بعد 5 سنوات على الثورة السورية، وظهور التنظيمات الجهادية، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، لم تتمكن تركيا من منع أو الحد بشكل كبير من عمليات تدفق المقاتلين الأجانب «الجهاديين» إلى سوريا عبر أراضيها، على الرغم من الانتقادات الدولية الواسعة والمتزايدة ضد أنقرة في هذا الإطار.
وتقول الحكومة التركية إنها تبذل مساعي أمنية كبيرة جداً من أجل الحد من عمليات وصول المقاتلين الأجانب للأراضي السورية، لكنها وجهت على الدوام انتقادات متكررة من الدول الأوروبية بسبب نقص تبادل المعلومات بين الطرفين وتحميل المسؤولية فقط للسلطات التركية.
ويدخل معظم المقاتلين الأجانب الأراضي التركية من خلال المعابر والمطارات الرسمية على شكل سياح أو باستخدام فيز علاج وتعليم، ومن ثم تبدأ محاولاتهم للدخول إلى الأراضي السورية من خلال الحدود البرية التي تربط البلدين وتمتد على طول أكثر من 900 كيلومتر.
وعلى الرغم من أن السلطات التركية كثفت جهودها في الأشهر الأخيرة بشكل كبير وباتت تعتقل يومياً عشرات الأجانب قبل وصولهم لسوريا للاتحاق بتنظيم «الدولة»، إلا أن عددا كبيرا منهم ما زال ينجح في الوصول بمساعدة مهربين وأشخاص مرتبطين بالتنظيم يعطونهم تعليمات تسهل عليهم الوصول لمبتغاهم وعدم الوقوع في أيدي السلطات التركية.
مصادر خاصة بـ «القدس العربي» أوضحت أن شبكات كبيرة من المهربين من الجنسيتين السورية والتركية يعملون ليل نهار على تهريب الراغبين في الدخول من الأراضي التركية إلى سوريا مقابل مبالغ مالية كبيرة ويمتلكون خبرة واسعة وعلاقات كبيرة تمكنهم من ايصالهم لهدفهم بعيداً عن الإجراءات الأمنية المتزايدة من قبل الأمن التركي.
وتقول تركيا، التي يعتمد جزء كبير من اقتصادها على السياحة، إنها تستقبل سنوياً قرابة 40 مليون سائح من جميع دول العالم وإنها لا تستطيع التنبوء بنوايا هذا الكم من البشر إن كانوا فعلاً قادمين للسياحة أم أنهم يكنون نية التوجه إلى سوريا للقتال هناك.
وفي محاولة أخرى للحد من عمليات التهريب على الحدود مع سوريا، بدأت تركيا بناء سياج أمني مزود بأحدث التقنيات الإلكترونية الحديثة للقضاء على عمليات التسلسل على جانبي الحدود، لكن العمل به ما زال بطيئاً ويحتاج إلى سنوات لكي يغطي كامل الحدود.
الشاب السوري م. أ. مطلع عن قرب على عمليات ادخال الأجانب من تركيا إلى سوريا، ويقول: «توجد مجموعات كبيرة من المهربين المتخصصين بتهريب الأجانب لتنظيم الدولة، وهم ليسوا بالضرورة مرتبطين بالتنظيم وإنما هم مجموعات تستفيد مادياً من هذه العملية التي تدر عليهم مبالغ طائلة يومياً».
وبعد عناء قبل أحد المهربين التحدث إلى الـ»القدس العربي» بدون ذكر اسمه، مؤكداً استعداده تهريب أي عدد مطلوب من الأجانب إلى سوريا. وعند سؤاله عن الإجراءات الأمنية وإمكانية القبض على الأشخاص من قبل الأمن التركي، قال باللهجة السورية: «لا تخاف أخي.. إلنا طرقنا الخاصة الي توصلك لوين ما بدك».
ولفت المهرب، الذي طلب مبلغ 3 آلاف دولار مقابل كل شخص، النظر إلى أن الدخول يتم من مناطق جبل التركمان والمناطق القريبة من الساحل السوري، وألمح إلى انهم يقومون بتقديم رشاوى مالية لقوات الجاندرما التركية من أجل تأمين الطرق لإدخال الأجانب لسوريا، رافضاً الحديث أكثر حول الموضوع.
وكانت الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان قد واجها انتقادات واتهامات دولية بالتساهل في محاربة التنظيم وعبور الراغبين بالانضمام إليه، وهو ما نفته الحكومة على الدوام ووافقت بعد هجوم انتحاري نسب إلى التنظيم واسفر عن مقتل 34 شخصا نهاية تموز/يوليو في بلدة سوروتش في الجنوب، على الانضمام الى الائتلاف العسكري ضد «الدولة» بقيادة أميركية والذي تنطلق طائراته من قاعدة انجيرلك الجوية جنوب تركيا.
ولا توجد إحصاءات رسمية لعدد الجهاديين الأجانب في سوريا، لكن إعلانات منفصلة من عدد من الدول الأوروبية تشير إلى أن أعدادهم تقدر بالآلاف، في حين قدرت وكالات استخبارية عربية عدد المقاتلين الأجانب في سوريا بقرابة 30 ألف شخص معظمهم قدموا من أمريكا وأوروبا.
ومنذ هجوم انقرة الانتحاري الدامي في 10 تشرين الاول/اكتوبر، الذي ادى الى مقتل 102 اشخاص وإصابة اكثر من 500 امام محطة القطار الرئيسية في العاصمة، كثفت الشرطة التركية الاعتقالات في الاوساط الجهادية في تركيا.
وتنشر تركيا بشكل يومي تقارير عن القبض على أجانب وترحيلهم إلى بلادهم، وقالت الشرطة التركية، السبت، إنها اعتقلت في جنوب البلاد، اثنين من الرعايا الفرنسيين وخمسة اندونيسيين، للاشتباه في انهم كانوا يستعدون للذهاب الى سوريا والقتال في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية، كما ذكرت وكالة انباء الاناضول القريبة من الحكومة التي أوضحت أن الاعتقال تم خلال عملية لشرطة مكافحة الإرهاب في فندق بمحافظة أضنة.
وكانت الشرطة التركية أوقفت الجمعة في مطار اسطنبول حوالى أربعين شخصا من المغرب، للاشتباه في انهم كانوا يريدون أيضا الالتحاق بالتنظيم، ثم ابعدتهم الى بلادهم، في حين اوقفت شرطة مكافحة الارهاب التركية، الجمعة، عشرين شخصا يشتبه في انتمائهم الى تنظيم الدولة الاسلامية في مدينة انطاليا جنوب البلاد حيث تعقد قريبا القمة السنوية لمجموعة العشرين.
وأعلن وزير الخارجية التركي، فريدون سنيرلي اوغلو، الأربعاء الماضي، أن بلاده تدرس شن هجوم عسكري «في الايام المقبلة» على تنظيم الدولة الاسلامية بدون أن يحدد طبيعة هذه العملية، قائلاً: «داعش يهدد نمط حياتنا وامننا (…) علينا جميعنا ان نشكل جبهة واحدة في مواجهة هذا الخطر».
القدس العربي – إسماعيل جمال