هل ثلاث دول، دولتان أو دولة واحدة؟ في المعنى الحقيقي لا يوجد على الأرض أي تفاوض ولا تسوية منذ المحاولة اليائسة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وفشلت عام 2014. فما يجري على الأرض اليوم هو عملية استيطان شرسة تحاول السيطرة على أراضي الفلسطينيين بالقوة وتريد تأبيد الإحتلال الذي سيمضي عليه نصف قرن.
ويبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد لا يفهم تعقيدات المسألة ولا حتى معنى الحل السياسي لأزمة طويلة ومعقدة، فعندما قال في مؤتمره الصحافي المشترك يوم الأربعاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه مع ما يوافق عليه الطرفان كان يتحدث بلهجة الإسرائيليين مع أنه أضاف قائلا أنه يريد تعبئة أطراف ودول أخرى للحل وهو ما رفضته إسرائيل.
وهو وإن شطب مواقف سياسية التزم بها أربعة رؤوساء قبله بشأن الحل العادل للقضية الفلسطينية والقائم على دولتين تعيشان بأمن وسلام جنباً إلى جنب قدم موقفاً أكثر تطرفاً من اليهود الأمريكيين الذين يدعو معظهم لحل الدولتين، ومنهم لجنة العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية (إيباك) اللوبي المؤيد لإسرائيل والمؤثر في أمريكا.
وموقف هذا اللوبي واضح على موقعها في الإنترنت. وبالإضافة لهذا فترامب لا يعرف بالضرورة حل الدولة الواحدة والذي يعني كما يرى نقاده مثل كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات دولة تمييز عنصري.
وحتى إسرائيل لا تريد هذا الحل. ففي الوقت الذي تطالب الفلسطينيين والعرب بالإعتراف بها كدولة يهودية فإن حل الدولة سيعيد الحديث عن المسألة الديموغرافية بحيث يصبح اليهود أقلية في الدولة وهو ما لا يريده اليمين المتطرف العازم على قتل حل الدولة وضم مناطق من الضفة الغربية وترك التجمعات الفلسطينية تحت إدارة مدنية تتحكم فيها إسرائيل.
فرئيس وزرائها طالما طالب الفلسطينيين بمفاوضات غير مشروطة بالإضافة للإعتراف ودولة منزوعة السلاح وخاضعة تحت الرقابة الأمنية الإسرائيلية. ومن هنا فلقاء ترامب ـ نتيناهو كان مناسبة لحصوله على ما يريد.
ولم يذكر ساكن البيت الأبيض الجديد الفلسطينيين إلا في سياق اللوم والإرهاب وتعليم أطفالهم الكراهية بالمدارس. وكل ما حصل عليه نتنياهو من تقريع دعوته لوقف النشاط الإستيطاني «قليلا» مع أن الحكومة الإسرائيلية صادقت على بناء 6.000 وحدة سكنية في الضفة والقدس الشرقية منذ تنصيب ترامب رئيسا.
فرحة نتنياهو
وفي هذا السياق علقت مجلة «إيكونومست» على العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية والتي اتسمت بالبرود في العلاقة الشخصية بين نتيناهو وباراك أوباما، الرئيس السابق. فقد ظل المسؤولون في الإدارة السابقة يتحدثون عن جبن نتنياهو أمام اليمين المتطرف. وبالمقارنة فالتقريع الذي تلقاه يظل خفيفاً.
ولا شك أن مساعديه قد سجلوا ما قاله الرئيس. فنتنياهو يحب الحديث عن الحساسيات الأمريكية من المستوطنات وقدرته على التعامل معهم كطريقة لمواجهة مطالب اليمين المتطرف الرافض لدولة فلسطينية والراغب بضم أجزاء من الضفة.
ولا حظت «إيكونومست» التحول المهم في الموقف الأمريكي الذي لم يعد مع حل الدولتين كمعيار للحل.
وعلى ما يبدو فالتخلي عن «حل الدولتين» كان ثمناً لتنازل الزائر الإسرائيلي لواشنطن عن مطالب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الذي وعد به أثناء الحملة الإنتخابية.
ولم يف به بعد رغم أنه قال في المؤتمر الصحافي أنه ينظر بقرار النقل «بقوة جدا» ويبدو أن ترامب يعي الآن بعد دخوله البيت الأبيض وتحذيرات نقلها له قادة أجانب من تداعيات نقل السفارة «الرمزي» على الوضع في المدينة التي يراها الطرفان عاصمة لهما.
أما التنازل الثاني فيتعلق بعدم مطالبة نتنياهو بإلغاء الإتفاق الإيراني الذي توصلت إليه إدارة أوباما.
ووصف ترامب الإتفاق بأنه «من أسوأ الصفقات». وعلى ما يبدو فقد أخبر حلفاء أمريكا الأجانب وأفراداً من فريقه مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس أن الإتفاق هو الخيار الأسوأ لمنع إيران من مواصلة نشاطاتها النووية، طالما طبقت مبادئه بشدة واستعدت واشنطن فرض عقوبات على إيران في أمور أخرى مثل مشروع تطوير واختبار الصواريخ الباليستية.
وكما تقول المجلة «فقد عزى الزعيم الإسرائيلي نفسه بكيل المديح على موقف الرئيس المتشدد من عدوان إيران».
وواجه نتيناهو حقيقة عزم الرئيس الجديد محاربة تنظيم الدولة كأولوية من أولويات سياسته الخارجية للإدارة الجديدة، وهي قضية لا تهم إسرائيل كثيراً بقدر ما يهمها التهديد الإيراني. ولأن إيران تشارك في الحرب ضد تنظيم الدولة فستجد أمريكا نفسها في تصادم مع إيران كما يقول روبرت ساتلوف من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والذي تساءل «كيف ستدمر تنظيم الدولة من دون تقوية إيران؟».
ومن هنا جمع نتنياهو بين شجب إيران والإسلام الراديكالي وأثنى على «شجاعة الرئيس العظيمة» في مواجهة كليهما، «وهو تغير منذ آخر زيارة له للبيت الأبيض». وبناء عليه فنتنياهو راض عن نفسه لأنه يعرف أن الرئيس تحدث عن «الحل» من دون أن تكون لديه رؤية استراتيجية واضحة. وبدا التناقض واضحا في رؤية الرئيس عندما قالت نيكي هيلي، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة إن واشنطن ملتزمة بحل الدولتين.
وترى الصحيفة أن ما يثير المخاوف في موقف الرئيس ليس تخليه عن حل الدولتين ولكن الطريقة «اللامبالية والمتهورة، ونبرته المازحة وكلماته المتعثرة وجهله بالموضوع على ما يبدو» كما ورد في صحيفة «الغارديان» التي تشكّك في أنه تحدث من منظور استراتيجي أو أنه كان يقصد ما قال.
فما صدر عن إدارته الكثير من الكلام المتناقض، سواء في ما يتعلق بالمستوطنات ونقل السفارة.
تناقض
وتضيف أن الميول العامة للإدارة الجديدة مثيرة للقلق وواضحة في اختياره للسفير ديفيد فريدمان الذي دعم ماليا المستوطنات ودعا لضم أجزاء من الضفة الغربية وأصدر تعليقات مؤذية ضد اليهود الليبراليين والتي عبّر عن ندمه عليها في جلسة تأكيد تعيينه في الكونغرس يوم أمس. وتشير الصحيفة أن ترامب يظل خطيراً حتى لو تم دفعه إلى لوراء. وهذا نابع من جهله وإصراره على الخوض في الموضوعات التي لا يعرف عنها إلا القليل «فما يقوله الرئيس مهم حتى لو غير رأيه في اليوم التالي».
وتقول إن موقف الرئيس هو ضد ما اعتدنا عليه من الإدارات السابقة ومخالف حتى للوبي الصقوري «ايباك» ورغم دعم غالبية إسرائيلية وفلسطينية قليلة له وحديث نتيناهو عن كلام لا أفعال إلا أن حل الدولة يعد تراجعا كبيرا.
وأشارت إلى خطاب كيري الوداعي في الخارجية الأمريكية والذي كان المحاولة الأخيرة منه لحماية العملية السلمية من الإدارة الحالية ومنع دفنها.
وتقول إن دولة واحدة تقضي على الطابع الديمقراطي واليهودي للدولة والذي يراه نتيناهو شرطا للتسوية مع الفلسطينيين. وتحذر أن دولة ثنائية الجنسية تظل فنتازيا.
فعدم التوازن بين دولة معترف بها دوليا وجماعة غير دولة تعيش تحت الإحتلال تعني تغريب الفلسطينيين وإنزال مرتبتهم لمواطنين من الدرجة الثانية. ولن يكون هذا خيانة لهم بل للمباديء التي قامت عليها إسرائيل.
وهو خطأ وكارثي، فشعبان مختلفان حول شروط انفصالهما لا يمكنهما التعايش معا. وعلقت الصحيفة على ما قاله نتيناهو عن ترامب باعتباره «الداعم الأكبر لليهود» مع أنه تجنب الحديث عن ارتفاع مستويات الكراهية منذ انتصاره وفشل في شجب حوادث العداء للسامية وبدلا من ذلك ركز على انتصاره ووعد بحب أكبر.
وبهذه المثابة فهو ليس الصديق الذي يجب أن تثق به إسرائيل، فقد كسر الحاجز الذي اعتمد عليه نتنياهو لوقف طموحات اليمين. فقد حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الحفاظ على الوضع القائم، ولكنه وضع يتحرك على الأرض بشكل يقضي على آمال الدولة الفلسطينية.
وبناء على الموقف الأمريكي الجديد فلن يكون قادراً على تذكير ائتلافه بالحساسية الأمريكية. وكان المجتمع الدولي يعرف أن هذا سيحدث ففي قرار مجلس الأمن الذي شجب المستوطنات وامتنعت فيه واشنطن عن التصويت وما تبعه من مؤتمر باريس تم تحديد معالم في القانون الدولي ويجب القيام بمحاولات مماثلة رغم تجاهل ترامب لباريس ونيويورك.
وتحذر الأمم المتحدة والجامعة العربية من غياب الحل العادل. إلا أن أوروبا أرسلت رسالة من خلال إلغاء أنغيلا ميركل، المستشارة الألمانية قمة مع نتنياهو احتجاجا على مصادرة أراضي الفلسطينيين. وهو مثال عن الطريقة التي يعبر فيها القادة عن مواقفهم.
وبالنسبة لبريطانيا التي ساعدت على تمرير قرار مجلس الأمن في كانون الأول/ديسمبر 2016 فإن دورها يتراجع من خلال رغبة ومسارعة رئيسة الوزراء تيريزا مي للتزلف إلى ترامب. ويجب احترام ما جاء في خطاب كيري ودعم بريطانيا لحل الدولتين.
قلق عربي
ولاحظت صحيفة «فايننشال تايمز» تبايناً في ردود الفعل العربية بين الشاجب والحذر. وجاءت النبرة الهادئة من الدولة التي تقترب من إسرائيل.
وكان نتنياهو واضحا في الحديث عن تقارب إسرائيلي- عربي «ولأول مرة». وعلقت الصحيفة على محاذير توسيع دائرة الدول المشاركة في الحل أنه يمثل تحدياً كبيراً لمن يعتبر نفسه «صانع صفقات».
وستجد الدول العربية نفسها موزعة بين متطلبات التحالف الإستراتيجي المتزايدة مع إسرائيل ودعمها للقضية الفلسطينية.
فدول الخليج والأردن ومصر تقترب من إسرائيل بسبب الرغبة المشتركة لمواجهة واحتواء التأثير الإيراني في المنطقة، خاصة في سوريا واليمن والعراق بالإضافة لمواجهة الحركات الإسلامية.
ويتعاون عدد من الدول العربية وإن بشكل سري في عدد من القضايا مع إسرائيل مثل أمن الحدود والزراعة والتكنولوجيا وأمن الإنترنت. ومن هنا فالكشف عنها سيؤدي إلى تداعيات سلبية. ونقل عن مسؤول أردني قوله «هناك نية للخروج من العادي والتفكير واستثمار ببعض الإنجازات التي حدثت بما في ذلك فكرة قبول الدول العربية لإسرائيل». ولكن المسؤول قال إن أي شيء من دون دولة فلسطينية لن يكون حلا.
ويؤكد المسؤولون الخليجيون أن وجود هدف مشترك مع إيران لا يعني بالضرورة مدخلاً مختلفاً في ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
وتقول الصحيفة أن فكرة مدخل يشرك الدول العربية في الحل ليست جديدة ففي عام 2002 طرح الأمير عبدالله، عندما كان ولي العهد السعودي ما صار يعرف بالمبادرة العربية والتي تقوم على انسحاب إسرائيلي إلى حدود عام 1967 مقابل اعتراف عربي بها.
وفي الفترة الأخيرة وبعد فشل كل محادثات التسوية الأخيرة طرحت الجماعات اليمينية المتطرفة في إسرائيل سلسلة من الإفكار التي لم تعد بدولة فلسطينية على حدود عام 1967.
ويدعو داني دانون، السفير الإسرائيلي المتطرف في الأمم المتحدة فكرة «حل الثلاث دول» ومن خلاله تواصل إسرائيل السيطرة على المستوطنات وتبقي على وجودها العسكري في الضفة الغربية، أما المدن والقرى الفلسطينية فستحظى بحكم ذاتي أو تقع تحت حماية أردنية أو مصرية. وكان الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين قد تحدث قبل زيارة نتنياهو لواشنطن عن ضم الضفة الغربية ومنح الفلسطينيين الجنسية، ضمن دولة واحدة.
فيما توقع الوزير الإسرائيلي أيوب قرا قيام دويلة فلسطينية في غزة التي يعيش فيها مليونا نسمة مع أجزاء من سيناء.
واعتبر الفلسطينيون الفكرة بأنها حمقاء. ولم يفت التعاون العربي ـ الإسرائيلي صحيفة «التايمز» البريطانية التي كتبت تقول إن الرئيس ترامب يشجع دولا عربية للدخول في تحـالف مع إسـرائيل لمواجـهة النفـوذ الإيـراني.
وتعتقد الإدارة أن الأردن ومصر اللتين تقيمان معاهدات مع إسرائيل، يمكنهما الانضمام إلى محور واحد مع إسرائيل، كما يمكن للسعودية أن تكون ضمنه، وكذا الإمارات العربية المتحدة، التي أقامت في السنوات الأخيرة علاقات مع إسرائيل بشكل سري.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد أشارت إلى محادثات تجريها إدارة ترامب مع حلفاء عرب من أجل بناء تحالف عسكري لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل والتعاون في مواجهة العدو المشترك، إيران.
وقالت الصحيفة أن التحالف سيضم دولاً مثل السعودية والإمارات ومصر والأردن .
ووصفت الصحيفة التحالف الجديد بأنه سيكون بمثابة «حلف ناتو عربي» ويعني أن أي هجوم على واحد من أعضائه يعتبر على جميع أعضائه. ولم تقدم الصحيفة تفاصيل حول شكل وطبيعة الحلف المقترح.
إلا أن الصحيفة أشارت إلى الدعم الأمريكي، العسكري والإستخباراتي الذي سيكون أكبر من الدعم المحدود الذي قدم للتحالف بقيادة السعودية في اليمن. ونقلت عن دبلوماسي عربي قوله إن المسؤولين الأمريكيين «طلبوا من البعثات الدبلوماسبة العربية إن كانت راغبة للانضمام إلى هذه القوة التي تشتمل على مكون إسرائيلي.
ولا يعرف إلى أي مدى ستمضي فيه السعودية والإمارات بالتحالف خاصة أنهما تريدان إلغاء التشريعات التي يمكن أن تعرض حكومتيهما للمقاضاة أمام المحاكم الأمريكية من قبل عائلات ضحايا هجمات 11 من إيلول/سبتمبر.
وفي النهاية ترى صحيفة «نيويورك تايمز» أن كل تصريحات ترامب تطرح أسئلة حول ماهية جديته وإن كان علينا التعامل مع ما يقول أنه حقيقة أم انه يفكر بصوت عال.
وتشير إلى تصريحات مماثلة حول سياسة «صينية واحدة» والتي وعد بتغييرها ولكنه اتصل في الأسبوع الماضي مع الرئيس الصيني وقال إنه سيلتزم بالسياسة. وفي السياق نفسه جاءت تصريحاته حول الدولتين.
ويقول الخبراء إنه لو كان جاداً لعاد إلى الصيغة التي اعتمدها الرؤساء الامريكيون منذ بيل كلينتون في عام 2001.
ويقول مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق إن ترامب عاد إلى السياسة الصينية التقليدية لانه أكتشف قوة الصين وفي المقام نفسه سيعود إلى حل الدولتين لأنه لن يكون قادراً على إجبار الفلسطينيين.
وفي الوقت الذي يقول إنديك أن لا خطأ في مواجهة الأسئلة القديمة، وقد فعل أوباما هذا من قبل لكن مشكلة ترامب أنه لا يفهم تفاصيل وتعقيدات المسألة التي يتصدى لها.
القدس العربي