هواجس متصاعدة تسيطر على تركيا والمعارضة السورية في ظل الغموض حول طبيعة مخطط الرئيس الأمريكي الجديد لإقامة مناطق آمنة في سوريا لا سيما مع التوقعات بأن يجري ذلك بالتعاون مع نظام الأسد والوحدات الكردية التي تسعى لتوسيع مناطق سيطرتها شمالي سوريا وتعتبرها أنقرة منظمة إرهابية وخطراً على أمنها القومي.
وبجانب المخاوف التركية من اعتماد الإدارة الأمريكية على الوحدات الكردية بدلاً عنها في مخططاتها المقبلة في سوريا، تخشى المعارضة السورية التي طالبت منذ بداية الثورة بمناطق آمنة تكون نواة «إسقاط الأسد» بأن تتحول هذه المناطق إلى محاولة لاضعافها وتصفيتها بحجة إخلاء هذه المناطق من المسلحين لحماية المدنيين ليصب ذلك في صالح تمدد الوحدات الكردية.
وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والعاهل السعودي الملك سلمان اتفقا في اتصال هاتفي على تأييد إقامة مناطق آمنة في سوريا واليمن. وسبق ذلك حديث ترامب عن أن «أوروبا ارتكبت خطأ كبيرًا بالسماح لملايين اللاجئين بالدخول إليها»، مؤكداً أنه «سيقيم منطقة آمنة في سوريا» لحماية المدنيين.
مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي لـ «لواء المعتصم» أحد الفصائل المعارضة المشاركة في عملية «درع الفرات» أكد أنهم لا يمتلكون معلومات دقيقة حول طبيعة المقترح الأمريكي باقامة مناطق آمنة في سوريا، وقال «لم تتوضح لنا سياسة ترامب القادمة بما يخص الشأن السوري، ولا اعتقد أنه يمكن للإدارة الامريكية أن تتخطى الجار التركي في موضوع المنطقة الآمنة».
وأضاف سجيري في تصريحات خاصة لـ «القدس العربي»، «أظن أنه علينا الانتظار بعض الوقت حتى تتبين الصورة لنا بشكل كامل، ومن المؤكد أننا لن نقبل بأن يكون للنظام أي دور في موضوع المنطقة الآمنة، وقبول الولايات المتحدة بمشاركة النظام في مثل هذه الأمور يعني مشاركة للإرهاب الذي يمارسه النظام ضد الشعب السوري».
وكانت مصادر رسمية تركية نفت أن يكون لدى أنقرة أي نية لتسليم مدينة الباب إلى النظام السوري عقب تحريرها من مسلحي تنظيم «الدولة».
في السياق ذاته، أكد مصطفى أوزو النائب السابق لرئيس الائتلاف السوري توقع أنه «سيكون من بين خطط رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد دونالد ترامب إنشاء مناطق آمنة في سوريا، وذلك من أجل العمل على إعادة اللاجئين الذين فروا إلى أوروبا ومختلف دول العالم هربا من بطش النظام وحربه على الشعب السوري».
وأضاف أوزو لـ»القدس العربي»، «إقامة المناطق الأمنة يعتبر خيارا «معقولا» وإنْ جاء متأخرا لتوفير مساحات آمنة للملايين من اللاجئين السوريين الذين شردتهم الحرب المجنونة في بلادهم طوال السنوات الست الماضية، وبالتالي فأنها تصب في خدمة الشعب السوري»، لافتاً إلى أنه «قد يتطلب إنشاؤها إخراج القوة العسكرية الإيرانية والميليشيات الشيعية التابعة لحزب الله من سوريا».
وقال أوزو «هذه الفكرة ليست جديدة، وأنما سبق وتم طرحها من قبل العديد من الدول الأوروبية أصدقاء الشعب السوري، مثل: فرنسا وبريطانيا، ولا زلنا بانتظار تحديد الأماكن التي يمكن إقامة هذه المناطق فيها، واعتقد أن نجاحها يتوقف على الضمانات الاقتصادية والأمنية التي تجعل السوريون يعودون إلى هذه المناطق».
وفي تصريح يظهر الحذر التركي من الخطوة الأمريكية المتوقعة؟ أكدت الخارجية التركية أنها دافعت منذ بداية الأزمة السورية عن فكرة إقامة مناطق آمنة في هذا البلد، وقالت: المهم كيف ستكون نتائج هذه الخطوة؟ وما هي المعلومات والتوجيهات التي ستصدر عن المؤسسات الأمريكية في هذا الشأن؟»، معتبرة أن عودة آلاف السوريين إلى مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي، بعد بسط الأمن فيها عقب عملية «درع الفرات»، تعدّ من أبرز الأمثلة على أهمية إنشاء المناطق الآمنة في سوريا.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان أن أي مقترح لإقامة مناطق آمنة بالتنسيق مع نظام الأسد هو «أمر فارغ وعبثي» لافتاً إلى أن مقترح المنطقة الآمنة انطلق بهدف حماية المدنيين السوريين من عمليات القتل اليومية التي يقوم بها النظام السوري، متسائلاً: «لماذا تقيم منطقة آمنة يوافق عليها الأسد؟»، واعتبر أن النظام السوري يبرع في محاولات الالتفاف على هذه المقترحات.
وشدد أوزجان في تصريحات لـ»القدس العربي» على أن مشروع المنطقة الآمنة تأخر كثيراً وفقد قيمته مع الوقت معتبراً أنه لو كان الهدف حماية المدنيين يكفي تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الجاري حالياً، معتبراً أن تركيا ما زالت تتأمل الكثير من الإدارة الأمريكية الجديدة لا سيما الالتفات إلى مصالحها والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ووقف دعم وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا والتي تعتبرها انقرة منظمة إرهابية.
من جهته، توقع عماد الدين رشيد، رئيس المكتب السياسي للتيار الوطني السوري (معارض)، أن «كلام هذه الإدارة ـ ترامب ـ أكثر عمليا من السابقة (..) باراك أوباما حاول كسب الوقت، لكنه كان يمشي خطوتين ويرجع عشرة»، وأضاف: «أتوقع أن المناطق الآمنة ستكون عملية، لأن يد الإرهاب آذت المنطقة وأوروبا، وأمريكا رغم أنها بعيدة، لا يمكن أن تصم آذانها، ولا بد أن تستجيب».
وشدد على أن «المنطقة الآمنة ترضي الأتراك، وتعطي مساحة جيدة لعمل الحكومة المؤقتة، وبعض جهات المعارضة».
وتقول تركيا إنها أنشأت فعلياً منطقة آمنة في المناطق التي طردت منها مسلحي تنظيم «الدولة» في شمالي سوريا لا سيما في منطقة جرابلس التي عاد إليها عشرات آلاف السوريين وشكلت فيها جهازا للشرطة المحلية بعد أن أخرجت منها الفصائل العسكرية المسلحة. ومن المتوقع أن تتوسع هذه المنطقة حيث أعلن الجيش التركي في بيان له، الجمعة، أن تنظيم «الدولة» بدأ يتجهز للانسحاب من مدينة الباب التي يحاصرها شمالي سوريا وذلك في ظل غطاء جوي روسي جاء بعد امتناع التحالف الذي تقوده واشنطن عن تقديمه لتركيا.
وبينما لم يأت الإعلان الأمريكي على تفصيل آليات إقامة «المناطق الآمنة» المقترحة، أعلنت موسكو أن الولايات المتحدة لم تنسق معها أية خطط لإقامة «مناطق آمنة» في سوريا، داعية الرئيس الجديد دونالد ترامب، إلى دراسة «العواقب» المحتملة لهذا القرار.\
القدس العربي.