سطنبول ـ «القدس العربي»: يبدو أن جولة الوساطة في الأزمة الخليجية التي قادها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في قطر والسعودية والكويت والدعم السياسي الكبير الذي قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الصعيد الخليجي والدولي لهذه الجهود، يبدو أنها تقترب من نهايتها في ظل عدم وجود أي مؤشرات إيجابية على نجاح أو تقدم في الجهد التركي الكبير والمتواصل منذ اندلاع الأزمة.
وعلى العكس من ذلك، تبرز مؤشرات مفاجئة عن بوادر صدام مباشر بين السعودية وتركيا التي سعت بقوة منذ البداية إلى عدم الصدام مع المملكة وعملت كل الممكن من أجل عدم إغضابها على الرغم من حسم دعمها ووقوفها إلى جانب قطر.
وفي تصريحات غير مألوفة، قال «إييت كوركماز» أحد كبار مستشاري الرئيس التركي في برنامج تلفزيوني، السبت: «دول ضخمة وكبيرة (السعودية) تسير خلف قبيلة واحدة، وهذا أمر لا يقبله المنطق الإنساني، الربيع (ثورات الربيع العربي) يمكن أن يظهر قريباً في دول جديدة.. يجب أن تظهر أصلاً»، في تصريحات اعتبرتها وسائل إعلام تركية بمثابة «تهديد» للسعودية باحتمال قيام ثورة على طريقة «الربيع العربي» ضد الأسرة الحاكمة فيها. هذا الموقف التركي الجديد، جاء بعد ساعات من إعلان السعودية أنها لن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها وأنها ليست في حاجة لمثل هذه القواعد، وقال مصدر رسمي لوكالة الأنباء السعودية (واس): «المملكة لا يمكن أن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها.. المملكة ليست في حاجة إلى ذلك وقواتها المسلحة وقدراتها العسكرية في أفضل مستوى، ولها مشاركات كبيرة في الخارج، بما في ذلك قاعدة أنجيرليك في تركيا لمكافحة الإرهاب وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة».
الرد السعودي جاء بعد أن كشف أردوغان لأول مرة عن أنه عرض على الملك سلمان بن عبدالعزيز إنشاء قاعدة عسكرية تركية في السعودية، ولفت إلى أن الملك سلمان تعهد بتقييم الأمر، وان الرد لم يأت لغاية الآن، وذلك في إطار الجدل المتواصل حول القاعدة العسكرية التركية في قطر.
وفي محاولة لتبديد مخاوف دول الخليج الأخرى، حاولت أنقرة مراراً التأكيد على أن قراراها بإرسال الجنود إلى القاعدة العسكرية في قطر لا يستهدف أحداً وأن القاعدة تهدف إلى حماية أمن واستقرار دول الخليج والمنطقة بشكل عام.
لكن على ما يبدو فإن هذه التطمينات لم تكن كافية للمملكة التي تأخرت في التجاوب مع الجهود التركية الدبلوماسية للوساطة في الأزمة، واستقبلت ببرود وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو المقبل من قطر والكويت باحتجاز اثنين من الصحافيين المرافقين له.
والسبت، أوقفت السلطات السعودية لأكثر من عشر ساعات صحافيين باكستانيين يعملان لحساب قناة «تي ار تي وورلد» التركية الحكومية الناطقة بالانكليزية كانا يغطيان زيارة جاويش أوغلو الذي اضطر لطرح المسألة على الملك سلمان الذي أمر بدوره بفك أمر احتجازهما دون إبداء الأسباب. وحاول أردوغان السبت التأكيد على عدم وجود خلافات مع السعودية، وذلك من خلال قوله إنه «واثق من أن خادم الحرمين الشريفين قادر على إنهاء الأزمة بين دول الخليج وقطر في أقصر وقت». وحول تمييز بلاده ما بين مواطني دول الخليج، أكد أن «هذه الادعاءات كذب وافتراء وحملة تضليل ضد تركيا».
وتابع: «تركيا ستبقى البيت الثاني لجميع إخواننا في الخليج». وأوضح أن أنقرة تربطها علاقات قوية جدًا وذات أبعاد متعددة مع جميع دول الخليج وعلى رأسها السعودية. وأعرب عن «عزم بلاده مواصلة تطوير وتعزيز العلاقات في كل المجالات مع جميع دول الخليج وفي مقدمتها المملكة». وقال وزير الخارجية التركية إنه تناول مع الملك سلمان الأزمة القطرية الخليجية، مؤكدا على أهمية دور العاهل السعودي وزعامته في حل هذه الازمة. وأشار الوزير: «أكدنا خلال اللقاء على وجهة نظر تركيا بضرورة حل الأزمة في أقرب وقت؛ كما أكدنا على الدور المهم للملك سلمان وأهمية زعامته في هذا الحل». وأضاف؛ «شددنا كذلك على أهمية تخفيف حدة الموقف الحالي».
وأوضح وزير الخارجية أنه نقل رسالة اردوغان للملك سلمان التي يطلب فيها احتواء الأزمة «بما يتناسب ومقام الملك سلمان»، ويؤكد أن تركيا على استعداد للمساهمة في جهود الحل، وطالب جاويش أوغلو السعودية والإمارات والبحرين بـ«الدليل على الاتهامات لقطر بالوثائق؛ قطر تريد أن ترى ذلك؛ والكويت التي تقوم بالوساطة تريد هذا؛ ونحن ايضاً».
القدس العربي