أظهر الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل، وجود ثلاثة اتجاهات إزاء الموقف من نظام الأسد وخطة المبعوث الدولي “ستافان دي ميستورا” لتجميد القتال بدءاً من حلب شمال البلاد، على أن تشهد الدول الأوروبية مزيداً من المشاورات لصياغة استراتيجية موحدة تقر في فبراير/ شباط المقبل وتعيين مبعوث خاص إلى سورية.
وكان “دي ميستورا” قدم إلى الوزراء الأوروبيين في عشاء عمل شرحاً عن خطته للحصول على دعمهم السياسي والاقتصادي، الأمر الذي عبر عنه الوزراء في بيانهم الختامي الأسبوع الماضي، من دون دخول في تفاصيل الخطة الفنية وعلاقتها بالبعد السياسي وقرار مجلس الأمن.
وقال مسؤول أوروبي أمس إن “الاجتماع الوزاري أظهر وجود ثلاثة اتجاهات إزاء التعامل مع الخطة والموقف من بشار الأسد ونظامه وعلاقة ذلك بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية”.
واقترحت دول اسكندنافية التعاطي مع الأسد كـ”أمر واقع” في ضوء التحدي الذي شكله “تنظيم الدولة” ما اقتضى ضرورة تعاطي الدول الأوروبية مع القضية السورية “في طريقة مختلفة عن السنوات السابقة تنطلق من الواقع من دون منح شرعية للنظام”، في حين كان موقف كتلة ثانية تضم قبرص والنمسا وتشيك ودولاً أخرى يقوم على اعتبار “النظام شريكاً في الحرب ضد التنظيم والنظر إلى جذور الأزمة والمسؤول الفعلي عن صناعة التطرف”.
ووفق المسؤول، فإن هاتين الكتلتين متحمستان إلى خطة “دي ميستورا” وضرورة تقديم “كل الدعم لها ودعم تشكيل حكومة شاملة في سورية مثل العراق”، في مقابل وجود كتلة ثالثة تضم بريطانيا وفرنسا وإلى حد ما ألمانيا، تقول “الأسد ليس جزءاً من مستقبل سورية وإن الموضوع ليس أخلاقياً وحسب، بل إنه عملي لأن الدخول في شراكة مع النظام سيؤدي إلى زيادة التطرف ودفع المعارضة إلى حضن التنظيم”، وفق قول مسؤول من إحدى هذه الدول في الاجتماع الوزاري.
كما أن هذا المسؤول شدد على “ضرورة دعم المعارضة المعتدلة وعدم نسيانها رغم الأخطاء التي قامت بها، متهماً النظام بأنه المسؤول وراء ظهور التنظيم وعدم قبول القول إن التنظيم أسوأ من النظام”.
وتعكس هذه الاتجاهات التثميل الديبلوماسي في دمشق، إذ إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا أغلقت سفاراتها في العاصمة السورية وتغطي الملف السوري من سفاراتها في بيروت، في حين أبقت الدول الأخرى على الأقنية الديبلوماسية بمستوى أو آخر، ذلك أن تشيك ممثلة بسفيرة وتضم ديبلوماسياً مسؤولاً عن رعاية المصالح الأميركية، بينما بات ديبلوماسيون بعضهم برتبة سفير ويعمل كقائم بالأعمال من النمسا والسويد وإسبانيا والمفوضية الأوروبية يمضون وقتاً أطول في دمشق، وبدأ بعضهم يجري لقاءات سياسية في الخارجية السورية بعدما كان التواصل مقتصراً على قسم التشريفات.
كما انقسمت الدول الأوروبية في الاجتماع الأخير، إزاء كيفية النظر إلى خطة “دي ميستورا” ذلك أن السويد وإيطاليا، اللتين ينحدر منهما المبعوث الدولي، عبرتا عن الدعم الكامل لخطة حلب، في مقابل تشكيك بريطاني وفرنسي.
واتفقت أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على ورقة تضمنت موقفاً موحداً من خطة “دي ميستورا”، يتناول تسلسل عملية التجميد مع المسار السياسي وتحديد المراحل التدريجية للمبادرة بين المستوى المحلي ومواصلة عملية سياسية على المستوى الوطني وأن يكون الهدف النهائي لتحرك “دي ميستورا” إنجاز عملية وطنية هدفها تطوير تركيبة حكم شاملة، إضافة إلى تأكيد هذه الورقة على ضرورة التزام القانون الدولي الإنساني وأن يكون أيّ اتفاق محلي مستقلاً عن المفاوضات حول تجديد قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 2165 الذي مدد الأسبوع الماضي سنة أخرى.
كما تضمنت الورقة ضرورة وجود “آلية مراقبة” التجميد ودوراً للنشطاء المحليين مع النظر في احتمال الإدخال التدريجي لمراقبين دوليين مدعومين من الأمم المتحدة ومناقشة احتمال إصدار قرار صادر من مجلس الأمن، إضافة إلى التحذير من احتمال محاولة النظام استعادة بعض من مشروعيته الدولية عبر الدخول في حوار حول التجميد من دون نية للتنفيذ.
ووفق المسؤول، فإن الخلاصة الموحدة للمناقشات أسفرت عن “الاتفاق على دعم خطة دي ميستورا رغم المخاطر الكامنة فيها لأنه ليس هناك بديل في الوقت الراهن”، إضافة إلى زيادة الدعم المالي للمساعدات الإنسانية والقيام بمزيد من الانخراط مع اللاعبين الإقليميين والدوليين، مثل روسيا وإيران.
يذكر أن “دي ميستورا” قدم خطته في 31 اكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى مجلس الأمن الدولي، والتي تقضي “بتجميد” القتال في بعض المناطق للسماح بنقل مساعدات والتمهيد لمفاوضات، على أن تكون حلب هي البداية، واعتبر نظام الأسد أن مقترحه “جدير بالدراسة” في حين أعرب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عن تشكيكه بمقترح “دي ميستورا” واعتبر رئيس الائتلاف الحالي هادي البحرة أن مبادرة المبعوث “غير واضحة”.