على الرغم من أن الرئيس الروسي مسؤولٌ جزئياً عن المجزرة في سوريا، إلا أنه وبعد ستّة أعوام من الحرب الأهلية ستكون المناطق الإنسانية الآمنة خطوة نحو الأمام
يبدو أن فلاديمير بوتين تمكّن مرة أخرى من التحكم بالأرض واستلام زمام المبادرة في سوريا، وذلك عندما أعلن يوم أمس أنه توصل إلى اتفاق واسع النطاق لإقامة مناطق إنسانية آمنة في جميع أنحاء سوريا عقب مناقشات مع دونالد ترامب وتركيا وإيران.
كما يدّعي الرئيس الروسي أنه قادر على إنفاذ اتفاقية وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها في أستانا قبل بضعة أسابيع، والتي تُعدّ حالياً مجرّد فشل ذريع، وذلك عن طريق إنشاء مناطق حظر جوي بالتعاون بين الجيش الروسي والإيراني والتركي ونظيرهما الأمريكي لحماية المناطق الآمنة على الأرض. كما يعترف، لحسن الحظ، بأن وجود قوات أممية قد يكون ضرورياً.
وعلى الرغم من أنه ليس من المستساغ بالنسبة لي أن أتفق مع بوتين، بعد ستّة أعوام من الحرب الأهلية ومقتل ما يربو على 500 ألف إنسان وبعد الكم الهائل من الهجمات باستخدام الأسلحة الكيماوية والدمار الشامل الذي حلّ بتلك البلاد، إلا أنني على استعداد لأمنحه الفرصة وأقدم الدعم والجهود المطلوبة في حال تمكّن، إلى جانب الرئيس ترامب، من دفع عملية جنيف لتفضي إلى حل ديمقراطي. وإني أحثُّ رئيسة وزرائنا على أن تقوم بدور قيادي وأن تسمح للمملكة المتحدة بأن تُخرِج نفسها من مستنقع خروجها من الاتحاد الأوروبي ومسائل الانتخابات، وأن تُثني على مهاراتنا الدبلوماسية والعسكرية المتواضعة لمساعدة هذا البلد المدمر.
ويدّل مفهوم المنطقة الآمنة على أن الغالبية العظمى من السوريين يريدون البقاء في بلدهم سوريا، أو العودة إلى سوريا إذا ما تحررت من الطغيان والإرهاب. ويبدو أن روسيا قد تعلّمت درساً من الغارات الجوية الأمريكية، التي أؤيدها بشدة؛ لكن بوتين ليس أحمقاً ولا بدّ أنه يريد السلام في سوريا بقدر ما يريده الجميع. بناءً على هذا، من الواضح أنه يجامل الرئيس ترامب ليدعمه في ذلك، وليس هنالك من شك في أنه يطالبه برفع العقوبات التي تعيقُ الاقتصاد الروسي لتكون خطوة مقابل إنجاز خطة السلام الأساسية هذه.
ويقترح بوتين بدايةً إقامة أربع مناطق آمنة؛ في محافظة إدلب وفي ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية وجنوب سوريا. وكانت هذه المناطق جميعاً قد دُمّرت نتيجة البراميل المتفجرة التي اعتاد النظام السوري استخدامها ضد شعبه والغارات الجوية الروسية واستخدام الأسلحة الكيماوية وشنّ الهجمات على المستشفيات، لذا فإنَّ أي نوع من السلام سيكون موضع ترحيبِ فيها.
والمنطقة التي أعرفها أكثر من غيرها من بين هذه المناطق هي محافظة إدلب، في الشمال الغربي السوري، والتي ما تزال تعاني من آثار الهجوم الكيماوي الذي وقع يوم 4 أبريل/ نيسان في بلدة خان شيخون. كما يوجد قرابة 50 ألف لاجئ في المخيمات الموجودة فيها، يعيش أولئك اللاجئون في يأس وفقر مدقعين. وبالنسبة للغذاء والماء والكهرباء فمن الممكن أن يصل إليهم عن طريق عدد من المنظمات الحكومية المتمركزة على الحدود في تركيا، بالإضافة إلى ذلك تجد فيها أن مخيمات اللاجئين آخذة بالتوسع.
أمّا الأمن والأمان فهما المطلبان الرئيسان والمهمان للمناطق الآمنة؛ لذا من الضروري جداً إبطال السلاح الجوي السوري، وهو أمرٌ لا بد من أن يكون بمقدور بوتين الإقدام عليه. ومن الممكن أن يُقدَّم الدعم لعملية إحلال الأمن في هذه المناطق الآمنة عن طريق السفن البحرية الموجودة في شرق البحر الأبيض المتوسط باستخدام الرادار والصواريخ.
وأتوقّع أنه سيتعين علينا تقبّل وجود القوات الروسية والإيرانية على الأرض لتوفير عنصر الأمن، ونظراً لوجود هذه القوات في سوريا في الأصل من الممكن لها أن تُعجّل في عملية السلام. بيد أنه إن أردنا ضمان التحكم فيها والسيطرة عليها، يجب أن يكون ذلك كله تحت شعار الأمم المتحدة وأن يتبع قواعد الأمم المتحدة للمشاركة وطريقة العمل. كما سيحتاج الأمر إلى لمسة حساسة ومرنة وينبغي أن يقود العملية خبراء في هذا النوع من العمليات. علاوةً على ذلك، كان “بوريس جونسون” قد ألمح مسبقاً إلى أنه من الممكن للقوات البريطانية أن تكون متاحة للقيام بهذا الدور، وأفضّل بدوري وجود قوة غربية في معظمها. إذ ستتمكّن هذه القوة من تأمين وصول المساعدات وتقديم الدعم لإعادة الإعمار، ما سيخلق ظروفاً إيجابية تستطيع عملية جينيف أن تتكشّف من خلالها.
وليس خفىّ على أي أحد الصعوبات والتحديات التي سنواجهها لتحقيق ذلك، ذلك أن الأمر سيتطلّب دعماً واتفاقاً تركياً روسياً وإيرانياً وأمريكياً وبريطانياً وأممياً كاملاً وطويل الأمد.
لقد ضمّت هذه المعركة الكثير من “الكلاب”، إلا أنَّ الولايات المتحدة هي الأكبر من بينها، وآمل أن تنبح بأعلى صوتها. وإذا ابتغينا تحقيق النجاح في العملية، علينا عندها أن نسد الحجة الماسة إلى وجود موارد كبيرة.
ومع أني أجد أن دعم مبادرة بوتين أمر مقيت، لا سيما بعد أن قصفت قواته مراراً وتكراراً المستشفيات التابعة لاتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية “UOSSM” الخاصة بنا ومقتل كوادرنا فيها، إلا أنني أيّدت إقامة المناطق الآمنة منذ زيارتي الأولى لسوريا عام 2013، وسأواصل القيام بذلك من أجل مصلحة تلك البلد. كما سأستمر، إلى جانب الكثيرين، بجمع الأدلة ليواجه أولئك المتهمون بارتكاب الكثير من الأعمال الوحشية في البلاد، ليواجهوا العدالة يوماً ما في محكمة الجنايات الدولية.
الغارديان- ترجمة السوري الجديد