وقعت وزارة التربية في حكومة النظام منذ أيام مذكرة تفاهم مع نظيرتها الإيرانية تمنح الأخيرة حق الإشراف على تعديل المناهج التربوية وطباعتها في إيران، وكذلك إعادة ترميم 250 مدرسة، وجوانب أخرى تتعلق بمساهمة الإيرانيين بعمليات التدريب والتأهيل في العمليات الامتحانية وضبطها، ودعم التعليم المهني.
هذا يعني أن النظام لم يسلم فقط مفاتيح الاقتصاد السوري للإيرانيين فقط وإنما يمدّ لهم مفتاح عقول السوريين ليعبثوا بها، ويدسوا فيها سمومهم الطائفية والعبثية، ويخلقوا أجيالا جديدة تؤمن بولاية الفقيه، والحرس الثوري المقاوم، والولاء للجمهورية الإسلامية المقدسة.
سيتعلم أبناؤنا برعاية إيرانية كيفية الدعاء على أميركا وإسرائيل بالموت، والذهاب إلى الحسينيات للبكاء على قتلى كربلاء وخذلانهم، وسيرسمون سيوف الانتقام من أحفاد المجرمين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية، ويرددون بدل النشيد الوطني الصباحي نشيد الثورة الخمينية الأبدية.
سيكون في مناهجهم حصة لدروس أصحاب العمائم السوداء التي ستحدثهم كيف يتم تحويل الرمل إلى عسل، وكيف ينتمي الأرنب إلى سلالة الحشرات، وكيف يمكن للولي أن يمد يده الطاهرة من الحجاز إلى كربلاء دون فيزياء.
ما الذي يمكن أن تقدمه وزارة التعليم الإيرانية للسوريين، وهي ابنة النظام الذي لا يؤمن بدور الفن والموسيقى والسينما والمسرح، ولا يؤمن حتى بحق المرأة في حضور مباراة كرة قدم، أو اختيار لباسها وشكله، و يجاهر فقط بصناعة الميليشيات التي تحمل أسماء المظلومين والمقهورين وحاملي لواء الانتقام والقتل؟
أما بقية تفاصيل الاتفاق فهي مساهمة إيران في التعليم المهني، ومن هنا يمكن أن ترى في القريب العاجل دورات تدريبية على صناعة المتفجرات والقنابل بدل الميكانيك والكهرباء، وبدل دورات الحياكة والتطريز سيحل تعليم البنات والنسوة فن صناعة الأحزمة الناسفة والأغطية السوداء التي تحتاجها الحسينيات في حفلات اللطم المنتشرة بحكم التشييع الذي سيدخل المناهج بعقود رسمية وبالمجان.
الفرنسيون احتلوا سوريا ولكنهم رسموا لدمشق مخططها التنظيمي العتيد، وبنوا المدارس المتنورة، وشكل الدولة السورية الحديثة، ونقل عنهم الزعماء الوطنيون والمثقفون آنذاك تجارب الحكم والبرلمان، وأسهموا في تأسيس المصارف السورية وطريقة إدارتها، وهذا ليس احتفاء بالاستعمار كما يحلو للبعض أن يفهمه، ولكنه للمفاضلة بين مستعمر لديه إرث ثقافي وإنساني وبين محتل لا يملك إلا فلسفة القتل والموت والسلاح.
الطغاة لم يجلبوا الغزاة فقط بل أفكارهم ومنهجهم كي تكون الكارثة كاملة لا استيقاظ منها إلا بعد صراع طويل بين أبناء الوطن الواحد أولاً ثم مع الغرباء، وبعد أن تم تسليم ثروات البلاد من فوسفات وغاز وقواعد عسكرية تتم الآن صناعة من يحمي هذا الاستلاب بقوة الفكر، وخلق جيل يجد في المحتلين شركاء فليست الطامة في الإيرانيين وحدهم فللروس أيضاً مدارسهم وقواعدهم وموانئهم، وأما الأعداء فهم أبناء الوطن الذين يفرون الآن باتجاه المجهول بعد تدمير مدنهم وقراهم، وقتل ما بقي منهم على قيد الحياة.
الكاتب: عبد الرزاق دياب
نقلا عن: تلفزيون سوريا