مباشرة بعد هبوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تل أبيب، وخلال حفل أعدّ لاستقباله شاهدنا صورة مليئة بالمعاني يقف فيها ترامب في نهاية خطّ من السجاد الأحمر يبدأ من سلّم الطائرة وينتهي بمنصّة جلس عليها الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى يساره وزوجته ميلانيا، وزوجتا ريفلين ونتنياهو فيما ظهر الصفّ الأول من المستقبلين بدا من لباسهم أنهم حاخام يهوديّ ورجل دين مسلم وأربعة رجال دين مسيحيين ومدنيان اثنان فيما توزّع في خلفية المشهد ضباط ومسؤولون وعناصر أمن وجنود مراسم يحملون الأعلام.
يراد للصورة أن تلخّص المحمولات السياسية والدينية والعسكرية والأمنية التي تحيط بالمشهد الإسرائيلي، وتقديم طريقة الطرف الإسرائيلي في إخراج هذا المشهد، من حيث يتمّ التأكيد على الطبيعة الدينية للبلاد، وعلى إمساك «دولة اليهود» ـ كما سماها ترامب في وعده بنقل السفارة إلى القدس من تل أبيب أثناء الحملات الانتخابية ـ بزمام الأمور في يدها في بلد كان، عبر التاريخ، مجالا للتصوّرات والنزاعات الدينية العميقة.
على الجانب الأمريكي نلمح ترامب الجديد «المحسّن» بعد مجموعة من الصدمات السياسية التي أدّت به إلى عدد من المراجعات، بدءاً من موضوع نقل السفارة، مروراً بالخفّة التي فُهمت تنازلاً عن حلّ الدولتين في شباط/فبراير الماضي، ووصولاً إلى طلبه في مؤتمر صحافي مع نتنياهو بإيقاف بناء المستوطنات، في تجميع للمواقف يجد حصيلته مع هذه الزيارة التي تريد أن تسجّل سوابق تاريخية رمزية، من قبيل كونه الرئيس الأمريكي الأول الذي يهبط بطائرة آتية مباشرة من السعودية، والذي يزور حائط البراق، إضافة إلى التوجّس الذي خلقه في إسرائيل بعد قمته مع الزعماء العرب والمسلمين وصفقات السلاح الكبرى للرياض وإبدائه عزمه على صفقة عربية ـ فلسطينية ـ إسرائيلية.
وبدلاً من الثوب الأسود الطويل الذي يستوحي الجلابية العربية الذي ظهرت فيه زوجته ميلانيا في زيارتهما للمملكة العربية السعودية نجدها في الصورة المذكورة في ثوب قصير أبيض يتناظر مع ثوب زوجة نتنياهو القصير الأحمر، وهو ما يراد به، كشف «وحدة الحال»، والطبائع والعادات المتقاربة بين القيادتين الإسرائيلية والأمريكية، وهو وتر لعبت عليه سارة نتنياهو التي تحدّثت عن تشابه وضعيتهما التي تظهر في «حب الشعب» لها ولزوجها، كما لترامب وميلانيا، وكره الصحافة للأزواج الأربعة، من دون أن تذكر طبعاً أن نتنياهو يخضع لتحقيقات برشاوى تقدر بمليون ومئة ألف دولار من مليونير فرنسي متورط بالاختلاس، وبهدايا من رجل الأعمال الأمريكي ارنون ميلشان، وأن الضغوط تزداد على ترامب حول علاقات الدائرة المحيطة به بروسيا.
زيارة ترامب إلى «الأراضي المقدسة» التي يرافقه فيها 1000 شخص لن تتجاوز الـ28 ساعة، لكنه سيكون أول رئيس أمريكي يطأ القدس الشرقية المحتلّة ويزور كنيسة القيامة وحائط البراق لينتقل إلى بيت لحم للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ممتنعاً بذلك عن زيارة العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية في رام الله يعود بعدها ليلقي كلمة من ربع ساعة في متحف الهولوكوست فمطار بن غوريون مغادراً إلى الفاتيكان للقاء البابا فرانسيس.
الزيارة إذن، رغم حديث ترامب عن «فرصة نادرة للسلام» بـــــين الفلسطينيين والإسرائيليين، هي أقرب للزيارة الرمزية المخرجة بدقّة لتجنّب الإحراجات والأكلاف السياسية، وهي، على عكس الرحلة السعودية، لن تعود بصفقات عسكرية وماليّة هائلة، ولعـــــلّ أعلى ما يمكن أن يصدر عنها هو إحساس إسرائيل المتكاثف بأنها عبء تاريخيّ على العالم وأمريكا، وعلى نفسها أيضاً، لأنها لا ترى في أي حلول سياسية حقيقية للصراع مع الفلسطينيين غير زوال معناها وتلاشي أسباب وجودها.
القدس العربي