لا يغرد عضو مجلس الشعب السوري أحمد شلاش كثيراً خارج السرب وهو يتوسع على وسائط التواصل الاجتماعي الأردنية مهدداً أهالي وسكان عمان العاصمة بالموت الجماعي إذا ما شاركت بلادهم في عملية عسكرية برية تحدثت عنها المملكة العربية السعودية او لا زالت تتحدث منذ نحو اربعة اسابيع.
شلاش في التقييم الأمني والسياسي والبيروقراطي الأردني «عنصر صغير» في الهرم الجهوي المناصر بشدة لنظام الرئيس بشار الأسد لكنه عنصر قريب جداً من الإيرانيين وعلى صلة بحزب الله اللبناني وبالتالي تكمن أهمية تلويحه المباشر بالتهديد فقط في أنه يعكس «مزاج» القوى الإيرانية واللبنانية المؤثرة اليوم في مربع القرار السوري.
الأخطر من شلاش في التقييم الأردني هو السفير السابق المطرود من عمان الجنرال بهجت سليمان المقرب أيضا من حزب الله اللبناني والذي بدأ مؤخراً يستقبل معارضين أردنيين أو مؤيدين لنظام دمشق في محيط العاصمة اللبنانية بيروت بالتوازي مع إسترساله في تهديد الأردن ومناكفته.
كلاهما شلاش وسليمان معاديان بشدة للأردن والإنطباع داخل مؤسسات قرار عمان عنهما انهما «مكلفان» بالتعبيرعن وصلات الرسائل التهديدية التي ترغب مؤسسات النظام السوري بتوجيهها إلى عمان وهو ما يمارسه بلغة دبلوماسية اقل حدة بين الحين والآخر وزير الخارجية وليد المعلم.
رغم ان الرئيس بشار الأسد إعتبر شخصياً مرتين على الأقل وهو يستقبل مصفقين أردنيين له ولنظامه بأن «درعا» مشكلة أردنية إلا ان بعض رموز النظام السوري مثل شلاش والجنرال سليمان كثفا من مناكفتهما وهجومهما الحاد على الأردن مؤخراً بالتوازي مع نغمة السعودية المتعلقة بعملية عسكرية برية من الواضح انها تتعارض مع الخطة الأمريكية ولم تحصل على ضوء أخضر من واشنطن.
المثير أردنياً في تقييم تصريحات شلاش وسليمان الكيدية والثأرية والتهديدية انها تعكس تلك الحلقات المتباينة في داخل أعماق مؤسسات القرار السورية حيث القناعة بان الرئيس بشار لا يحكم فعلاً وخرج من المعادلة تماماً فيما تنسق مؤسسة الجيش مع روسيا ويستحكم الإيرانيون واللبنانيون في إدارة ميدان الصراع وبدون تنسيق مع بقية الأطراف في أكثر من منطقة منها من سوء حظ الأردن بعض قرى محافظة درعا.
على نحو أو آخر يمكن القول إن السفير سليمان متكفل بمهمة «إقلاق» الأردن وإستقبال الأردنيين المؤيدين لدمشق، بمعنى انه لا زال يعمل عن بعد وفي الساحة الأردنية بعد طرده من عمان ومن خلال مؤسسات تدعي انها تمثل الشعب الأردني.
وعلى نحو أو آخر يمكن القول بأن تصريحات شلاش التي تهدد صراحة بـ«قصف عمان» ليست مجرد رسالة خشنة بقدر ما تعكس وجود مراكز ثقل حيوية في النظام السوري المنقسم الآن افقياً وعمودياً معادية للأردن او ترتزق سياسياً بإدامة الحديث عن دور عمان في عبور وتدريب المسلحين الإرهابيين.
وهي النغمة التي يستخدمها الوزير المعلم أحيانا رغم علمه الأكيد بان الأردن أوقف تماما كل برامج التدريب لمقاتلين سوريين ورفض قطعيا التفاعل مع أي عمل عسكري بري إنطلاقا من حدوده.
يحصل ذلك عملياً رغم ان رجل المؤسسة الأمنية القوي في دمشق علي مملوك حضر لعمان «بدون ختم وثيقة سفر» والتقى مسؤولين بارزين فيها وحصل على تطمينات بأن الأردن غير مهتم بأكثر من تجنب استقبال المزيد من اللاجئين وبإستراتيجية بقاء الأزمة السورية داخل حدودها.
ويحصل بالتوازي مع حديث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن «الخطة ب»بعد لقائه العاهل الملك عبدالله الثاني في العقبة. كما يحصل بعد تعزيزات عسكرية سعودية عبر مدرعات وآليات دخلت الحدود الأردنية وتمركزت في منطقة حساسة أمنياً شرقي البادية الشمالية في الأردن وفي مواقع مقابلة تماماً لاستحكامات تنظيم «الدولة ـ داعش» في محيط جبل العرب.
لذلك يطرح مسؤولون أردنيون اليوم سؤالاً متكرراً في كل الغرف المغلقة: ما الذي يريده النظام السوري بصورة محددة من الأردن بعد التفاعل القوي مع روسيا وتجميد كل النشاطات التي تصفها دمشق بأنها «عدائية»؟
ثمة من يعتقد في السياق ان المطلوب هو «بقاء الأردن» في وضعه الحالي فيما يتعلق بالملف السوري، الأمر الذي يتطلب إرهاقه بين الحين والآخر بتهديدات ورسائل توجه مرة عبر القذائف العشوائية التي تسقط في محيط قرى الرمثا ومرة عبر تعليقات خشنة تهدد وتتوعد من طراز ما يصدر عن الجنرال السفير سليمان وعضو مجلس الشعب المدعو شلاش.
هذا الإرهاق له هدف تكتيكي برأي ساسة أردنيين يتمثل في السهر على منع الأردن من الاستسلام للأجندة السعودية تماماً وهو أمر تتنبه له عمان اصلاً بدون الحاجة لتهديدها غير الرسمي وإن كانت بذكاء تستثمر في مثل هذه التهديدات بدورها دولياً وإقليمياً وبصفة خاصة أمريكياً بدليل حصولها ـ اي عمان- مؤخراً على تعديل قانوني في واشنطن يسمح بتعزيز دفاعاتها العسكرية وبسرعة وبدون المرور عبر مفاصل البيروقراطية الأمريكية المعتادة.
معنى ذلك أن تهديدات بائسة وغير مبررة مثل تلك التي تصدر عن «أذرع إيرانية» في سورية مثل شلاش وسليمان خدمت وتخدم الأردن في نهاية المطاف أكثر مما خدمت النظام السوري نفسه.
بسام البدارين ـ القدس العربي