تناقض اتفاقية السلام التى انجزها وزير الخارجية الامريكي جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف عقوداً كاملة من السياسة الخارجية للولايات المتحدة وهي وفقاً لاقوال العديد من المراقبين الامـريكيين ستجعل الكارثة السورية أسوأ بكثير حيث ستنضم واشنطن إلى موسكو في شن الضربات الجوية ضد الجماعات المتطرفة بعد سنوات من الضغط الروسي للقيـام ببعـثات مشـتركة.
وروسيا ليست في حاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة في سوريا على حد تعبير الخبراء بل تريد بعث رسالة إلى دول القارة الأوروبية بان الولايات المتحدة تؤيد وتعترف بالقوة الروسية.
أما من الناحية الاستراتيجية فالوضع كارثي للغاية حيث قصفت الولايات المتحدة بهذه الاتفاقيات جميع التزاماتها لجماعات المعارضة السورية الرافضة لبقاء الرئيس السوري بشار الاسد في السلطة، وساعدت واشنطن بدون قصد بقاء جزار يستخدم الغاز والبراميل ضد شعبه وسبب حرباً اهلية اودت بحياة ما لاقل عن 600 الف شخص، وتجاهلت ادارة اوباما بان القوة العسكرية الروسية تعمل بدون رادع في منطقة الشرق الاوسط للمرة الأولى في التاريخ المسجل .
تعاون واشنطن مع موسكو في الشأن السوري هو حافز لكل مستبد على عدم تقديم تنازلات وحافز لجميع الانظمة المارقة على تحدى الاعراف الدولية، والتداعيات على المدى الطويل هي أسوأ بكثير، ومن الناحية التاريخية، وفقا لتحليل الخبير اندرو بيك، المستشار الاستراتيجي لقائد القوات الامريكية وقوات الناتو في افغانستان، فقد كانت السياسة الامريكية على مدى نصف قرن تركز على منع أي دولة من تحقيق اهدافها عن طريق القوة الروسية، ووفقاً لوجهة نظره فان هذه السياسة هي التي ادت إلى مسارعة ادارة نيكسون إلى شحن الأسلحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي في عام 1973 ليس حباً باسرائيل بل استجابة للسياسة القائمة على عدم السماح لسوريا ومصر بتحقيق اهدافها عن طريق أسلحة ودعم موسكو وهكذا انتهت الأمور، تماماً وفقاً للرغبة الامريكية بتراجع للنفوذ الروسي وقيادة سعودية وعملية سلام مع اسرائيل وتعاون مشترك ضد إيران .
بدورها كانت حرب الخليج في التسعينات نجاحاً امريكياً يتجاوز تحقيق هدف طرد القوات العراقية من الكويت حيث انضمت روسيا وسوريا إلى التحالف الامريكي المناهض للرئيس العراقي الراحل صدام حسين وكانت تلك الحرب صورة أخرى لمشهد قرب انتهاء الحرب الباردة وفقا للمعايير الامريكية على النقيض تماماً من اتفاقيات كيري الأخيرة مع الروس بشأن سوريا .
الرغبات الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط مستحيلة التحقيق على المدى البعيد مثل القرارات المتعلقة بكمية انتاج النفط وعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والموقف من ايران، والانكى من ذلك كله، ان المسار الكارثي لإدارة اوباما في الشأن السوري قد أدى إلى تقديم تنازلات أخرى في السياسة الخارجية الامريكية وخاصة في مشكلة اوكرانيا فالولايات المتحدة اصبحت في موقف سخيف للغاية يتضمن منح الروس ما يريدون في اوكرانيا مقابل تنازلات صغيرة جداً في سوريا .
وقال محللون امريكيون ان الأسباب الوحيدة التي قد تسمح بتبرير الصفقة هي الأسباب الإنسانية ولكنهم قالوا بان مصير ذلك الفشل لأن الأزمة الإنسانية في سوريا ليست نتيجة لجبهة النصرة بل نتيجة لقوات الاسد التي تحاصر حلب لاكثر من عام، والاتفاق المهزلة بين موسكو وواشنطن يسمح للطائرات الروسية بقصف جماعات المعارضة حيث يختلط عناصر جبهة النصرة مع عناصر الجبهات الأخرى في حلب وهذا يعني، ايضاً، تمكن روسيا من مواصلة هجومها على الممر الإنساني الوحيد وبالتالي قهر المدينة، والاستنتاج الوحيد الذي نخرج به هنا ان اتفاق وقف اطلاق النار لا معنى له قطعياً.
القدس العربي