يميل الأردن للتعاطي مع الغارة التي وجهتها الولايات المتحدة أمس الأول لرتل من الجيش السوري وميليشيات حليفة له باعتبارها خطوة أساسية في الاتجاه الصحيح تنسجم مع استراتيجية عمان المعلنة بعنوان «الدفاع عن المملكة بعمق الأرض السورية».
هذه الغارة لها ظروفها لكنها تمثل «هدية أمنية» للجانب الأردني من الحليف الأمريكي الذي استعمل لافتة التحالف الدولي في شن هذه الغارة على أمل ان يظهر الجانب الأمريكي التزاماً أكبر تجاه الحليف الأردني عندما يتعلق الأمر بالحدود مع سوريا.
عمان كانت اعتبرت مخاوفها الأمنية متوازية عندما يتعلق الأمر بالميليشيات الإيرانية واللبنانية التي تتجمع وسط وفي محيط درعا القريبة إلى جانب النظام السوري. وقد عبر عن ذلك صراحة وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي عندما أبلغ نظيره الروسي سيرغي لافروف بأن المملكة لا ترغب بمشاهدة ميليشيات مذهبية او عصابات تنظيم «الدولة ـ داعش» بالقرب من حدودها.
بوضوح لم يقدم لافروف رغم تعاون عمان معه سياسياً ضمانات عسكرية محددة تطمئن الأردنيين بخصوص معطيات الواقع العسكري وقواعد الاشتباك في الجنوب السوري، الأمر الذي سمح للولايات المتحدة وتحديدًا للجيش الأمريكي وللقيادة المركزية فيه التي زار قائدها عمان الأسبوع الماضي بالتسلل وإظهار الجدية فيما ذكرت «القدس العربي» في تقرير سابق لها بانه التزام تجاه الاحتياجات والمخاوف الأردنية التي تتموقع في نقطة أساسية قوامها فكرة منع تحشيد قوات داعش بالقرب من الحدود.
تشعر الدائرة المغلقة في دوائر القرار الأردني بأن النظام السوري «يتخابث» ميدانياً فيمرر للروس بعض المطلوب من جهتهم لكنه يستسلم ميدانياً لرغبة الحرس الثوري الإيراني تحديداً ولرغبة ميليشيات حزب الله بالتوجه جنوباً وإيجاد موطئ قدم لها في جنوب سوريا بذريعة وحجة مطاردة التنظيمات الإرهابية المتشدة.
وجود قوات تتبع إيران وحزب الله خط أحمر بالنسبة للأردن ينبغي عدم تجاوزه حتى لو كانت الحجة الأمنية مطاردة تنظيم «الدولة» لأن الأردن لن يدخل في مجازفات ولن يقبل أقل من السيطرة التامة على حدوده كما تفهم «القدس العربي» من الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني. وسبق لعمان ان اشتكت لموسكو وطلبت منها حصرياً المساعدة في ترتيب الأوراق العسكرية لما يحصل في جنوب سوريا.
لكن استنادا لما رصده وسجله المراقب الخبير في الشأن السوري علناً صلاح ملكاوي توسعت إستراتيجية نظام دمشق في محاصرة تنظيم «الدولة» وفتح المجال أمامها فقط باتجاه الحدود مع الأردن وهو الأمر الذي يرى محللون ان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حاول معالجته برسالة جدية وملتزمة عسكرياً أمس الأول عندما تحرك وقصف مباشرة رتلاً عسكرياً سورياً مع مجموعات ميليشيات تسانده كانت تتحرك بصورة غير منسقة.
يعتقد أردنياً وأمريكياً على نطاق واسع بان النظام السوري يريد او يتبع تحركات تؤدي إلى نقل المعركة والمواجهة فعلياً إلى منطقة البادية الشمالية الأردنية حيث تتواجد قوات تنظيم داعش في الجهة المقابلة وبنسبة لا تقل عن 50% من مساحة الحدود.
عمان السياسية ترى بأن تكتيك النظام السوري قد يكون مستمراً في العمل على اساس توفير ملاذ واحد لقوات «الدولة» و «جبهة النصرة» وهو باتجاه الأردن، وحصـل ذلك عملياً طوال الأيام الأربعة الماضية حسب مراقبين وخـبراء عسكريين وبصورة تنطوي على مجازفة أمنية، الأمر الـذي استوجب الـرد والمـعالجة وفقاً للمنظور الأمني الأردنـي ولتلبية الاحـتياجات الأردنـية من خـلال قـوات التـحالف.
على هذا الأساس وفي القراءة السياسية يمكن القول بأن هدف الغارة الأمريكية على رتل من قوات النظام قد يكون بمثابة «ضربة على اليد» في حال السعي لتثبيت اتجاهات عسكرية تهدد الأردن وتخطط لتوجيه قوات «داعش» نحو الجنوب.
عملياً يعني ذلك بأن الإدارة الأمريكية للتحالالم
ف تظهر إلتزاماً بما طلبته عمان الأسبوع الماضي وكاد يدفعها للحضن الروسي تدريجياً وعلى أساس إبعاد نطاق العمليات ضد «داعش» لأبعد مسافة ممكنة من مناطق الجنوب حيث الحدود مع الأردن وحيث قوات شبه عسكرية بأسماء عدة دربها الأمريكيون وتواجدت بالتنسيق مع الأردن في المنطقة العازلة لإشغال قوات «داعش» او قوات اي عصابات إرهابية تحاول الإقتراب لأن عمان وكما يؤكد المومني قررت ان تتعامل بقسوة وبلا رحمة مع أي محاولة للعبث بالحدود اوالاقتراب من حدود المملكة ولأغراض عدائية أو بدون تنسيق.