واسع النطاق، كما أن قرب تركيا من سوريا جعلها الوجهة الرئيسية للفارين من العنف والاضطهاد والدمار.
وفي حين أن استجابة تركيا لأزمة اللاجئين كانت جديرة بالثناء من نواحٍ عديدة، إلا أن البلاد تواجه العديد من التحديات المتعلقة بالتكامل والمشاعر العامة والوصول إلى الخدمات. يستكشف هذا المقال دور تركيا كدولة مضيفة، والتحديات التي تواجهها، والفرص المتاحة لخلق بيئة أكثر استدامة ودعمًا لكل من اللاجئين والمجتمع المضيف.
أدى الصراع السوري إلى نزوح الملايين، مخلفًا واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في القرن الحادي والعشرين. منذ اندلاع الحرب، فتحت تركيا أبوابها للسوريين الفارين من العنف والاضطهاد، مانحةً إياهم ملاذًا آمنًا في مدن مختلفة في أنحاء البلاد. ويمثل اللاجئون البالغ عددهم 3.6 مليون لاجئ جزءًا كبيرًا من الشتات السوري، حيث وصل العديد منهم كعائلات، وقاصرين غير مصحوبين بذويهم، وأفراد يبحثون عن الأمان من الصراع الدائر في وطنهم. وقد شملت استجابة تركيا لهذه الأزمة إنشاء مخيمات للاجئين، بالإضافة إلى دمج السوريين في المناطق الحضرية، حيث يجدون غالبًا فرص عمل ومجتمعًا وفرصًا لحياة جديدة.
على الرغم من كرم الضيافة التركي، إلا أن اندماج اللاجئين السوريين لم يكن سلسًا على الإطلاق. فقد أثقل حجم تدفق اللاجئين كاهل البنية التحتية التركية، التي لم تكن مصممة في البداية لاستيعاب هذا العدد الكبير من الناس. وبينما قطعت تركيا شوطًا كبيرًا في توفير الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم والسكن، لا تزال هناك تحديات عديدة. يُشكل وجود ملايين اللاجئين ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد التركي. وبينما يُساهم العديد من السوريين في الاقتصاد من خلال العمل، وخاصةً في الزراعة والصناعة، فقد خلق تدفق اللاجئين منافسة على الوظائف، لا سيما في المدن التي تُعاني بالفعل من البطالة وعدم الاستقرار الاقتصادي. وقد أدى ذلك إلى توترات بين اللاجئين والسكان المحليين حول فرص العمل والمزايا الاجتماعية.
ينحدر اللاجئون السوريون في تركيا من خلفيات ثقافية ولغوية ودينية متنوعة. وقد تعقدت عملية دمج اللاجئين في المجتمع التركي بسبب الاختلافات الثقافية والتمييز وغياب التفاهم بين المجتمع المضيف واللاجئين. وفي بعض المناطق، ثمة مخاوف بشأن التماسك الاجتماعي، مع تصاعد التوترات بين اللاجئين والسكان المحليين حول قضايا مثل السكن والتعليم والرعاية الصحية.
استغل القادة السياسيون قضية اللاجئين لحشد الدعم، معتبرينها أحيانًا مسألة أمن أو سيادة وطنية. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الانقسامات داخل المجتمع التركي، وكثيرًا ما يجد اللاجئون أنفسهم في وضع اجتماعي وسياسي هش. كما أن تزايد المعارضة الشعبية يستدعي بذل المزيد من الجهود لتعزيز الحوار والتفاهم بين اللاجئين والمجتمعات المحلية. فبدون مشاركة فعّالة وبرامج بناء مجتمعية، قد يؤدي الاستياء إلى مزيد من تقويض النسيج الاجتماعي للمجتمع المضيف.
استثمرت تركيا بكثافة في مخيمات اللاجئين، حيث وفرت لهم الغذاء والمأوى والرعاية الطبية والتعليم. صُممت هذه المخيمات، التي تقع في المقام الأول بالقرب من الحدود السورية، في البداية لتوفير مأوى مؤقت، لكنها أصبحت موطنًا للعديد من السوريين لسنوات. كما عملت الحكومة مع المنظمات الدولية، بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات غير الحكومية، لتوفير الدعم والموارد للاجئين. ومع ذلك، يعيش جزء كبير من اللاجئين في المناطق الحضرية، حيث أصبحت المستوطنات غير الرسمية أكثر شيوعًا. يُعد التعليم مجالًا رئيسيًّا أحرزت فيه تركيا تقدمًا ملحوظًا. فتحت الحكومة أبوابها للأطفال السوريين لدمجهم في نظام التعليم التركي. بالإضافة إلى ذلك، تم تقديم برامج التدريب المهني لمساعدة اللاجئين على تطوير المهارات التي يمكن أن تؤدي إلى فرص عمل أفضل. ومع ذلك، لا يزال العديد من الأطفال السوريين خارج المدرسة، ولا تزال جودة التعليم تمثل تحديًا، لا سيما بالنسبة لأولئك الذين فاتتهم سنوات من الدراسة.
مع أن للسوريين الحق في العمل في تركيا، إلا أن واقع إيجاد عمل أكثر تعقيدًا. يعمل العديد من اللاجئين في القطاع غير الرسمي، حيث غالبًا ما تُهمل حقوق العمل، وتتسم ظروف العمل بالسوء. بذلت الحكومة التركية جهودًا لدعم التكامل الاقتصادي من خلال سنّ لوائح تسمح للاجئين بالعمل بشكل قانوني، ولكن ثمة حاجة إلى مزيد من المبادرات لضمان مساهمة السوريين بشكل كامل في الاقتصاد التركي.
في حين أن التحديات التي تواجه تركيا في استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين لا يمكن إنكارها، إلا أن هناك فرصًا لإيجاد حل أكثر شمولاً واستدامة لأزمة اللاجئين. لا يمكن لتركيا معالجة أزمة اللاجئين بمفردها. لذا، يُعدّ زيادة دعم المجتمع الدولي، بما في ذلك المساعدات المالية والخبرة الفنية وخيارات إعادة توطين اللاجئين، أمرًا بالغ الأهمية. ويمكن للتعاون مع الاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، أن يخفف بعض الأعباء عن تركيا، إذ يشارك الاتحاد الأوروبي في توفير التمويل لبرامج دعم اللاجئين في البلاد.
لتعزيز التماسك الاجتماعي، يمكن لتركيا تطوير برامج مجتمعية تجمع اللاجئين والسكان الأتراك المحليين. يمكن أن تركز هذه البرامج على التبادل الثقافي، واكتساب اللغة، ومشاريع التنمية المجتمعية المشتركة، مما يساعد على إزالة الحواجز بين الفئات وبناء التفاهم المتبادل. يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا حاسمًا في عملية الاندماج من خلال توفير فرص العمل والتدريب المهني للاجئين. يمكن للشراكات بين الشركات والمنظمات غير الحكومية أن تساعد في خلق فرص عمل مستدامة تعود بالنفع على اللاجئين والاقتصاد التركي على حد سواء.
يُسلّط دور تركيا، كأكبر مُضيف للاجئين السوريين، الضوء على التحديات الهائلة والفرص الهائلة التي تُمثّلها أزمة اللاجئين العالمية. وبينما قطعت البلاد شوطًا كبيرًا في توفير المأوى والحماية والدعم للسوريين الفارّين من العنف، لا تزال القضايا المتعلقة بالاندماج، والرأي العام، وتخصيص الموارد مُعقّدة. ومن خلال مواصلة الاستثمار في التعليم والتوظيف والتماسك الاجتماعي، يُمكن لتركيا ضمان مساهمة اللاجئين فيها بشكل إيجابي في مستقبل البلاد، مما يُرسّخ مجتمعًا أكثر شمولًا ومرونة للجميع. ومع ذلك، فإن التعاون الدولي والاستراتيجيات طويلة المدى سيكونان حاسمين في ضمان ازدهار كل من اللاجئين والمجتمعات المُضيفة في ظلّ التحديات المستمرة.
عن موقع Policy Wire بقلم صوفيا لانجلي 25 آذار (مارس) 2025.