سورية التي تحوّلت إلى ساحة دولية وإقليمية لتصفية الحسابات الدولية على مدى أكثر من خمس سنوات، تعود اليوم بالمنظور الدولي لتُختزل بمدينة صغيرة في شمالها هي حلب، متجاهلين كلّ ما قام به بشار الأسد من مجازر وجرائم حرب بحق شعبه على كامل الجغرافية السورية.
استطاعت روسيا ومن خلفها إيران توجيه كلّ أنظار الدول الغربية والأوربية نحو حلب عبر طائرات روسيا التي شلّت أيّ حراك سياسي لمباحثات السلام السورية إلى إشعار آخر، وبمعنى أدق لما بعد حسم الأمر في حلب.
ضاقت الأرض على سكان أهل مدينة حلب الشرقية، وافتعلت روسيا أخيرا أفظع المجازر وسط حصار تنفذّه آلاف المليشيات الإيرانية وقوات حزب الله اللبناني من كلّ جهاتها، وحُرمت المدينة من كلّ مقومات الحياة حتى المعونات المقدّمة من الأمم المتحدة تمّ تجاهلها ونسيانها بحجّة أنّ الأسد لم يسمح لها بالدخول، وسقطت كلّ الخيارات أمام أكثر من 250 ألف نسمة، إضافة إلى عشرة آلاف مقاتل يحمون مداخلها عن اليمين والشمال، ولم يبق لهم إلا ساحة الميدان الخيار الوحيد لهم بعد الإصرار الروسي على خروج جبهة فتح الشام، تمهيداً لإسقاط المدينة، فموسكو تُدرك جيداً أنّ من يسيطر على حلب سيغيّر المسار في أيّ تسوية سياسية قادمة.
وبينما كانت موسكو والنظام يروّجان الحرب النفسية لضرب الحاضنة الشعبية عبر الزج برسائل تهديد وإعطاء مهلة للاستسلام، انتفضت فصائل حلب لتعلن عن خيارها الوحيد أنّها عازمة ومصرّة على تغيير مسار المعادلة، فجاء الرد على طلب موسكو من الميدان في فجر يوم الجمعة في 28/ من أكتوبر الماضي، حيث أعلنت فصائل حلب عن البدء في المرحلة الأولى، وأطلقت مفاجأة من العيار الثقيل في تكتيك عسكري جديد استهدف بوابة حلب الغربية، وخلال 24 ساعة انهارت خطوط الدفاع للنظام، ليخسر النظام أحد أكبر قلاعه في المحور الغربي (ضاحية الأسد وقرية منيان ومشروع 1070) لتنتهي المرحلة الأولى من ملحمة حلب مع وصول الثوار على أبواب الأكاديمية العسكرية ومشروع 3000، وبدا واضحاً أنّ الثوار اتبعوا تكتيك جديد على غرار المعركة الأولى من فك الحصار، إذ استطاعوا بظرف ساعات قليلة نقل المعارك إلى داخل بيت النظام والانتقال إلى حرب المدن والشوارع في حلب الجديدة، ما يشير إلى تحضير مدروس من قبل القادة من عتاد وعدّة وخطط عسكرية وتلافي الأخطاء السابقة.
الجدير بالذكر، أنّ انطلاق المعركة تزامن بعقد مؤتمر ثلاثي بموسكو لأوّل مرّة منذ سنتين بين وزراء خارجية الدول الثلاث إيران والنظام وموسكو، إذ أكد لافروف على ضرورة التركيز على هدنة جديدة بحلب في مراوغة جديدة واستهلاك للوقت، فيما أكد ظريف أنّ بلاده ستواصل مقاتلة الإرهاب في حلب رغم كلّ الانتقادات، وهو ما يبدو تبرير لفشل إيران وروسيا الأخير في إسقاط حلب وتفريغها من ساكنيها، وما أكدّ على ذلك المظاهرات التي خرجت من حلب بهتافات الأهالي التي أكدّت على رفض الاستسلام مع تكبيرات في كلّ المساجد.
وفي الوقت التي تحضر فيه فصائل حلب للبدء في المرحلة الثانية أعلنت موسكو عن هدنة في حلب تبدأ مساء يوم الجمعة الموافق لـ 4/ نوفمبر الجاري وإعطاء مهلة جديدة لجبهة فتح الشام للخروج من المدينة، فجاء الرد بشكل فوري من قبل الفصائل بالرفض والاستمرار بالعمل العسكري .
سبق إعلان موسكو تحليلات وتسريبات كثيرة عن تفاهمات، إحداها متمثلة باتفاقٍ روسي تركي على حسم معركة حلب لصالح الثوار لإفشال مخطط أميركي خاص في الشمال السوري، والثاني متمثّل بتفاهم أميركي روسي على حسم ملف حلب عسكرياً في 7 و8 من نوفمبر الحالي لصالح النظام والتمهيد لتسوية سياسية تكون على حساب المعارضة والشعب السوري بحسب ما صدر عن صحيفة تايمز البريطانية.
جميع الخيارات ما زالت مطروحة، إلّا أنّه من الواضح بالمدى القريب أنّ حسم معركة حلب قد يمهد للتسوية السياسية، ولكن لا يمكن فصل ما يجري في حلب عما يجري في الموصل العراقية، فالعدو واحد والمخطط واحد، وقد تتضح كامل الصورة مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة، لذا فمن المرجح أن تكون المرحلة الثانية من معركة حلب فاصلة عسكرياً وسياسياً لأيّ طرف من أطراف الصراع.
العربي الجديد – يمان دابقي