فقد نزح عشرات الآلاف من ريفي حلب واللاذقية منذ نهاية يناير/كانون الثاني وحتى فبراير/شباط الماضيين إلى الحدود التركية بسبب كثافة القصف الجوي على مناطقهم وتقدم قوات النظام والمليشيات المؤيدة له في تلك المناطق.
فقد نزح زهاء عشرين ألفا من بلداتهم وقراهم في جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي (غرب) باتجاه الشريط الحدودي مع تركيا، كما تم تهجير أكثر من خمسين ألفا من سكان مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي في الفترة نفسها، في ظل وضع مأساوي لهؤلاء النازحين على الحدود السورية التركية وغياب المساعدات الإنسانية وتأخرها.
لم تكد تلك الظروف العصيبة تمر حتى بدأت الأنباء تتواتر من محيط العاصمة دمشق التي تعاني من حصار خانق من قوات النظام عن عمليات تغير ديمغرافي في ظل تهجير سكان تلك المناطق، حيث اتهم ناشطون في القلمون في ريف دمشق قوات النظام وحليفه حزب الله اللبناني باستغلال غياب عوائل المعارضين وشبابهم بجلب عائلات مقاتليه من الداخل اللبناني وجعلهم يسكنون في منازل المعارضين المصادرة في مدينة يبرود.
كما وجهت اتهامات مماثلة لحزب الله “بتهجير ممنهج” للسكان من محيط منطقة الزبداني المحاصرة بريف دمشق والمحاذية للحدود مع لبنان.
في غضون ذلك، فشلت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية خلال أشهر في إدخال مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة إلا قليلا ومنها بلدة مضايا بريف دمشق التي خلف حصارها أعدادا من الوفيات بسبب الجوع. كما أخفق مجلس الأمن في إصدار أي قرار يرفع الحصار و”سياسة التجويع” التي يمارسها النظام عن تلك المناطق، واكتفى بإصدار بيانات التنديد والاستنكار.
منعطف داريا
وشكل تهجير سكان داريا بالغوطة الغربية من دمشق منعطفا فيما لحقها من تطورات مماثلة، فبعد أعوام من الحصار وسياسة التجويع نجح النظام السوري في إجبار الآلاف من المعارضة وعائلاتهم يوم 26 أغسطس/آب على الخروج من مدينة داريا إلى إدلب شمالي البلاد حيث أصبحت المدينة خاوية من أهلها بعد ذلك التاريخ.
تبع ذلك في سبتمبر/أيلول إجلاء المئات من المقاتلين وعائلاتهم من حي الوعر المحاصر في مدينة حمص وسط البلاد إلى ريفها الشمالي، في وقت يواصل النظام حصاره للحي لإجبار من تبقى على التسليم والخروج.
وبدت المناطق المحاصرة لأعوام تتساقط تباعا كأحجار الدومينو بعدما دعت موسكو لتكرار تجربة تهجير سكان داريا، وهو ما دفع منسق الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية رياض حجاب لإرسال رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يقول فيها إن حلب وحمص وريف دمشق ومناطق أخرى تشهد تغييرا ديمغرافيا وتهجيرا قسريا، محذرا المنظمة من أن “تغرق في تبعاته القانونية والأخلاقية”.
ورغم نفي الأمم المتحدة علمها المسبق بإخلاء داريا وخطة للنظام السوري في ذلك واعتبرتها مخالفة للقانون الإنساني، فإن ذلك لم يكن كافيا لوقف خطط النظام “الممنهجة” لاستكمال عمليات التهجير.
فانتقل إلى معضمية الشام المجاورة لداريا حيث هجّر آلافا من أهلها وأخرج المقاتلين يوم 199 أكتوبر//تشرين الأول، تلا ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني إبرامه اتفاقا لإخلاء المسلحين من منطقتي قدسيا والهامة بريف دمشق مقابل إدخال المواد الغذائية للمنطقتين.
جانب من تهجير بعض أهالي حي الوعر إلى ريف حمص الشمالي (ناشطون) |
مشهد الختام
واختتم النظام عمليات التهجير حول دمشق نهاية نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول في كل من مخيم خان الشيح ومدينة التل على التوالي حيث غادر الآلاف من المقاتلين وعائلاتهم إلى ريف إدلب.
وأكمل النظام مشهد التهجير مع إجلاء عشرات آلاف المدنيين والمقاتلين من أحياء حلب الشرقية بعد حملة قصف وعمليات عسكرية مكثفة وتدمير للمستشفيات والمنشآت الخدمية، انتهت بإبرام اتفاق نص على إجلاء كل المدنيين والمقاتلين من شرقي حلب بالتزامن مع إجلاء 2500 من قريتي الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما المعارضة المسلحة، وآخرين من بلدتي مضايا والزبداني بريف دمشق اللتين يحاصرهما مقاتلو حزب الله وقوات النظام.
لكن مشهد التهجير شمل أيضا اتهامات من منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش لوحدات حماية الشعب الكردية بالتهجير القسري للسكان العرب والتركمان لقرى عديدة من ريفي الرقةوالحسكة بعد السيطرة عليهما في مارس/آذار، وهو ما نفته الوحدات الكردية واعتبرت ما تم لضرورات عسكرية وبمناطق محدودة.
ولم يقتصر مشهد التهجير والنزوح على داخل الأراضي السورية، بل يعاني عشرات الآلاف من اللاجئين العالقين على الحدود الأردنية السورية من أوضاع إنسانية صعبة مع رفض السلطات الأردنية دخولهم، في وقت يفاقم البرد أوضاع لاجئين آخرين على الحدود مع تركيا بانتظار أن يحمل العام القادم للمهجرين والنازحين وضعا أفضل أو حلا لهذه المأساة الإنسانية الكبرى.