هناك من قال قديماً أن “عدو عدوك هو صديقك, وحليف حليفك هو صديقك”, قد تبدو هذه المقولة مجرد كلام يطلقه المغرمون بالأمثال الشعبية التي يتدوالها الناس فيما بينهم, وربما يتحول بعض هذه الأمثال إلى أساليب تعبر عن التهكم والسخرية, ولكن المضحك المبكي أن نجد هذه الأمثلة حاضرة فعلياً في سياسات الدول والحكومات, التي تسعى جاهدةٍ إلى إقامة الأحلاف وزرع بذور العداء فيما بينها على أسس جيوسياسية تحددها المصلحة العليا وتؤثر الأحداث التاريخية في مدى ثباتها واستقرارها..
الملف السوري واختلاط التحالفات:
لم يدر الشعب السوري عندما قرر الانتفاض على النظام الحاكم في البلاد منذ مايقارب 57 عاما, أن المسألة ستخرج عن الحسبان لتدخل في النفق المظلم الذي خططت لإنشائه العديد من الأطراف الدولية, فبعد ست سنوات من الحرب الدامية في البلاد تتجه الأحداث إلى إقامة جزر محكومة بالوكالة وتابعة للعديد من اللاعبين بعد أن أصبح الوكلاء مجرد أدوات لتنفيذ أجندات المحتلين الجدد من حيث يعلمون أو لا يعلمون, والمفارقة الكبيرة أن يختلف اسم الوكيل الذي انفرد بحكم كانتونه المتغير الحدود وأن يتوحد اسم المحتل الذي يدعمه..
وهذا ما ينطبق اليوم على ما تقوم به وحدات حماية الشعب الكردية, التي أصبحت أداة تنفيذية لأجندات خارجية تستهدف وحدة الأراضي السورية, فبعد تحالفها وتنسيقها المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية, تدخل هذه الوحدات اليوم تحت عباءة الحماية الروسية مع فارق الإتجاه فقط من شرق حلب إلى غربها, ليكتمل المشهد المتناقض, وحدات كردية انفصالية تنسق مع الروس والأمريكيين المختلفين بالأصل حول شكل الحل في سورية, والروس يدعمون النظام والأمريكيين يدَّعون دعم المعارضة السورية المعتدلة, والوحدات الكردية تعادي المعارضة السورية, وتمد يد العون للنظام!!.
روسيا والأكراد والتفاهم الجديد:
أكدت مصادر إعلامية تابعة للملشيات الكردية في الشمال السوري الإثنين الفائت قيام روسيا بنشر قوات لها على الحدود التركية بمنطقة عفرين الخاضعة لسلطة وحدات الحماية الكرديةفي ريف حلب الغربي كخطوة تكتيكية لمنع مواجهات محتملة بين الأكراد والأتراك بعد تصاعد لهجة التهديد والوعيد من قبل مسئوولي الدولة التركية, واللافت للنظر أن هذه الخطوة جاءت بعد أيام من نشر الولايات المتحدة قواتها على الحدود التركية مع سوريا لنفس الغاية وهي منع الصدام بين شركائها الأعداء!, بعدما شنت تركيا الأسبوع الماضي غارات جوية ضد المقاتلين الأكراد المدعومين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية, ما أسفر عن مقتل 18 شخصاً على الأقل وتدمير عدد من الآليات التابعة لهم إضافة لتدمير مقرهم.
يتذرع الأكراد بأنهم قاموا بالتنسيق مع الروس الذين تجاوبوا مع الأمر مباشرة بنشر قوات عسكرية في عفرين بسبب تصاعد التهديدات التركية وزيادة انتشار العتاد العسكري التركي قبالة عفرين من داخل الحدود التركية بالإضافة لزيادة القصف التركي المدفعي على مواقع وحدات حماية الشعب.
يعتقد الأكراد أن الوجود العسكري الروسي على الحدود سيساهم في وقف الهجمات التركية, كما حدث في منبج حينما انتشرت هذه القوات في الريف الغربي, ضمن إطار التعاون الذي بدأته وحدات حماية الشعب مع الجانب الروسي بعد الاتفاق على إقامة قاعدة عسكرية روسية في عفرين من أجل التدريب والمساعدة على بناء قوات كردية بهيكلية الجيوش النظامية.
يكرر الأكراد اليوم ما جرى تماماً في شرقي الفرات عندما انتشرت القوات الأمريكية تحت حجة ردع التهديدات التركية والمفارقة أيضاً هي أن تركيا حليف قديم للولايات المتحدة الأمريكية كما تقوم بالتنسيق عالي المستوى مع الروس اليوم يتمثل في رعاية مؤتمر أستانة 4 الذي يسعى المشاركون فيه إلى تحقيق وقف إطلاق نار شامل وحقيقي في سورية, وهذا ما يفسر لنا قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى روسيا حيث التقى فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين..
سياسة الإستفزاز:
بدون شك ان الانتشار الروسي الأخير في عفرين استشاط غضب أردوغان, لأنه يحمل رسائل عديدة موجهة إلى تركيا, ففي ذات الوقت الذي تنسق فيه انقرة مع موسكو العمل في أستانة, ترد موسكو بدعم وحماية للأكراد على الحدود الجنوبية لتركيا بالشكل الذي يجعل من هذه الخطوة مجرد استفزاز للاتراك لا غير..
واللافت للنظر هو لجوء الوحدات الكردية إلى رفع العلم الروسي وعلم النظام السوري فوق العديد من القرى التي تسيطر عليها, الأمر الذي يطرح العديد من إشارات الاستفهام حول نية موسكو القيام بنشر قواتها في منطقة عفرين في ريف حلب الغربي لغايات أبعد من منع صدام محتمل بين الأتراك والأكراد, وربما تكون خطوة خطيرة أو لغم “مدفون” يستهدف مناطق الثوار في ريفي حلب وإدلب مستقبلاً
هذه التحالفات التي يقيمها الأكراد مع أعداء الثورة السورية, من الممكن أن تتحول إلى عداء مستقبلي يفتح النافذة لعدم استقرار حقيقي نتيجة الاستفزاز المتواصل للثوار والأتراك لتدخل المنطقة في أتون حرب أهلية -. إقليمية إضافية تزيد من التعقيد الذي يزداد في المنطقة يوما بعد يوم.
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.