يُمكن اعتبار عام 2015 الأسوأ سياسياً وإنسانياً في قطاع غزة المحاصر منذ عشر سنوات، فلا شيء تغيّر في القطاع هذا العام، بل على العكس تماماً، صارت الأوضاع أكثر تعقيداً وصعوبة، وبات حلّ الملفات أكثر إلحاحاً، خصوصاً في جانبي المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، والأوضاع المعيشية الصعبة لنحو مليوني إنسان يعيشون في بقعة جغرافية صغيرة.
عاش قطاع غزة أسوأ أيامه في 2015، ولم تغادره أشباح الحرب في أي يوم من أيام العام، ولا انتهى الحصار، بل تعقّدت الأمور بتضييق مصري، هو الأشد منذ عودة العسكر لحكم مصر، وفتح معبر رفح لحوالي عشرين يوماً فقط هذا العام، مع إبقائه مغلقاً معظم الأوقات.
في 2015، شدّد الاحتلال الإسرائيلي حصاره على القطاع، الذي لا يزال ملف إعماره معطلاً على الرغم من انطلاقه ببطء، كما أن مواد البناء ممنوعة من الدخول إلا عبر نظام أمني إسرائيلي. أما الانقسام الفلسطيني فظلّ يراوح مكانه، وفي بعض الأحيان زادت حدته عن ذي قبل، مع عدم تمكين حكومة التوافق من القيام بعملها في غزة، وإهمالها للقطاع.
في هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، حاتم أبو زايدة لـ”العربي الجديد”، إنّ “عام 2015 كان الأسوأ في السنوات الأخيرة على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بشكل عام، بفعل تشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع، وإغلاق معبر رفح بشكل شبه دائم، فضلاً عن الواقع السياسي المعاش”.
ويوضح أبو زايدة أنّ “القضية الفلسطينية شهدت تراجعاً واضحاً خلال عام 2015، من ناحية الاهتمام العربي والدولي بفعل الأوضاع الإقليمية، واشتعال الملف السوري بشكل كبير، وحالة الجمود في ملف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل”.
ويشير أبو زايدة إلى أنّ “استمرار الحصار الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة للعام العاشر، وتشديد السلطات المصرية للخناق على غزة بفعل توتر العلاقات مع حركة حماس، كان من أهم الأمور التي أسهمت في تردي الأوضاع المعيشية والإنسانية”. ولا يرى أبو زايدة بوادر إيجابية عن تحولات دراماتيكية في المشهد السياسي الفلسطيني، في ظل الواقع الإقليمي والدولي الحالي، وانخفاض مستوى الاهتمام بالقضية الفلسطينية.
ويلفت المحلل السياسي الفلسطيني إلى أنّ “مستقبل العلاقات بين حركة حماس ومصر لن يشهد أي تطور أو تقدم، في ظل استمرار حالة التوتر القائمة، وإغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح وحالة الضغط السياسي التي يجري فرضها على الحركة الإسلامية لتسليم القطاع للسلطة الفلسطينية”.
ويشير إلى أنّ “النظام المصري القائم حالياً يقف حائلاً أمام أي حلّ سياسي يمكن أنّ يساهم في رفع أو تخفيف الحصار الإسرائيلي المفروض، وسيمنع أي تقدم تحاول تركيا أنّ تقوم به من خلال المحادثات الدائرة حالياً مع إسرائيل، والتي تشترط فيها السلطات التركية رفع الحصار بشكل كامل عن غزة”.
يتوقع أبو زايدة أنّ “الانتفاضة الفلسطينية المشتعلة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ستأخذ شكلاً مسلحاً بشكل كبير، قد يؤدي إلى تعرّض السلطة الفلسطينية للانهيار، بفعل عجزها عن السيطرة عليها، وإيقاف العمليات الفردية المتواصلة”. ويرى أن “استمرار الواقع الحالي سيعزز من فرص المواجهة العسكرية الشاملة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، في ظل استمرار حالة الاستعدادات المتبادلة بين الجانبين، والتهديدات المتواصلة من القيادات الإسرائيلية والفلسطينية، فضلاً عن الواقع الأمني في الضفة الغربية والذي سينعكس على تطورات الأوضاع في غزة”.
ويستبعد أبو زايدة “إمكانية إنهاء الانقسام الفلسطيني بشكل كامل واستعادة الوحدة الوطنية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل الواقع الإقليمي الحالي، ورفض الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الأطراف مشاركة حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني”.
من جهته، يتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، ناجي شراب مع أبو زايدة في أنّ “المشهد السياسي الفلسطيني شهد تراجعاً كبيراً على كافة المستويات المحلية والعربية والدولية، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، بفعل الواقع الحالي الذي تعيشه سورية”.
ويؤكد شراب لـ”العربي الجديد”، أنّ “اشتداد الحصار الإسرائيلي على غزة، واستمرار حالة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ومحاولة الحكومة الإسرائيلية فرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى، وتراجع الدور السياسي للسلطة الفلسطينية، كانت أهم الأحداث التي شهدتها القضية الفلسطينية في 2015”.
ويلفت أستاذ العلوم السياسية إلى أنّ “الهبة الجماهيرية المتصاعدة وتحولها إلى انتفاضة في مدن الضفة الغربية المحتلة يعتبر الأمر الأحدث، الذي أعاد للقضية الفلسطينية بعضاً من الاهتمام، على المستويين العربي والدولي في ظل حالة الجمود السياسي”.
وينوّه شراب إلى أن “التوقعات للعام المقبل لن تشهد مزيداً من المتغيرات في ظل العوامل الحالية، محلية وعربية ودولية، وحالة الانشغال الدولي بالملف السوري، واستمرار حالة عدم الاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية”.
ويلفت إلى أنّ “ملف المصالحة الداخلية بين حركتي فتح وحماس قد يشهد بعض الخطوات الصغيرة الضيقة، المتمثلة في إدارة الانقسام لا في إنهائه بشكل كلي، كالاتفاق على حل لأزمة معبر رفح، وبعض القضايا الخاصة بالتخفيف عن المواطنين الغزيين”.
ولا يستبعد شراب إمكانية اشتعال جبهة غزة مجدداً، ودخول المقاومة الفلسطينية وحركة “حماس” في حرب شاملة مع إسرائيل، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي، وتراجع فرص التوصل لحلول سياسية تخفف من الحصار المفروض على القطاع للعام العاشر على التوالي.
ويشير إلى أنّ “العلاقات المشتركة بين حماس ومصر لن تشهد أي تقدم، في ظل رفض الحركة الإسلامية التخلي عن جذورها وامتدادها لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وحالة التوتر القائمة بفعل اختطاف أربعة من عناصر الجناح العسكري للحركة كتائب القسام في سيناء، وغيرها من الملفات”.
العربي الجديد