على غرار القاعدة العتيقة، التي تفيد بأنّ كلام الليل يمكن أن يمحوه النهار التالي؛ فإنّ علاقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإسلام، والمسلمين والعالم المسلم استطراداً، يمكن أن تكون اتخذت هذا المآل: كلام المرشح ترامب، أخذ يمّحي مع تحوّله إلى رئيس.
وليس في هذا أية عجيبة، إذْ لا ينفرد ترامب عن سواه من رؤساء أمريكا (أو معظم ساسة عالمنا المعاصر، سواء أكانوا من أرباب الديمقراطية أم الاستبداد)؛ لولا أنّ «عيار» الفارق بين خطابَيْ المرشح والرئيس يبدو هائلاً٫ بل أدعى إلى صناعة البون الشاسع. وهذا الرجل، قائد القوّة الكونية الأعظم، الذي هبط أمس في المملكة العربية السعودية للاجتماع بزعماء أكثر من 50 دولة عربية/ مسلمة؛ هو، نفسه، الذي صرّح بالفم الملآن، أثناء حملاته الانتخابية، أنّ «المسلمين يكرهوننا»، ولديهم تجاه أمريكا «كمّ هائل من الكراهية».
فكيف، بافتراض وجود كمّ قليل فقط من الكراهية، يخطر للرئيس الأمريكي أنّ بلده يستطيع إقامة تحالف أمني وطيد مع عالم المسلمين، والإسلام؛ و»بناء شراكات أمنية أكثر فاعلية من أجل مكافحة ومنع التهديدات الدولية المتزايدة للإرهاب والتطرف من خلال تعزيز قيم التسامح والاعتدال»، كما تردد حرفياً، عن الجانب الأمريكي؟ أليسوا هؤلاء أنفسهم، أبناء الإسلام، هم أهل التطرف والتشدد والإرهاب في ناظر ترامب/ المرشح؟ هل تبدلوا حقاً، وجذرياً، بل انقلبوا إلى نقيض يبرر إقامة الأحلاف معهم، في ناظر ترامب/ الرئيس؟
لعلّ من المفيد استذكار بعض الحقائق البسيطة حول تاريخ العلاقات بين أمريكا والعالم المسلم: أنّ الرئيس توماس جيفرسون علّم نفسه اللغة العربية، مستخدماً نسخة من القرآن الكريم (كان يحفظها في مكتبته الشخصية، ثمّ استخدمها كيث إليسون، أوّل نائب مسلم في الكونغرس، لأداء القسم سنة 2006)، وأنه كان أوّل من أقام مأدبة إفطار رمضانية، استضاف فيها السفير التونسي؛ أو الرئيس دوايت أيزنهاور، الذي حضر الاحتفال الرسمي بافتتاح المركز الإسلامي في واشنطن، صيف 1957، أو الرئيس بيل كلنتون، الذي كان أوّل من أصدر تهنئة رسمية بحلول شهر رمضان، كما عيّن أوّل سفير أمريكي مسلم (عثمان صديقي، في فيجي)؛ أو الرئيس جورج بوش الابن، الذي نقل نسخة القرآن الكريم من مكتبة جيفرسون الخاصة، إلى مكتبة البيت الأبيض، سنة 2005.
وفي سنة 2009، أثناء خطبته العصماء في جامعة القاهرة، شدد الرئيس باراك أوباما على الحقيقة التاريخية التالية: أوّل اعتراف رسمي بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، المستقلة وكاملة السيادة، لم يصدر عن حكومة أوروبية مسيحية، أو شرقية غير مسلمة؛ بل كان السبق فيه قد انعقد لحكومة المغرب، المسلمة! كذلك شاء أوباما المضيّ أبعد، حين اعتبر أنّ ما بين أمريكا والإسلام يظلّ أبعد من مجرد علاقات ثقافية ـ دينية، لغوية أو رمضانية أو بروتوكولية؛ فأقرّ بأنّ الإسلام جزء من أمريكا، بدلالة وجود سبعة ملايين مسلم، وأكثر من 1200 مسجد في مختلف الولايات.
وهكذا، إذا جاز التصديق على كلام ترامب/ المرشح، بصدد ما تحمله الشعوب المسلمة من كراهية للسياسات الأمريكية في المنطقة (وليس للشعب الأمريكي ذاته، كما يقول المنطق البسيط)؛ فهل يجوز، استطراداً، التصديق على نوايا ترامب/ الرئيس، حول استقلاب تلك الكراهية إلى محبّة مع الشعوب، بافتراض أنّ «تحالف» معظم حكام العالم المسلم مع ترامب يختلف، بأيّ معنى، عن التبعية عينها؟
كلا، أغلب الظنّ؛ الأمر الذي يمضي بالسجال إلى سؤال آخر: في العلاقة بين ترامب والإسلام، مَنْ توقف عن كراهية الآخر؟