خلفت الحرب في سوريا ذكريات أليمة محفورة في الذاكرة، لا يقوى العقل على نسيانها، “علي” طفل في العاشرة من العمر كبر قبل أوانه بفعل الحرب الدامية، تلك الحرب التي سرقت منه حضن أمه سرقت منه جوف عائلته وتركته يواجه الحياة وحيداً بلا سند يتكئ عليه.
كان الليل مسدلاً ستائره حين استهدفت طائرات النظام السوري قرية أورم الكبرى بريف حلب الغربي الذي صب عليها جام حقده في الآونة الأخيرة، لم يعد الليل رمزا للهدوء والسلام في نظر علي بل أصبح ما إن حل مصدرا للذكريات الأليمة ..مصدرا للرعب .. للآهات.. للألم.
ففي ليلة أشبه بكابوس مرعب يعاش، فقد علي عائلته بعد استهداف الطيران الحربي لمنزلهم، كان علي الطفل الوحيد الذي خرج من تحت الأنقاض متأثرا بجروح بالغة.
استيقظ في اليوم التالي ليرى نفسه في المشفى مصاباً لا يقوى على الحركة، يلتفت بعينيه إلى يمينه ثم إلى شماله عله يجد أحدا من عائلته ينسيه وحشة المكان.
يقول علي بصوته المرتجف من الحزن: ” لم أكن أتخيل نفسي سأغدو وحيدا بلا أمي بلا أبي بلا إخوتي، بلا بيت يحتويني أتمنى أن يأتي أحد وينتشلني من هذا الكابوس الأسود؛ لأصحو على ابتسامة من أمي مفعمة بالحياة”.
يبقى علي ساعات طويلة شارد الذهن شاخص العينين يتأمل في السماء وكأنه يرى عائلته الراحلة، يتمتم أغلب الوقت وكأنه يحاور أمه، يأنبها لم غادرت بدونه وتركته وحيدا هنا، تنهمر الدموع من عينيه وهو غارق في ذكرياته، يبكي بصمت كرجل في الأربعينات من عمره، عله يقول لنفسه أنا كبرت ويجب أن أتحمل مسؤولية نفسي من الآن فصاعداً.
اختفت ملامح الطفولة من وجهه البريء، لم يعد يفرح بما يفرح به الأطفال الصغار، بات الذي ينتظره أكبر من أن يعاش في مرحلة الطفولة، أي ألم وأي غربة نفسية سيمر بها.
يعيش علي في بيت عمه الآن وسط أولاد عمه، يتأمل امرأة عمه كل يوم حين تقوم برعاية أطفال عمه، حين تلاعبهم وتهتم بهم وحين تحضنهم بذراعيها من خوف الطيران، يكتفي بالنظر والتأمل، وملامحه المتعبة من ضجيج ذكرياته ترتسم على وجهه ليقول في النهاية وبغصة شديدة أمي كانت تعاملني هكذا.
هل هناك من يسترد لعلي ولغيره من الأطفال حقهم في عيش طفولة آمنة، لا يعتريها خوف من طيران ولا تقتحمها كوابيس الواقع المؤلم؟
مجلة الحدث- نور سالم