شعر المسؤولان الكبيران الموكلان بمكافحة الإرهاب في إدارة دونالد ترامب الجديدة، جيمس ماتيس ومايك بومبيو بـ «الصدمة» عندما نشرت تقارير صحافية تكشف عن قرار تنفيذي للرئيس يدعو فيه وكالة الإستخبارات المركزية لإعادة النظر في أساليب التحقيق التي اعتبرتها منظمات حقوق الإنسان غير قانونية مثل «السجون السرية» و»أسلوب الإيهام بالغرق».
ورغم شجب النواب في مجلسي الشيوخ والنواب القرار إلا إن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر أكد «عدم معرفته مصدر القرار» وقال «إنه ليس وثيقة للبيت الأبيض» ولا يعرف من كتب مسودة القرار إلا أن عدداً من المشرعين عبروا عن قلق من تنفيذ ترامب لوعوده الانتخابية والعودة لممارسة أسلوب الإيهام بالغرق وأساليب أخرى استخدمتها إدارة جورج دبليو بوش للتحقيق مع المشتبه بهم من أفراد «القاعدة».
واعتبر الكثير من النواب هذه الأساليب بأنها «فصل مخجل في التاريخ الأمريكي». ونشرت صحيفتا «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» المسودة والتي دعت مسؤول الإستخبارات القومية للنظر في إمكانية عودة المخابرات المركزية «سي آي إيه» لفتح السجون السرية.
وهي أماكن افتتحتها الإدارة في دول اجنبية ما بين عام 2001 و2006 ومورست فيها أشكال التعذيب كافة ضد المشتبه بانتمائهم للقاعدة على أمل استخراج معلومات منهم عن قادتها وخططها.
وبحسب المسودة التي نشرتها الصحيفتان فلن يتعرض المشبته بهم المعتقلون في سجون أمريكية للتعذيب أو لمعاملة مهينة مع أن المسودة تعتبر قانوناً صدر عام 2016 يحظر التعذيب بأنه «معوق قانوني مهم» وعليه ستقوم الإدارة الحالية بإلغاء الأمر التنفيذي الذي وقعه باراك أوباما ونص على ضرورة معاملة المشتبه بناء على القانون الدولي.
وتنص مسودة الأمر الرئاسي على استمرار استخدام القاعدة العسكرية في غوانتانامو كمكان لاحتجاز المتهمين بقضايا إرهاب تم أسرهم خارج الولايات المتحدة ويطالب وزارة الدفاع بتقديم توصيات حول إضافة اساليب جديدة للتحقيق إلى «الدليل الميداني العسكري».
مضر بسمعة البلاد
وفاقم الرئيس الأمريكي الجدل عندما تحدث لشبكة «إي بي نيوز» قائلاً إن أسلوب الإيهام بالغرق «فعال» مع أن وزير دفاعه ماتيس ومدير المخابرات بومبيو يخالفانه الرأي. وقال ترامب إنه يجب «محاربة النار بالنار».
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن ليون بانيتا مدير «سي آي إيه» السابق الذي وقع على إقامة السجون السرية قوله إنه من «الخطأ» العودة لأسلوب التحقيقات المعزز لأنه سيضر بسمعة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال إن التعذيب يعتبر انتهاكاً للدستور والقيم الأمريكية. ونقلت صحيفة «الغارديان» عن ستيف كليمان، العقيد المتقاعد من سلاح الجو، ورئيس لجنة استشارية في مجموعة البحث حول التحقيقات مع الأهداف الثمينة قوله إن إضعاف الموقف الأمريكي من التعذيب يحمل مخاطر على الأمن القومي «لو أرادت الولايات المتحدة جعل الإكراه من جديد سياسة وتبني الاعتقال ولفترات طويلة بعيداً عن القانون فإن الثمن سيكون أكثر من جوهري ـ بل وجودي».
ورغم المعارضة في الكونغرس خاصة من سناتور ولاية أريزونا، جون ماكين إلا أن التصريحات النارية الصادرة من الإدارة الجديدة وسلسلة القرارات التنفيذية تعبر عن محاولة لتأكيد موقف الرئيس الجديد من أنه ماض في تنفيذ وعوده الانتخابية خاصة محاربة تنظيم «الدولة» ومحوه عن وجه الأرض، كما جاء في خطاب تنصيبه يوم الجمعة الماضي.
كراهية الإسلام
وتعلق صحيفة «نيويورك تايمز» أن أحداً لا يمكنه معارضة قتال تنظيم «الدولة» وبقية الجماعات الإرهابية التي تهدد الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط.
وهو ما قام به الرئيس باراك أوباما خلال عهده الذي استمر ثماني سنوات واستخدم في حربه مدخلاً متعدد الإتجاهات وشمل شن آلاف الغارات في دول عدة عبر طائرات بدون طيار «درون» أدت لمقتل عدد من الناشطين ومن بينهم زعيم القاعدة أسامة بن لادن الذي لعب دوراً مهماً في إضعافها.
وخسر تنظيم «الدولة» مناطق مهمة في سوريا والعراق. ولم يستطع أوباما القضاء على العنف المتطرف إلا أن ترامب يتعهد اليوم بأن يعمل أكثر وأفضل من سلفه. إلا أن هناك مشكلة في هذا المدخل حيث سيؤدي لزيادة المشاعر المعادية للولايات المتحدة في كل أنحاء العالم ولن يوفر الأمن للأمريكيين.
وتقول الصحيفة أن ترامب لم يوضح الكيفية التي سيسحق فيها الخطر الجهادي إلا أن استخدامه لشعار «الراديكالية الإسلامية» والذي يعكس موقف المستشارين المقربين منه يعبر عن «قراءة ساذجة للتهديد القادم من 40.000 متطرف وفي الوقت نفسه شيطنة وتنفير الكثير من مسلمي العالم البالغ تعدادهم 1.6 مليار نسمة».
وتضيف الصحيفة أن خطة ترامب لسحق العنف المتطرف لا تتناقض فقط مع خطة أوباما ولكنها تدوس على القيم الأمريكية والقانون الدولي. فقد تحدثت تقارير عن منع المهاجرين السوريين وغيرهم من «الدول المعرضة للإرهاب» من دخول الولايات المتحدة مع أن السلطات تقوم بالتدقيق في القادمين من سوريا والعراق والصومال والسودان وليبيا واليمن.
واستثنى ترامب بطريقة لم يوضحها أفغانستان التي جرى فيها التخطيط لهجمات 9/11 والسعودية والتي جاء منها 15 انتحارياً من 19 مهاجماً.
وسيتم وقف دخول المهاجرين لمدة 120 يوماً حيث ستتم خلالها مراجعة إجراءات الفحص من اجل تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة هذا العام من 110.000 إلى 50.000.
وتحدثت الصحيفة عن خطط إعادة العمل بالتعذيب وفتح السجون السرية واستمرار عمل معتقل غوانتانامو الذي وعد أوباما بإغلاقه ولم يف بوعده. ويفكر ترامب باعتبار جماعة «الإخوان» المسلمين المشاركة في العملية السياسية في عدد من الدول جماعة إرهابية حسب بعض التقارير.
ويرى بعض الخبراء ان تحركا كهذا هو محاولة من إدارته للتقليل من النشاط الإسلامي في الولايات المتحدة.
وتعلق الصحيفة أن خطوة كهذه ستكون محفوفة بالمخاطر خاصة أن تركيا، عضو الناتو والتي يتعاطف رئيسها رجب طيب أردوغان مع «الإخوان» المسلمين.
وبالمحصلة ترى الصحيفة أن خطط ترامب ستؤدي للإضرار بمصداقية الولايات المتحدة كحارسة لحقوق الإنسان وستغضب الحلفاء وتقوض الحريات المدنية.
وستؤدي لتخويف المسلمين الذين يحترمون القانون في كل مكان، وخاصة من يعيشون في الولايات المتحدة والذين تعتبر مساعدتهم مهمة في تحديد وإحباط الأشخاص الذين يحاولون القيام بأعمال متطرفة.
خسارة الحرب على الإرهاب
وتعلق روبن رايت في مجلة «نيويوركر» على مسودة القرار التنفيذي «حماية الأمة من الهجمات الإرهابية التي قد ينفذها أجانب» والتي تشمل وقف دخول الأجانب وإعادة توطينهم من أي دولة في الاشهر الأربعة المقبلة من أجل النظر في الإجراءات بالإضافة لوقف استقبال مواطني الدول السبع التي سيستهدف مواطنوها، مدة شهر ومنعهم من دخول الولايات المتحدة حتى لو كان للدراسة أو زيارة العائلة أم لأسباب إنسانية طارئة أم للسياحة. وأدت المسودة لسلسلة من الردود السلبية لأنها تمييزية وتضر بالناس الذين يحتاجون للمساعدة الماسة.
ولهذا ردت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت بتغريدة قالت فيها «نشأت ككاثوليكية وأصبحت أسقفية/أنكليكانية قبل اكتشافي أن عائلتي يهودية، وأنا مستعدة للتسجيل كمسلمة تضامناً».
وتشير رايت في بداية مقالتها إلى قصة عائلة مهاجرين سورية حاولت سيدة يهودية تعيش في واشنطن استقبالها. وبدأت في تموز/يوليو عندما كتبت اندريا ديتلباخ رسالة ألكترونية إلى الحاخام في كنيس سيناء بواشنطن، العاصمة وعرضت عليه مساعدة الكنيس باستقبال عائلة لاجئين سورية.
ووافق على المقترح حيث جمع الكنيس كمية كبيرة من المال كما تقول. وحضر هواتف نقالة لإعطائها للعائلة حالة وصولها.
وجهز فريقاً لتعليمها التأقلم مع الحياة الأمريكية من فتح حساب بالبنك إلى قضايا التعليم وفريقاً طبياً منهم طبيبة للأمراض الباطنية تتحدث العربية.
وتقول ديتلباخ إنها تلقت تبرعات «وكان ينتظر وصول العائلة خلال أسبوعين إلا أن التقارير حول منع السوريين عطلت كل الخطط رغم أنه تم التحقق من أفرادها وفحص وثائقهم وحياتهم. ويشكل اللاجئون السوريون اليوم ربع لاجئي العالم حسب ميشل غابودان، رئيس «اللاجئون الدوليون» وعلق على حالة العائلة السورية «نشعر بالقلق فقد فروا من الإرهابيين الذين تعهدنا بمحاربتهم وحرمانهم من التوطين يعني حرمانهم من المساعدة التي يحتاجونها. كما وتقدم المبرر لتنظيم «الدولة» الذي يزعم أننا نحارب سكان كل المنطقة، وهي رسالة غير صائبة وسترتد ضد الهدف الذي نريد تحقيقه».
وبحسب المسودة «فمنذ هجمات أيلول/سبتمبر 2001 دخل مئات من الأفراد المولودين في الخارج ممن أدينوا أو تورطوا في جرائم لها علاقة بالإرهاب بمن فيهم مواطنون أجانب دخلوا للولايات المتحدة بعدما طلبوا اللجوء أو حصولهم على تأشيرة للدراسة أو العمل أو من خلال برنامج إعادة توطين اللاجئين».
تقارير
وتقول رايت إن الأرقام التي ظهرت في تقرير أعدته «مؤسسة راند» عام 2015 يقلل من حجم التهديد النابع من الدول ذات الغالبية المسلمة والتي ذكرتها المسودة.
فقد وجدت «راند» أن غالبية الـ 180 إرهابياً منذ عام 1990 والذين استلهموا عملياتهم من الأيديولوجيات الجهادية وخططوا للقيام بها في الولايات المتحدة أو على طائرات متجهة إلى أمريكا كانوا مقيمين أصلًا فيها. وجاء في التقرير الذي ألفه بريان جينكنز «لم يكونوا بحاجة إلى السفر للولايات المتحدة ولم يحتاجوا إلى تسجيل».
وجاء فيها «في بعض الأحيان فإن التعرف على إرهابيين وناشطين في الخارج هو الجزء الأسهل، أما تحديد الأعداء في داخلنا فكان دائماً تحدياً».
وتوصل تقرير أعدته مؤسسة «نيو أمريكا» في واشنطن إلى نفس النتائج التي توصل إليها جينكنز «عوضا عن كون الإرهابيين متسللين أجانب فإن غالبية الجهاديين الإرهابيين في الولايات المتحدة كانوا مواطنين أمريكيين أو مقيمين شرعيين».
وأضافت أن «كل جهادي قام بعمل قاتل داخل الولايات المتحدة منذ هجمات 9/111 كانوا مواطنين أو مقيمين بطريقة شرعية. بالإضافة إلى هذا فربع المنفذين كانوا من الذين اعتنقوا الإسلام بشكل يجعل التحدي غير منحصر بالهجرة فقط».
ويضيف غابودان «لا يوجد دليل ومنذ هجمات أيلول/سبتمبر عام 2001 عن قيام مهاجرين بأعمال إرهابية في الولايات المتحدة، وهذا أمر غير صحيح، وغير دقيق بشكل صارخ».
ونقلت الكاتبة عن دوريس ميسنر، مفوضة الولايات المتحدة للهجرة والجنسية ما بين عام 1993 ـ 2000 وتعمل الآن كزميلة بارزة في معهد سياسات الهجرة الكلام نفسه.
وقالت إن المهاجرين السوريين يواجهون أكثر الإجراءات من أي جنسية كي يسمح لهم بالدخول للولايات المتحدة مع أنهم يمثلون أكبر مجموعة من الضحايا في العالم وبحسب دان بيمان، أحد أعضاء لجنة التحقيق في 9/11 فالتهديد الإرهابي من السوريين يظل الأقل لعدة أسباب. «أولاً: هناك قلة من بين اللاجئين تدعم الإرهابيين» و»ثانياً فالتدقيق الذي يمر به اللاجئون مكثف وثالثاً: كشف المجتمع المسلم في أمريكا عن عدوانية ضد الإرهاب ويقومون بالإبلاغ عن العدد القليل من المشبته بهم الذين يعيشون بينهم».
وحذر بيمان من الآثار الاهتزازية التي سيتركها القرار التنفيذ على الحلفاء والأعداء وحتى في داخل الولايات المتحدة.
وقال إن قرار ترامب سيثبط من عزم الدول الأخرى الترحيب باللاجئين وربما أسهم بشرعنة بل ومفاقمة المشاعر المعادية للمهاجرين التي تزداد اتساعاً في أوروبا.
وقد يؤدي إلى بقاء خمسة ملايين لاجئ سوري في مخيمات تركيا والاردن ولبنان والعراق وللأبد حيث لا تتوفر فرص العمل والتعليم. ولأن الأطفال لن يجدوا الأماكن التعليمية والترفيهية فسيكونون عرضة للجماعات الإجرامية.
وفي داخل سوريا شردت الحرب أكثر من خمسة ملايين وحولتهم للاجئين في وطنهم ويريدون الخروج. وتقول رايت إن الجماعات الجهادية من تنظيم «الدولة»، «القاعدة» و»حزب الله» و»حماس» والجماعات الصغيرة ستحاول استغلال الأزمة وأنها دليل على حرب الغرب ضد 1.7 مليار مسلم.
ففي فيديو ترويجي لـ»حركة الشباب الإسلامي» ـ فرع «القاعدة» في الصومال عرض فيه ترامب وهو يعد بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
يضيف بيمان خطراً آخر هو شعور المسلمين الأمريكيين بالنفور والتهميش بشكل يجعلهم عرضة للتجنيد أو قيام الذئاب المتوحدة من داخلهم بهجمات.
وفوق كل هذا ستشعر كل أقلية أنها متهمة وستتوقف عن التعاون مع وكالات حفظ الأمن. وشجب مجلس العلاقات الامريكية ـ الإسلامية كير المنع ووصفه في بيان بأنه تأكيد «للمقترحات المعادية للإسلام والسياسات غير الأمريكية التي تم الحديث عنها اثناء الحملات الانتخابية».
وجاء فيه «لم يحدث أبداً في تاريخنا أن فرضنا بطريقة مقصودة وكسياسة على المهاجرين بناء على الدين أو فرضنا امتحاناً دينياً على القادمين لهذا البلد».
المصدر:القدس العربي