تكبدت ميليشيا صقور الصحراء التابعة للنظام السوري خسائر كبيرة على طريق أثرية ـ الطبقة، بعد أن سيطر تنظيم «الدولة» على كامل الطريق. وكانت قوات الميليشيا بدأت بالسيطرة التدريجية عليه منذ بدء «الحملة العسكرية لتحرير الرقة» في الثاني من حزيران/يونيو الجاري.
وأعلن المتحدث الرسمي باسم الميليشيا، معن حميشة، عن «سقوط نحو 350 عنصراً بين قتيل وجريح». فيما ذكر مقربون للميليشيا على صفحات التواصل الاجتماعي أن عدد القتلى بلغ المئة، فيما فاق عدد الجرحى 200.
وشن تنظيم «الدولة» هجوماً على كامل محور الطريق بين أثرية ومفرق الرصافة. واخترق مقاتلو التنظيم نقاط سيطرة صقور الصحراء في عدة مواقع متباعدة، ليتسبب ذلك في إرباك عناصر الصقور وتقطيع أوصال سيطرة الميليشيا بحيث أضحت شبه محاصرة من كل الجهات. ولعل الخسارة الكبيرة في أعداد المقاتلين وقعت عندما قصف تنظيم «الدولة» تل السيرياتل والمخفر اللذين اتخذتهما قيادة صقور الصحراء مقر انطلاق للعمليات باتجاه بلدة الطبقة، المحاذية لمدينة الرقة.
وبعد أيام على بدء المعركة كان محمد الجابر، قائد صقور الصحراء وفرقة مغاوير البحر (قوة النخبة في صقور الصحراء) قد طلب من مقاتليه الانسحاب من ريف الرقة إلى أثرية في ريف حماة. فيما عزا الناطق باسم الميليشيا، معن حميشة، ذلك الانسحاب إلى الرغبة في»حماية من تبقى من المجاهدين وحرصا على سلامة الأرواح» حسب تعبيره.
بعد ثلاثة أيام على الانسحاب، اتهمت صقور الصحراء الروس بعدم تأمين التغطية الجوية و«غياب كامل للطيران المروحي، وطلعات خجولة للطيران الحربي». وقالت «الصقور» إن «كتيبة المدفعية الروسية انسحبت دون إعلامنا»، كذلك فعلت قوات الأمن الداخلي التي أرسلها النظام لحماية خطوط الإمداد بعد زيارة قام بها جابر (قائد الميليشيا) إلى دمشق، حيث طلب من قيادة الأركان إرسال تعزيزات عسكرية لحماية ظهر مقاتليه.
مصدر مقرب من الميليشيا قدّر أعداد قتلاها بنحو 300 قتيل. وقال إن الجابر طلب من مسؤوله الأمني «إرسال الجثث بشكل فردي إلى قراهم دون أي ضجيج إعلامي، في محاولة لامتصاص الصدمة التي ألحقت بأكثر القوات تنظيماً».
إلى ذلك، أصيب العقيد الركن منير عبد الله، القائد العسكري في فوج مغاوير البحر، اثر تعرض سيارته لصاروخ حراري بالقرب من حقل الثورة، حسب ما ذكرت صقور الصحراء.
وفي السياق، نفت وزارة الدفاع الروسية مقتل أي جندي لها في المعركة، حيث أعلنت وكالة «أعماق» المقربة من تنظيم «الدولة»، أن من وصفتهم بـ»جنود دولة الخلافة» قتلوا ثلاثة جنود روس، من دون نشر صور لجثثهم. وقالت الوكالة إن عبوة ناسفة استهدفت سيارة العسكريين بين قريتي انباج وأبو العلاج، ونشرت «أعماق» صورا لعسكريين روس وبعض وثائقهم التي حصلت عليها من هواتفهم المحمولة.
ميدانياً، ومن خلال تتبع المعارك على طريق أثرية ـ الطبقة، يُلاحظ أن تنظيم «الدولة» لم يقاوم صقور الصحراء وفوج مغاوير البحر مطلقاً، بل فضل الانسحاب من أغلب نقاط الاشتباك المباشر، وفضل ضرب التجمعات بشكل مباشر بواسطة السيارات المفخخة من أجل قتل أكبر عدد ممكن من هؤلاء. ضعف المقاومة هذا دفع بصقور الصحراء إلى التقدم بشكل سهمي على الطريق الصحراوي نحو الرصافة، دون القيام بتوسيع السيطرة على جانبي الطريق أو تعزيز النقاط والتدشيم الدفاعي. وهذا الخيار عرّض مقاتلي الميليشيا للبقاء تحت نيران مقاتلي «الدولة» في الأراضي الصحراوية المنبسطة، وهو ما سمح لمفخخات التنظيم باستهداف كامل نقاط التجمع بسهولة، وقتل العشرات في كل تفجير انتحاري.
وتفوق مقاتلو التنظيم لأسباب جغرافية أيضاً، فاغلبهم خبر المنطقة الصحراوية لمدة عامين متواصلين، وقاموا بهجمات كبيرة على المحاور القريبة في خناصر وأثرية وريف سلمية، وعرفوا أسرار البيئة الصحراوية وتأقلموا معها. في المقابل ينحدر أغلب مقاتلي «الصقور» من البيئة الساحلية وجبالها، حيث تعتدل حرارة الطقس صيفاً، فيما ترتفع في مناطق المعارك إلى ما فوق الأربعين درجة، مما شكل عبئاً إضافياً على مقاتلي صقور الصحراء.
من ناحية سياسية، فان المعركة خطط لها الروس، وتأتي في إطار التفاهمات الروسية الأمريكية في مجال «مكافحة الإرهاب» التي أطلقت يد الأمريكيين في دعم قوات سوريا الديمقراطية. من جهتهم أراد الروس إحراز نصر كبير في التقدم نحو الرقة، بعد النصر الذي اعتبروا أنهم حققوه في مدينة تدمر الأثرية. وأراد الروس الاعتماد على الشريك نفسه الذي قاتلوا معه في تدمر، والذي يعتبر الأكثر تماسكاً بالنسبة لباقي الميليشيات، حيث يدرك الجميع أن صقور الصحراء باتت الميليشيا الأكثر قرباً من روسيا.
ويأتي هذا الاعتماد بعد انفجار الصراعات بين الروس والميليشيات الشيعية وعلى رأسها حزب الله اللبناني في معارك ريف حلب الجنوبي، حيث خسرت الميليشيات الشيعية هناك أغلب الأراضي التي تسيطر عليها أمام جيش الفتح، بسبب نقص الغطاء الجوي الروسي. وهذا يبدو وكأنه رسائل روسية إلى إيران من أجل تحجيم دورها في سوريا، ومحاولة تقليل نفوذها في إدارة الملف السوري.
ومن غير المفهوم غياب روسيا عن المعركة التي ورطت فيها صقور الصحراء وهي طفلها المدلل، إلا إذا كان الروس قد بدأوا بالفعل في اعتماد سياسة «قصقصة «الأذرع العسكرية خارج «مؤسسة» جيش النظام السوري. ولعلهم أرادوا من «فركة الأذن» هذه، إفهام الجميع، بمن فيهم بشار الأسد وإيران، أن لا غطاء جوياً إلى الأبد، وعليكم الرضوخ للتفاهمات الروسية الأمريكية، حول الانتقال السياسي في سوريا.
القدس العربي