من ضمن التحضيرات التي يقوم بها البيت الأبيض لتنفيذ وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمواجهة تنظيم «الدولة»، مسودة تتضمن توجيهاً رئاسياً لوزير الدفاع جيمس ماتيس بإعداد خطة جديدة لتوجيه ضربات قاسية إلى تنظيم «الدولة».
وقد تشمل الخطة استخدام سلاح المدفعية في سوريا وتنفيذ هجمات بالمروحيات العسكرية لدعم الهجوم على مدينة الرقة عاصمة ما يطلق عليها «الدولة».
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن الرئيس ترامب الذي زار الجمعة وزارة الدفاع (البنتاغون) طالبها بتقديم الخطة خلال 30 يومًا مع أن الرئيس قال أكثر من مرة أن لديه خطة سرية لمواجهة الجهاديين. وقال في الوقت نفسه أنه سيعطي قادته الفرصة لتقديم خيارات حول كيفية محاربة تنظيم «الدولة».
وذكرت الصحيفة إن الإدارة الجديدة ستطالب بمراجعة لوضع السلاح النووي الذي يتوقع أن تحتفظ بمستوياته الثلاثة، أسلحة على ظهر قاذفات والغواصات وعلى منصات إطلاق الصواريخ المقامة تحت الأرض بالإضافة للنظر في إنشاء ما يرغب الرئيس ببنائه منظومات متقدمة مضادة للصواريخ.
وكان ترامب قد تعهد في أثناء حملته الإنتخابية بتوسيع قدرات سلاح البحرية والجو وقوات المارينز وتعزيز جاهزية الجيش الأمريكي للتحرك بناء على أوامر سريعة.
وتقول الصحيفة إن مسودة الأمر الرئاسي تحدد عدداً من الطرق لتسريع التخلص من «الدولة الإسلامية» وهو ما توقعه القادة العسكريون الذين بدأوا بوضع خطط سرية من أجل زيادة الضغط على التنظيم خاصة في الرقة ومدينة الموصل، معقله القوي في العراق.
وسيتم رسم الاستراتيجية الجديدة تحت إشراف ماتيس، الجنرال المتقاعد من قوات المارينز والذي قاد في السابق القوات الأمريكية في الشرق الأوسط وسيعمل معه قائد هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد. ويعرف الرجلان بعضهما البعض منذ وقت طويل. وكان ماتيس مسؤول دانفورد عندما كان هذا في قوات المارينز.
تحديات متعددة
وتعلق «نيويورك تايمز» أن ماتيس سيواجه تحديات على أكثر من مستوى خاصة أنه عمل في السابق مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في آسيا والشرق الأوسط قبل أن يصبح وزيراً لدفاع ترامب، القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وكانت أول مكالمة له مع قائد قوات حلف الناتو لتطمينه أن الولايات المتحدة تدعمه مع أن ترامب انتقد الحلف بأنه أصبح قديماً. وستكون أول رحلاته الخارجية إلى آسيا حيث سيزور كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية وبعد ذلك سيسافر إلى أوروبا للقاء نظرائه من وزراء دفاع الناتو في بروكسل وبعد ذلك إلى ميونيخ لحضور مؤتمر ميونيخ للأمن.
ويأمل المشرعون في الكونغرس أن يكون ماتيس ثقلاً موازناً لبعض سياسات الإدارة المتشددة. خاصة أن هناك نوعاً من «الكيمياء» بينه وبين ترامب ويمكنهما العمل معًا.
ورغم أن الرئيس يستمتع باستخدام لقب «الكلب المسعور» مع أن الجنرال السابق لا يحب هذا، ويؤكد أن اللقب ما هو إلا اختراع من الإعلام. وفي الوقت الذي يتفق فيه مع رئيسه على عدد من النقاط إلا إنه يختلف معه بشأن الموقف من روسيا.
ولديه شكوكه من نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذا موقفه الرافض من استخدام التعذيب كوسيلة لاستخراج المعلومات من الإرهابيين. وكان ترامب قد أثار الجدل خلال اليومين الماضيين عندما أكد أن التعذيب قد يكون وسيلة فعالة ضد الإرهابيين.
وقبل وصوله إلى البنتاغون، أرسل ماتيس رسالة للعاملين هناك وأكد فيها على أن الولايات ستظل المتراس الحامي للنظام الدولي والحارسة للتحالفات المهمة. فعلى خلاف شعار «أمريكا أولًا» القادم من البيت الأبيض تعهد ماتيس للعمل من أجل امريكا «ستظل منارة أمل لكل الإنسانية».
وبحسب جاك ريد، السناتور الديمقراطي عن رود أيلاند وعضو لجنة القوات المسلحة «الجنرال ماتيس مستعد لتقديم أفضل ما عنده من نصائح للرئيس حتى لو لم يرغب الرئيس بالاستماع لها» و»السؤال إلى متى سيظل يفعل هذا بدون أن يحصل على رد؟».
ما هي الخيارات؟
وتعتبر سياسة الرد على تنظيم «الدولة» من أهم القضايا الملحة المطروحة على طاولة الجنرال ماتيس. فعندما غادر الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض كان الجيش العراقي يخوض مواجهات مع تنظيم «الدولة» في الجزء الشرقي من مدينة الموصل. وكانت قوات معظمها كردية، مدعومة من القوات الأمريكية الخاصة تقترب من الرقة.
ومن هنا فقد يجد ماتيس نفسه أمام خيارات يقدمها للرئيس تتضمن توسيع عمل القوات الخاصة ورفع سقف القوات الأمريكية في العراق وسوريا. بالإضافة للحصول على تفويض من البيت الأبيض ومنح البنتاغون الصلاحية لاتخاذ قرارات ميدانية من أجل تسريع عملية اتخاذ القرار.
ومن القضايا التي تواجه البنتاغون، عملية تسليح الأكراد وهو ما سيؤدي إلى غضب تركي. وقد تلجأ الإدارة الجديدة لتنظيم قوات أكثر تنوعاً تضم قوات تركية أو قوات مدعومة من أنقرة أو حتى مشاركة أمريكية من خلال الفرقة 82 المحمولة على الطائرات واستخدام طائرات الأباتشي والمروحيات المقاتلة.
ومن هنا سيواجه ماتيس تحديات كبرى تتعلق بالكلفة الباهظة لتوسيع العمليات العسكرية بشكل يرضي طموحات الرئيس الجديد. فكمسؤول عن ميزانية سنوية للدفاع تصل إلى 600 مليار دولار سيجد ماتيس صعوبة بالموازنة بين نفقات الدفاع والطموحات التي وعدت الإدارة الجديدة بتنفيذها.
فقد وعد ترامب أثناء الحملة الانتخابية بزيادة السفن القتالية للبحرية إلى 350 من 272 سفينة. كما وعد بزيادة قوات الجيش إلى 450.000 وما إلى ذلك.
وسيجد الوزير الجديد نفسه أمام تحديات جديدة تتعلق بوعد ترامب في حديثه لشبكة انباء «إي بي سي نيوز» يوم الأربعاء بإقامة مناطق آمنة في سوريا لتوفير ملاجئ للسوريين الهاربين من العنف. وبحسب مسودة قرار رئاسي حصلت عليها الصحيفة نصت على قيام ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون بإعداد خطة مناطق آمنة خلال ثلاثة أشهر.
مخاطر
وظلت إدارة الرئيس السابق أوباما ترفض مطالب بهذا الشأن خشية أن تزيد من التورط الأمريكي في الحرب السورية. ولا تزال الفكرة التي طرحها ترامب تحمل مخاطر كبرى حسبما ترى صحيفة «وول ستريت جورنال» مشيرة إلى أن هذا بعينه سيؤدي لتورط أمريكي أوسع في النزاع الذي تشهده البلاد.
وجاء تعهد ترامب في ضوء خططه لمنع المهاجرين من دول قال إنها تعاني مشكلة تطرف الدخول إلى الولايات المتحدة وتضم سوريا والعراق وإيران واليمن وليبيا. وقال «سأكون رئيساً لبلد آمن» و «لدينا الكثير من المشاكل، وبالتأكيد سأقوم بإنشاء مناطق آمنة للناس في سوريا».
وتعلق الصحيفة أن إنشاء مناطق آمنة سيوسع من المشاركة الأمريكية في سوريا. وهذه ليست المرة الأولى التي تفكر فيها الإدارة الامريكية بإقامة مناطق للمدنيين، فقد تقدمت تركيا بمقترح مشابه لإدارة أوباما، بحيث تكون المناطق التي ستقام في شمال سوريا ملجأ للهاربين من العنف ومكانا لإعداد وتدريب المقاتلين المعارضين للنظام. إلا أن واشنطن رفضت الخطة التركية في حينه على أرضية أنها مكلفة وخطيرة. وقدرت وزارة الدفاع الأمريكية في حينه أن المنطقة ستكون بحاجة إلى 30.000 جندي لتأمين الحماية لها.
وعلقت ميليسيا دالتون، الباحثة البارزة مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية والتي عملت بالبنتاغون أثناء إدارة أوباما «حتى لو أطلقنا علينا مناطق حظر جوي أو مناطق آمنة فلا بد من أن تشمل قوات برية إن كان الهدف هو حماية المدنيين» و»السؤال من سيقوم بتوفير التعزيزات على الأرض».
وكان المسؤولون في إدارة أوباما قد حذروا من التورط بعملية كهذه لأنها ستكون مفتوحة وستورط الولايات المتحدة سنوات طويلة وتعرض الجنود الأمريكيين للخطر. ويقول الخبراء إن البنتاغون ستحاول رفض أمر للجيش الأمريكي لإنشاء مناطق آمنة في سوريا، خاصة إن كان الهدف منها هو توفير الحماية للسوريين الذين لم تعد الولايات المتحدة ترحب بهم.
ويرى جيم فيليبس، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة التراث «الخطورة هي تحول المنطقة الآمنة إلى مهمة عسكرية مفتوحة في بلد تحطم وتدور فيه حرب فصائلية مرة، وستصبح القوات الأمريكية التي أرسلت إلى البلد هدفاً للجماعات الإرهابية».
ويحتاج إنشاء مناطق حظر جوي لحمايتها من الغارات الجوية وعليه تحتاج الولايات المتحدة لضرب الدفاعات الجوية الروسية والسورية أو التوصل لترتيب مع موسكو ودمشق لمنعها من القيام بغارات جوية ضد المنطقة الآمنة.
وكان ماتيس قد تحدث في عام 2012 أثناء شهادة له أمام لجنة القوات المسلحة أن بناء مناطق آمنة يحتاج لالتزام أمريكي طويل، مشيراً إلى إمكانية تقليل الكلفة حالة ساهمت دول أخرى.
وقال إن منطقة شمال سوريا لا توجد فيها تضاريس مثل الجبال التي يمكن أن تلعب كحاجز طبيعي لحماية المناطق الآمنة ولهذا ستضطر القوات الأمريكية لخلقها بالقوة.
ومنذ آب/اغسطس استطاعت القوات التركية والجماعات المتحالفة معها السيطرة على 700 ميل مربع وذلك بعد قرار أنقرة التدخل عسكرياً في الأزمة السورية وأرسلت قواتها إلى جرابلس.
وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد تحدث عن خطط عملية «درع الفرات» لإنشاء منطقة 2.000 ميل مربع وبناء مساكن للهاربين من القتال.
وتشير الصحيفة إلى العامل الكردي كمصدر محتمل للخلافات بين الإدارة الجديدة وتركيا حيث تتعامل هذه مع الجماعات الكردية في سوريا كإرهابية متعاونة مع حزب العمال الكردستاني الذي يشن حربا في البلاد. وقد لا تواجه واشنطن الوضع نفسه في الجنوب، حيث يتجمع اللاجئون السوريون في منطقة ما بين الحدود السورية والأردنية. وسيطر الأردن على حدوده بعدما تأثر اقتصاده نتيجة للأزمة السورية.
وربما تبنى ترامب فكرة محدودة عن المناطق الآمنة وتقديم دعم لمخيمات مثل الركبان بين الأردن وسوريا. ومع ذلك تظل مشكلة الولايات المتحدة قائمة من ناحية فقدانها النفوذ في الملف السوري.
مكان غريب
وهو ما التفتت إليه مجلة «إيكونوميست» في عددها الأخير حيث علقت على محادثات أستانة في عاصمة قازاخستان. وقالت إن اختيار البلد ليكون مضيفاً لمفاوضات بين المتصارعين في سوريا مثير للغرابة. فهو معقل الرئيس نزار باييف الذي يحكمه منذ انهيار الإتحاد السوفييتي وفاز في عام 2015 بنسبة 97.7% من أصوات الناخبين، أي أفضل مما يمكن أن يحصل عليه بشار الأسد.
ولكن هناك رمزية في اختيار العاصمة الواقعة على بحر قزوين الذي تشترك فيه مع إيران وتعيش فيها غالبية تنتمي للإثنية التركية ويتحدث سكانها باللغة الروسية.
ومن هنا فقد عكست المحادثات التي جرت ما بين 23 ـ 24 كانون الثاني/يناير واقعًا جديدًا لعبت فيه ثلاث دول خارجية الدور الأكبر في المفاوضات وهي تركيا وروسيا وإيران والتي لم يكن لها دور في محادثات جنيف الأخيرة. أما أمريكا وأوروبا والعرب الجهات التي دفعت بجهود جنيف فقد تحولت هذه المرة إلى مجرد مراقبة أو غابت تماماً عنها. فالسعودية التي كانت داعماً مهماً للمعارضة السورية مشغولة بالحرب في اليمن.
وعلق محلل سوري «بدأت الإنتفاضة كحركة يقظة سورية وانتهت بتقسيم بين القوى غير الغربية».
وأشارت المجلة لطبيعة المشاركين من المعارضة السورية الذين كانت روسيا تتعامل معهم في الماضي كجماعات جهادية وتفضل التعاون مع المعارضة السياسية. إلا أنها بدأت وبضغط من تركيا ترى منفعة في التحاور معهم. وأكد المقاتلون الذين شاركوا في المفاوضات أنهم جاءوا فقط من أجل الحديث عن اتفاق وقف إطلاق النار. إلا أن روسيا قدمت مسودة دستور من أجل مناقشتها.
وتقول «إيكونوميست» إن المعارضة السياسية تفضل لو قامت الولايات المتحدة بالإشراف على العملية السياسية وتنظيم الجولة الجديدة من المحادثات في جنيف المقرر عقدها في 8 شباط/فبراير وحينها تكون روسيا قد فرضت شروطها على الحل.
ولكن أمريكا لم تعد لها علاقة بالموضوع وبدا واضحًا من الترتيبات التي تم التوافق عليها بين روسيا وتركيا وإيران للإشراف على وقف إطلاق النار. فقد تم تجاوز ما اتفق عليه وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في أيلول/سبتمبر 2016.
وتساءلت الصحيفة إن كانت الآلية الجديدة ستنجح؟ مضيفة أن البيان الختامي أعدته قوى خارجية ولم يكن أمام السوريين المحاصرين إلا التعبير عن احتجاجهم وتحفظاتهم. وفي المحصلة لم يكن أمام المقاتلين إلا الإذعان. فلم يعد لديهم معقل يلجأون إليهم وهم غير متأكدين من الدعم الأمريكي لهم ولهذا يحاولون الحصول على ما يمكنهم الحصول عليه. مع أن الحرب لم تتوقف ضد الجماعات التي لم تشارك في أستانة وهي قوات حماية الشعب وتنظيم» الدولة» و»فتح الشام» (أو جبهة النصرة). وشنت الأخيرة حربها الخاصة ضد الجماعات المعارضة المعتدلة في إدلب.
وبناء على سجل النظام فإن المحادثات قد تكون مفيدة له من ناحية تقسيم المعارضة (خاصة أن رئيس وفد النظام سخر قائلاً إنه يأمل أن يقوم الإرهابيين بهزيمة الإرهابيين).
وتعلق المجلة أن النظام عندما يكون في حالة ضعف يفضل التفاوض. والآن وقد أصبحت له اليد الطولى فهو ليس في مزاج للحديث عن عملية التحول. ولهذا أرسل الأسد أن لديه أصدقاء يمكنه الاعتماد عليهم لو حاولت روسيا إجباره على حل. والمقصود هنا إيران التي جلست على طاولة المفاوضات في أستانة لكن الجماعات الوكيلة عنها والميليشيات الشيعية كانت تقاتل إلى جانب النظام في وادي بردى.
وتعتقد المجلة أن تفويض المؤتمر للثلاثي ـ روسيا وإيران وتركيا لمراقبة وقف إطلاق النار قد يؤدي إلى خلق مناطق نفوذ. فالأتراك منشغلون بتوسيع مناطقهم على حساب الأكراد وتنظيم الدولة في الشمال.
ويقوم الإيرانيون بعمل الشيء نفسه في دمشق وما حولها أما روسيا فقد تحصنت بقوة في مناطق الساحل. وفي النهاية ستظل الحرب قائمة ومعها مؤتمرات سلام لا نهاية لها.
القدس العربي