لكن هذه التظاهرة التي وصلت حشودها للذروة في بلدة عربين، وانطلقت لاحقاً نحو مدينة زملكا المجاورة، والتي تحوي مقرات هامة لـ”فيلق الرحمن”، تعرضت لإطلاق نارٍ، فرق الحشود. واتهم الناشطون عناصر “فيلق الرحمن” بالوقوف خلف ذلك. وتعثر تواصل “العربي الجديد” مع المتحدث باسم “فيلق الرحمن”، وائل علوان لاستطلاع الموقف الرسمي لهذا الفصيل حول الحادثة، التي أثارت سخط السكان والمتظاهرين بشكل واسع. وبغياب المواقف الرسمية، يمكن استجلاء صورة الوضع في الغوطة الشرقية، عبر مواقف السكان والناشطين وغيرهم، ممن صرحوا بذلك لـ”العربي الجديد”، أو عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وتشير مختلف المواقف، إلى أن “فيلق الرحمن” يعتبر أن هذه التظاهرات، تحركت من محسوبين على “جيش الإسلام” وهو خصمه في الاقتتال الأخير، الذي راح ضحيته مئات القتلى والجرحى من المقاتلين والمدنيين في أبريل/نيسان الماضي، ولم يتوقف إلا بعد مبادرات أطلقها رجال دين وسياسيون معارضون للنظام (المجلس الإسلامي السوري، وشخصيات مستقلة، والمنسق العام لهيئة المفاوضات العليا، رياض حجاب).
هذا الاقتتال الذي تعود جذور أسبابه إلى محاولة فرض هيمنة كل من الفصيلين نفوذه في الغوطة الشرقية، بالإضافة إلى عدم تناغم أيديولوجية الطرفين، كان تفجر فعلياً على إثر اتهامات من “فيلق الرحمن” لـ”جيش الإسلام” قبل ستة أشهر، بالامتناع عن تسليم متهمين بتنفيذ اغتيالات طاولت شخصيات معروفة في ريف دمشق الشرقي إلى “القضاء الموحد”، وهو ما أنكره “جيش الإسلام”، متهماً “الفيلق” بالسعي للتفرد بالغوطة الشرقية.
وبرغم وجود أعداد قليلة من مقاتلي “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”جبهة فتح الشام” على بعض محاور الاشتباك مع النظام بريف دمشق، لكن هاتين القوتين، أقل تأثيراً في جبهات الغوطة من القوتين الرئيسيتين المتنازعتين، وهما “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن”، الذي يتحالف مع “جيش الفسطاط” على بعض الجبهات. وأدى تباعد مواقف الطرفين، مع صعوبة التوصل إلى تسوية حقيقية وسطية بينهما، إلى تقسيم للجبهات التي تتداخل مناطق النفوذ فيها، ما يعيق وصول الإمدادات ويعرقل تنسيق جهود الطرفين للدفاع عن مناطق نفوذهما، وهو ما منح النظام بالمحصلة، تفوقاً عسكرياً، وإن كان لم يرجح كفته تماماً حتى اليوم، إذ إن فصائل المعارضة مجتمعة، تملك آلاف المقاتلين في الغوطة الشرقية.
وفضلاً عن تأثير الاقتتال، الذي كاد أن يصل إلى مرحلة الصراع الذي يريد كل طرف فيه إنهاء الآخر، على جبهات القتال مع النظام، فإن سقوط عشرات القتلى من الطرفين في الاشتباكات التي حصلت سابقاً، مع التخوف من تجددها الآن، يُنذر بعواقب وخيمة على الحاضنة الاجتماعية لهذه الفصائل، إذ إن قوامها البشري، يتكون بشكل رئيسي من أبناء بلدات الغوطة الشرقية، وهو ما يصدع الرافعة الاجتماعية المحافظة، التي تتمسك في بعض المناطق هناك بعادات “الثأر للدم”.
ويعتبر محمد الشامي، وهو جامعي ينشط الآن في العمل السياسي بعد أن كان من كوادر فصيلٍ عسكري اندمج لاحقاً بعض مقاتليه في عدة فصائل بالغوطة الشرقية، أن “النزاع الحاصل، والذي وصل إلى مرحلة تخوين كل طرف للآخر، سيؤدي إذا استمر إلى ضياع الغوطة الشرقية بالكامل، خاصة أن النظام بات على أبواب مدينة دوما”، معتبراً أن “النظام يسعى الآن لإغلاق ملفات مدينة التل والغوطة الغربية والأحياء الجنوبية للعاصمة، قبل أن يتفرغ تماماً لأصعب مهمة له في محيط دمشق، وهي الغوطة الشرقية”. ويضيف الناشط السياسي، في حوار مع “العربي الجديد”، إن “الغوطة الشرقية أكبر من أن يستطيع النظام إخضاعها كما يروج بعضهم، عبر مصالحات وما شابه، كون عدد سكانها يقدر بعشرات الآلاف حالياً، فضلاً عن العدد الكبير جداً من المقاتلين، وهو ما يجعلها عقدة للنظام الذي يعمل بشتى السبل السياسية والعسكرية لإضعاف قوامها العسكري والاجتماعي، لكنها تبقى بسبب هذه العوامل، فضلاً عن موقعها الجغرافي المترامي قرب دمشق، مختلفة تماماً عن غيرها”.
العربي الجديد – أحمد حمزة