كلنا شركاء: رائد الحامد ووائل عصام- القدس العربي
تتفق كل التيارات أو الأجنحة في إسرائيل، كما هي في إيران، على التنافس في خدمة الاستراتيجية القومية الثابتة لدولهم، لذلك لا يعني الكثير فوز تيار الإصلاح في إيران على منافسه التيار المحافظ في رسم الاستراتيجيات في التعاطي مع الملفات العالقة والأزمات التي تشهدها بلدان الشرق العربي، التي تشكل إيران العامل الأقوى في تأجيجها أو اخمادها حين ترى ما يحقق مصلحة مشروعها الذي لم يعد خافيا على أحد، والذي يتجسد بشكل واقعي ليس مهما ان وصفه قائد عصائب أهل الحق قيس الخزعلي المبايع للمرشد الإيراني الأعلى بانه لم يعد هلالا شيعيا انما بدرا شيعيا مكتملا، وتشكل سوريا الجزء الغربي منه بشواطئها المطلة على البحر الأبيض المتوسط. في قمم ترامب الثلاث شدد الخطاب العام على وجود خطر إيراني وان دعم طهران لنظام الرئيس السوري بشار الأسد شجع الأخير على ممارسته انتهاكات جسيمة ضد مئات آلاف السوريين. وأبعد من ذلك شمل اعلان الرياض لنتائج القمم الثلاث تشكيل قوة احتياط من 34 ألف مقاتل من دول عربية وإسلامية مؤطرة تحت مسمى «التحالف الإسلامي» بأهداف معلنة للحرب على الإرهاب دون الإشارة إلى إيران صراحة، لكن إشارات ترامب حددت أربعة مسميات شملها توصيف الإرهاب وهي تنظيم الدولة والقاعدة وحزب الله اللبناني وحماس فلسطين، مع تكرار الحديث عن التدخل الإيراني الضار في بلدان المنطقة.
في واقع ما نرى، قد لا نشهد متغيرات مثيرة في خريطة الصراع السوري المقولب مُنذ ست سنوات سواء كان الإصلاحيون هم من يمسك رأس السلطة أو المحافظون. كانت بدايات الانخراط الإيراني في الصراع السوري إبان حكم أحمدي نجاد المحافظ لنحو عامين أعقبه حسن روحاني لأربعة أعوام تم التجديد له مرة ثانية هذه الأيام لأربع سنوات مقبلة.
ولم تكن إيران تعلن بوضوح عن تدخلها في سوريا بشكل مباشر طيلة فترة حكم أحمدي نجاد المحافظ، ومع مجيء الإصلاحي حسن روحاني في 2013 بات الحديث عن الملف السوري جزءا من أولويات السياسة الإيرانية. كما ان دول العالم أصبحت أكثر قبولا باشراك إيران في ترتيب أوضاع سوريا ما بعد انتهاء الصراع المسلح.
وستظل الولايات المتحدة والدول العربية الحليفة تحاول تحدي التدخلات الإيرانية في الملفات المشتركة والأزمات في بلدان ذات اهتمام مشترك مثل العراق وسوريا واليمن.
تخضع التيارات السياسية التي تصل إلى سدة الرئاسة في إيران لسلطات المرشد الأعلى علي خامنئي الرجل الأقوى القادر على وضع أسس التوازنات وضبطها في مؤسسات الدولة الإيرانية وسياساتها الداخلية واستراتيجياتها الخارجية مع هامش مناورة يتحرك فيه الرؤساء ضمن السقف المحدد.
بعد فوز الرئيس روحاني جدد موقفه الداعم للرئيس السوري بشار الأسد في الحرب على «الإرهاب» في سوريا، كما أبرق الرئيس السوري مهنئا روحاني بفوزه لمرة ثانية بمنصب الرئيس في «تجديد لثقة الشعب الإيراني به لمواصلة تعزيز المواقف الإيرانية ودورها» مع التأكيد على مواصلة العمل المشترك والتعاون بين البلدين «لتعزيز الأمن والاستقرار في سوريا وايران والمنطقة والعالم».
أرسلت إيران مُنذ بداية الصراع السوري مئات أو آلاف المستشارين والمقاتلين من الحرس الثوري ودعمت عشرات الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية وغيرها إضافة إلى حزب الله اللبناني للقتال إلى جانب قوات النظام سواء في عهد الرئيس المحافظ احمدي نجاد أو الرئيس الإصلاحي حسن روحاني في دورته الرئاسية الأولى والثانية، وتشير تقديرات إلى مقتل اكثر من 2100 إيراني مُنذ اندلاع الصراع السوري في 2011.
وأدى استمرار الدعم الإيراني للنظام السوري إلى الحفاظ على وجوده، قبل ان تعصف بها موجة الاقتتالات الداخلية وتبني الأجندات الخارجية لبعض الدول على حساب مصلحة الثورة.
وتزامن فوز حسن روحاني مع جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة وتشديده على التدخلات الإيرانية ودعم جماعات إرهابية ومتطرفة مثل حزب الله اللبناني، لكن الانشغال بنتائج الانتخابات والترتيبات المرافقة لها لم تشغل الرئيس روحاني عن تبني موقف رافض للموقف الأمريكي ومؤيد لحزب الله متهما أمريكا بانها هي من ترعى التطرف والإرهاب.
وفي أول مؤتمر صحافي له أكد روحاني على تجديد دعمه لحزب الله اللبناني المنخرط في الصراع السوري رافضا وصف الرئيس الأمريكي له بالإرهاب ومؤكدا على ان طهران ستظل تلعب دورا دبلوماسيا وعسكريا في مجمل الصراعات الإقليمية كما ستواصل عملها في العراق وسوريا وهو خلاف ما توقعه مراقبون باحتمالات ان تبدي إيران موقفا أكثر ليونة على الأقل في خطابها الإعلامي مقابل التصعيد الأمريكي العربي ضد الأدوار الإيرانية.
لذلك لا يبدو ان التجديد لحسن روحاني بالتزامن مع الموقف الأمريكي والشركاء ضد إيران واتهامها برعاية الإرهاب سيكون له أي اثر على السياسات الخارجية لإيران وعلى الدور المباشر الذي تلعبه في الملف السوري بشقيه العسكري من خلال دعم النظام والقوات الحليفة، وفي الشق السياسي من خلال كونها الدولة الثالثة إلى جانب روسيا وتركيا في رعاية اتفاقات استانة لتثبيت وقف اطلاق النار وخفض التصعيد تمهيدا للوصول إلى وقف كامل الأعمال العدائية بين قوات النظام والمعارضة المسلحة.
لكن ثمة متغير ما في خطاب روحاني وهو خطابه القديم الجديد بان عسكرة الحل في سوريا لن تؤدي إلى إحلال السلام، ومع متغيرات في توازن القوى على الأرض يمكن التعويل قليلا على تغليب أولويات الحل السياسي طالما ان قوات النظام باتت تسيطر على المدن والمناطق ذات الأهمية الاستراتيجية لمصلحة بقاء النظام ورعاية المصالح الروسية وتأمين المشروع الإيراني في الوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط مرورا بالعراق الذي تهيمن فصائل الحشد الشعبي الحليف لإيران على أجزاء واسعة من محافظة نينوى ونفوذ وسيطرة شبه كاملة في غرب الأنبار على الطريق بين بغداد ودمشق.
كلنا شركاء