يطلق البعض على التحالف الأمريكي الذي انشغل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لجمعه طوال الأيام الماضية بأنه «تحالف الدول غير الراغبة» فهو يجمع في طياته خليطاً من الدول الخائفة من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» ومن إيران وميليشياتها الشيعية في العراق، وتخشى دول مثل السعودية ودول الخليج الأخرى من تقوية الضربة الأمريكية لـ»داعش» موقف إيران وحلفائها والنظام السوري، خاصة أن الوصفة التي تصفها واشنطن للحل تقتضي تدريب المعارضة السورية وتزويد قوات البيشمركة الكردية وتأهيل الجيش العراقي وهي عملية تحتاج لوقت طويل.
ويرى الكاتب باتريك كوكبيرن في صحيفة «إندبندنت» أن الخوف من «داعش» أدى لإنتاج مجموعة غريبة من الأصدقاء، ففي العراق ساعدت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران والتي كانت تقتل الأمريكيين قوات الأكراد والجيش العراقي على رفع الحصار عن بلدة إيمرلي التركمانية والذي لم يكن ممكنا بدون الغارات الجوية الأمريكية، وتم دمج عدد من قوات الحرس الثوري الإيراني في صفوف الميليشيا كمستشارين وقادة بدون اعتراض أمريكي.
ويعرف كيري هذا لكنه أكد في نهاية الإسبوع أن إيران لن تكون ضمن الدول المتحالفة.
صف غريب
ويضيف إن صف الأعداء ضد «داعش» غريب ويتكون من مجموعة رئيسية من دول الناتو بمن فيها تركيا وهو عبارة عن ناد يدعم من يعارضون «داعش»، لكن العمليات الإعلامية التي يمارسها تنظيم داعش وقتله للرهائن وآخرها قتل عامل الإغاثة البريطاني بيتر هينز يعني أن التنظيم يمكنه الضرب في أي مكان.
ولديه 49 دبلوماسيا تركيا اختطفهم من القنصلية التركية في الموصل كورقة ضغط على تركيا مما يعني أن الأخيرة لا يمكنها فعل شيء للمساعدة ولهذا رفضت التعاون والسماح باستخدام القواعد العسكرية لضرب «داعش».
ويضيف كوكبيرن أن رحلات كيري في المنطقة لم تنتج سوى وعودا غامضة بالمشاركة، فقد وعدت السعودية بتدريب المعارضة السورية على أراضيها، واستبعدت مشاركة قواتها في العمليات. وتفضل التركيز على تمويل العشائر العراقية لخشيتها والدول السنية من العودة للقائم قبل ميلاد الدولة الإسلامية وتقوية الشيعة بدون تحقيق المطالب السنية كما يرى إيان بلاك في صحيفة «الغارديان» والذي أشار إلى صعوبة التنسيق بين دول الخليج والولايات المتحدة لعدم وجود خبرة في هذا المجال، فلا مشكلة من ناحية القدرات العسكرية، ولكن المشكلة تبرز في التنسيق، والمخاوف الناجمة حول المدى الذي ستذهب فيه الولايات في تنفيذ العملية دون استفادة إيران والنظام السوري منها.
وبالسياق نفسه يشعر الأردن بالخوف نظرا لوجود متعاطفين مع التنظيم في بعض مدنه مثل الزرقاء ومعان.
وتنبع أهمية هذا التحالف ليس من فاعليته بل لكونه كما يقول بلاك يمنع النظر للحرب الجديدة في الشرق الأوسط باعتبارها حربا أمريكية أو حربا صليبية.
وطلب من تركيا التعاون في مراقبة الحدود التي يمر عبرها معظم الجهاديين في طريقهم إلى سوريا وكذلك الدعم اللوجيستي ومنع تدفق النفط السوري والعراقي لأراضيها حيث يباع بأسعار زهيدة، وبهذه الطريقة يتم حرمان التنظيم من مصدر مهم للثروة.
وتتمتع كل من السعودية ودول الخليج الأخرى بعلاقات نسبية مع القبائل العراقية التي يمكن إقناعها للتحرك ضد «داعش» أو التخلي عن دعمه، وقد يكون صعبا القيام بهذا لأن التنظيم معروف بانتقامه الشرس من كل من يخرج عليه.
ويرى كوكبيرن أن تحالف أمريكا في العراق وإن كان إشكاليا إلا أنه في سوريا أكثر فوضوية لأن معظم المعارضين لنظام الأسد هم من الجماعات الجهادية.
ويشير هنا للفكرة المقيتة لدى واشنطن ولندن وباريس بتغيير مواقفها الرافضة للتعاون مع النظام السوري الذي دعت لرحيله منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وقد تتعاون معه بطريقة سرية.
ويرى أن هناك جماعات «من غير التحالف» يمكنها القيام بالقتال نيابة عن الدول غير المستعدة والخائفة من «داعش» وتريد احتواءه مع ذلك، ويتحدث كوكبيرن عن حزب الله اللبناني وحزب الإتحاد الكردستاني في شمال- شرق سوريا والأكراد الأتراك ـ بي كي كي. وهو ما تخشاه دول الخليج لأن تقوية هؤلاء اللاعبين سيؤثر على مستقبل الحل، فكما يرى موقع «ستراتفور» الأمني «إن هزيمة «داعش» لن تنهي مشاكل العالم العربي ويمكن للولايات المتحدة المساعدة في تخفيف قبضته عن سوريا والعراق» ولكن «لن يستطيع اللاعبون الإقليميون التحرك وبناء نظام جديد قادر على احتواء النزاع الطائفي».
شرطي وليس قائد أوركسترا
وتنقل صحيفة «الغارديان» عن تيودور كراسيك الباحث في معهد الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري في دبي «تحديدا، خطوة واحدة غير موفقة من الولايات المتحدة التي تقود التحالف ضد «داعش» قد تمحور على حسن النية التي رأيناها في الإسبوع الماضي».
وفي هذا السياق كتب رامي خوري في «دايلي ستار» الصادرة في بيروت عن مظاهر القصور في استراتيجية أوباما لإضعاف والقضاء أخيرا على داعش والمشاكل العملية والسياسية في بناء تحالف قوي وفعال يعمل مع الولايات المتحدة حيث قال إن «دفع العرب والأتراك للتحالف أمر لا يدعو للحماس أو الثقة، واشعر بحزن حقيقي لأن ما يهزم الدولة الإسلامية والإتجاهات المنحرفة الخطيرة في مجتمعاتنا هو دينامية محلية وقوية». وشبه خوري كيري بقائد شرطة يقوم بدفع جماعات محلية خائفة مترددة لملاحقة رجال خطيرين وأشرار، أكثر من كونه قائد أوركسترا يعزف سيمفونية.
وتعترف الولايات المتحدة أن أي عملية عسكرية ضد «داعش» ليست قريبة نظرا لعدم وجود التزام واضح من قوى في المنطقة للمشاركة في العمليات العسكرية. وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» إنه لن يتم تصعيد العملية العسكرية قبل اتخاذ قوى متعددة أماكنها وتكون جاهزة للعمل مثل الجيش العراقي والبيشمركة وقوات المعارضة السورية بحيث تكون جاهزة لإتمام ما تقوم به الطائرات الأمريكية من الجو.
وأكد المسؤولون أنه لن يتم البدء بالغارات طالما لم تستكمل الجهود على الارض، فهذه لن تكون غارات «صدمة وترويع» حسب مسؤول في إشارة لبداية الغزو العراقي في عام 2003، مضيفا «لا نريد أن تظهر هذه الحرب وكأنها حرب أمريكية».
وتقول إن المسؤولين العراقيين والأكراد يدفعون باتجاه الخطوة المقبلة رغم الغارات التي نفذها الطيران الأمريكي حتى الآن 150 غارة، وطلبوا من الإدارة الأمريكية قبل أيام من استهداف الحدود السورية- العراقية لحرمان «داعش» من الملاجىء الآمنة التي يتمتع بها في المنطقة. وقال مسؤول في الخارجية الأمريكية إن العراقيين طلبوا المساعدة في المناطق الحدودية وهو «طلب ننظر به».
ويتحدث المسؤولون الأمريكيون عن تحضيرات عسكرية محددة إضافة لجهود تقودها الخزانة الأمريكية لحرمان «داعش» من مليون دولار يحصل عليه من عائدات النفط الذي يستخرجه ويبيعه في السوق السوداء.
وجاء الحديث عن هذا في ضوء محاولات الإدارة تعريف ما عنى به الرئيس أوباما عندما قال إن استراتيجيته تهدف «لإضعاف ومن ثم تدمير داعش».
و في السياق نفسه قدم مدير طاقم الرئيس دينيس ماكدونو تعريفا واضحا للإستراتيجية في حديثه مع برنامج «قابل الصحافة» على قناة «أن بي سي» قائلا إن النجاح سيكون عندما لا تهدد الدولة الإسلامية أصدقاءنا في المنطقة وتتوقف عن تهديد الولايات المتحدة ، وأن لا يزيد عدد أتباعه أو يهدد المسلمين في العراق وسوريا»، وهو تعريف لا يصل لحد العمل على تدمير التنظيم.
وترى الصحيفة إن هذا قصد منه الإستجابة لمخاوف الحلفاء المترددين لأن كل واحد يشك بالطرف الآخر. ومع أن كيري لم يشر للدول التي ستسهم في الغارات الجوية حيث سيكشف عن هذا بعد عودته من باريس ويطلع الكونغرس على ما أنجزه في الشرق الأوسط، لكن مسؤولا قال إن الدول العربية قد تسهم في الغارات الجوية بدون اسقاط قنابل، حيث ستتركز جهودها على مهام لوجيستية واستطلاعية ونقل أسلحة للقوات الكردية مثلا.
وسيلعب العراقيون دورا مهما في قرار أوباما وبالتالي فهم بحاجة لإعادة تشكيل وتنظيم صفوفهم. وترى الصحيفة أن الإمارات العربية المتحدة تأتي على رأس القائمة إلى جانب قطر التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية. وأكد المسؤولون الأمريكيون أن كل الغارات الجوية يجب أن تحصل على موافقة من الحكومة العراقية الجديدة وكذلك من المخططين العسكريين الأمريكيين. ولا يستبعد الأمريكيون ظهور مشاكل خاصة أن دول الخليج لم تعمل من قبل مع القوات العراقية. وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة حددت الأهداف التي ستضربها خلال الأسابيع الماضية لكنها تنتظر ما سيقدمه الحلفاء من طائرات ومعلومات أمنية ودعم تزويد الطائرات بالوقود واتفاقيات تسمح للطائرات الأمريكية بالإنطلاق وضرب أهداف ودمج مدربين من دول أخرى.
لا تعاون مع إيران والأسد
ومن أهم ملامح الخطة الأمريكية استبعاد مقصود للاعبين مهمين لهما مصلحة بهزيمة «داعش»، أي إيران والنظام السوري لبشار الأسد. فقد استبعد جون كيري تعاونا مع إيران التي تعمل على الأرض من خلال حلفائها في العراق.
وفي الوقت الذي استبعدت فيه التعامل مع الأسد إلا أن الطرفين يعملان لنفس الهدف، مما يثير مخاوف من تحول الولايات المتحدة لقوة طيران تعمل نيابة عن الأسد وإن مؤقتا. وبحسب الخطة الأمريكية فسيتم أولا تجميع القوات العراقية ووضعها تحت إشراف فريق أمريكي «مستشارون» مكون من 12 ضابطا.
ومن المتوقع أن يبدأ التدريب في الايام القليلة المقبلة، وسيتم توسيع العملية لتضم الأكراد ولاحقا المعارضة السورية بعد موافقة الكونغرس على حزمة المساعدة التي طلبها أوباما ـ 500 مليون دولار أمريكي تقدم للجماعات السورية المعتدلة. ويعترف المسؤولون الأمريكيون بأن المعارضة هذه منقسمة وأقل قوة من «داعش».
تحديات
في المقابل يعتبر التدخل الأمريكي فرصة لنظام الأسد الذي عانى من نكسات خلال الأشهر الماضية وخسائر أمام تنظيم الدولة الإسلامية ويمثل تحديات لدرجة دفعت بعض المحللين للقول إن إيران تفكر بالتخلي عنه، فيما يشعر حزب الله بالغضب نظرا للخسائر التي تكبدها في سوريا حسبما أوردت صحيفة «دايلي تلغراف» يوم السبت. وترى «نيويورك تايمز» أن المخاطر التي تواجه النظام نابعة من قاعدته الشعبية التي بدأت تشك بقدرته على إنهاء الحرب الأهلية. ففي الوقت الذي يعتقد فيه والدائرة المغلقة حوله أن الضربة الأمريكية تطيل من أمد النظام على الأقل سياسيا. ويرى المقربون من النظام ومستشاروه إلى أن قرار أوباما شن حرب ضد «داعش» انتصارا لاستراتيجيته التي أكدت منذ البداية على تدمير أي معارضة لنظامه وتقديم نفسه باعتباره الخيار عن التشدد والتطرف الذي يهدد الغرب.
وهناك أيضا مخاوف من أن تترك الحملة الأمريكية آثارا عكسية على النظام. ولا يعرف مؤيدو النظام من سيستفيد أكثر من الضربة، قوات الحكومة، قوات المعارضة أم جماعات الأكراد الإنفصالية. وعلى ما يبدو فلا قوات الحكومة ولا المعارضة ستستفيد مباشرة من الضربات التي ستوجه لمعاقل «داعش» في الرقة ودير الزور. ويرى الجنرال اللبناني المتقاعد أمين حطيط أن الجيش السوري لن يتمكن من استعادة الخسائر التي تكبدها في هذه المناطق وعلى ما يبدو فقد تخلى عن الشرق.
وبالنسبة للمعارضة فقد تكون محظوظة أكثر من النظام بعد حصولها على تدريب وتسليح من أوباما الذي قلل قبل فترة من قدراتها. ويتوقع يزيد صايغ المحلل العسكري في وقفية كارنيجي في بيروت قيام الولايات المتحدة بهجمات محدودة لمواقع وقوافل «داعش» في الصحراء خاصة أن مقاتلي التنظيم ذابوا في التجمعات السكانية مما سيزيد من مخاطر ضربهم على المدنيين.
ولكن في المناطق البعيدة عن الرقة تتمتع المعارضة بقوة وكذلك النظام قوي حول حلب، وعليه فضرب «داعش» في هذه المناطق قد يؤدي لمنفعة الأسد. ويرى صايغ أن قتل الولايات المتحدة لقادة بارزين له في سوريا سيترك أثره لكن سيكون الأثر محدودا.
وهناك رأي ولكن من صحافي مقرب من الحكومة والذي قال إن العملية كما يراها عدد من مسؤولي الحكومة مصممة لتحقيق أهداف سياسية وتهدف لزيادة الضغط على تركيا كي توقف تدفق المقاتلين والأسلحة إلى داخل سوريا.
وبعيدا عن هذا تأتي الضربة في وقت تواجه فيه حكومة الأسد مشاكل من داخل القاعدة المؤيدة لها التي اشتكت من سماح النظام ل «داعش» بإهانة السوريين وانتشرت التعليقات على وسائل التواصل الإجتماعي وقام مؤيدون للنظام بتظاهرة نادرة في دمشق.
مما يظهر أن المعنويات العالية التي جاءت بعد انتخابه والثقة التي قدم فيها نفسه تبخرت، وزاد من الحنق صور الجنود السوريين الذين مشوا عراة في الصحراء قبل قتلهم بعد سيطرة «داعش» على قاعدة الطبقة العسكرية في الرقة.