أصبحت جلسات مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة أقرب ما تكون إلى مسلسل درامي منها إلى مجلس للبتّ في الخلافات التي تحصل في هذا العالم، والمحافظة على السلم الدولي. ويترتب على المشاهد، بعد ختام كلّ جلسة، وضع تكهنات وتوّقعات، نظراً لردّات الفعل والتشنجات التي تحصل داخل هذا المجلس. كما غدا المشاهد ينتظر المشهد المقبل الذي سيكون أكثر إثارة وتشويقاً من الذي سبقه.
فبعد استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) للمرّة الخامسة في الجلسة التي عقدت أخيراً لمجلس الأمن، وإفشال القرار الفرنسي الذي طالب بوقف الطلعات الجوية فوق مدينة حلب، أصبح كلّ من يهتم في الأحداث السورية، يتساءل: هل ستتخذ أميركا وحلفاؤها خطوات تصعيدية رادعة لوقف انتهاكات روسيا والنظام السوري، في ظل استمرار حصار المدن واستخدام سياسة الأرض المحروقة وتهجير الأبرياء وقتلهم؟ أم سيقف العالم مكتوف الأيادي، حيال ما آلت إليه الظروف الإنسانية في سورية عامة، وفي مدينة حلب خصوصاً؟
في وقتٍ كان يتحدث فيه المندوب الروسي الدائم في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، عن ضرورة محاربة الإرهاب، كانت الطائرات الروسية ترتكب مجزرة مروّعة بحق المدنيين في مدينة حلب، مستخدمةً أسلحة محرّمة دولياً. الفيتو الروسي الذي منع مجلس الأمن اتخاذ قرار يجبر النظام السوري وروسيا على وقف العمليات العسكرية التي من خلالها يستمر قتل المدنيين في حلب، يعطي النظام السوري رخصة جديدة، من أجل متابعة سياسته الإرهابية، ومحفّزاً على الاستمرار في ارتكاب المجازر المروعة والاستمرار في قتل مزيد من الأبرياء الذين يدفعون الثمن غالياً حيال الصمت الأممي عن جرائم الحرب التي ينفذها النظام السوري وروسيا في سورية.
يبدو أنّ جيش النظام السوري والمليشيات الطائفية التي تسانده، لم يلبّوا الطموحات الروسية، وخصوصاً، بعد خسائر تلقوها، وكان آخرها فكّ الحصار عن مدينة حلب، وتحرير عدّة قرى في الريف الشمالي لمدينة حماه، والاقتراب أكثر نحو الساحل والمناطق الموالية للنظام. واضطرّت روسيا إلى التدخل بشكل أكبر في الحرب السورية، من خلال تحويل حربها من سياسية، عبر تبرير جرائم النظام، إلى عسكرية بعد مشاركتها المباشرة في المعارك وضرب مراكز الجيش الحر من أجل إضعافه، بحجة أنّها مراكز تجمعات لتنظيم داعش الإرهابي. ويعدّ الخوف من تمدّد الإرهاب أحد المبرّرات التي تستخدمها روسيا لزيادة أعداد قواتها العسكرية في سورية، في وقتٍ تعمل فيه على إشعال حربٍ طائفية، يقودها النظام والمليشيات الطائفية الداعمة له، عبر تغطية جوية تؤمنها لهم المقاتلات الحربية الروسية في أثناء الهجمات الإرهابية ضد المدنيين في سورية.
بعد الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، أصبح المشهد أكثر وضوحا كالآتي: أصبحت روسيا تُقدّم نفسها القاضي والجلاد في آن واحد من خلال انتهاكها حقوق الإنسان واستعمال العنف المفرط ضد الشعب السوري، واحتلال أراضي سورية بقوة السلاح، فتدق آخر مسمار بنعش النظام السوري الذي لم يعد له أيّ سلطة أو رأي في تطورات الأحداث في سورية، وإنما أصبح أداةً لتنفيذ مطامع روسيا الرامية إلى تعزيز دفاعاتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط. والإعلان عن نيّة روسيا إنشاء قاعدة بحرية دائمة قبالة مدينة طرطوس الدليل الأنصع على نيات روسيا احتلال سورية بعد تدخلها العسكري، بحجّة إيجاد جو من أجل التوّصل الى حلّ سياسي.
إنّ إدانة قادة الدول والقوى العالمية للجرائم الروسية بحق المدنيين في سورية غير كافية لوقف روسيا عن شن هجماتها الإرهابية ضد الشعب السوري، فالعجز الدولي الحالي عن ردع روسيا ووضع حد لهذا الجنون، سيدفعها إلى استخدام العنف بشكل أكبر من أجل القضاء على كلّ من يدافع عن أرضه ووحدتها، ويقول لا للاحتلال الروسي. ومن هنا، أهمية اتخاذ قادة الدول الداعمة للشعب السوري خطوة رفع الحظر عن أسلحة، من شأنها حماية المدنيين من بطش الاحتلال الروسي.
العربي الجديد – محمد جهاد نعيو