لا أحد من اللاعبين الدوليين والإقليميين المنخرطين في الحروب السورية، مرتاح في سوريا، وإن تفاوتت ضائقاتهم تفاوتاً نسبياً. ربما كان أبرز هؤلاء تركيا وإيران. وفي الأمس، عبَّرَ كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي عن غضبهما ووجعهما، كلٌ على طريقته. فقال الأول إن تركيا لن تسمح بإقامة كيان (كردي) على طول الحدود في شمال سوريا وستفعل كل ما يتطلبه الأمر لمنع إقامته، في حين قال الثاني إن إيران “ستحرق” الاتفاق النووي مع الدول الغربية إذا تنصل من استحقاقاته الرئيسُ الأمريكي المقبل.
مدهش استخدام المرشد لكلمة “الحرق” بدلاً من “التمزيق” الأكثر ملاءمةً للموضوع. ربما كانت الغاية من هذا الاستخدام هي التعبير، بعنف لفظي عالي النبرة، عن الغضب الإيراني من ضائقتها المركَّبة، الاقتصادية السياسية العسكرية، وربما أراد الإحالة المبطنة إلى القنبلة التي تم تفجيرها قرب مصرف لبنان والمهجر، مساء الأحد الماضي، في بيروت، وتكاد تُجمع الشكوك حول مسؤولية حزب الله عنها، بالنظر إلى تهديدات سابقة من بيئة الحزب، بل حتى من الإعلام الإيراني، للقطاع المصرفي في لبنان.
فقوات الحزب، ومعها قوات إيرانية وعراقية وأفغانية، تتكبد خسائر كبيرة في ريف حلب الجنوبي، بعدما تم طردها من جنوب سوريا بقرار إسرائيلي روسي، وربما كان هذا الموضوع أحد بنود اجتماع طهران الثلاثي، قبل أيام، بين وزراء دفاع كل من إيران وروسيا والأسد. وفي المستوى السياسي، ذهب التفاهم الأمريكي الروسي، حول التسوية السياسية للصراع السوري، بعيداً، وظلت طهران خارج اللعبة، مثلها مثل الدول الأوروبية في أحسن التقديرات. وبلغ الضغط على طهران أقصاه من خلال استمرار العقوبات الأمريكية عليها، وخاصةً لجهة تعطيل الصفقات الاقتصادية مع العالم، والمعاملات المالية والمصرفية الدولية. وإذا كانت ذراعه اللبنانية (حزب الله) قد نالت نصيبها من العقوبات من خلال التزام النظام المصرفي اللبناني بالعقوبات الأمريكية، فالتنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا، ضيق على الحزب أمنياً، ودفع بقواته إلى الشمال السوري، بعيداً عن المناطق الحيوية التي كان يطمح لتفعيل نشاطه فيها حول دمشق وجنوبها. هذا إذا لم نشر إلى تكهنات شائعة حول علاقة مفترضة للروس باغتيال القيادي الأمني الأبرز في حزب الله مصطفى بدر الدين، قبل أسابيع، في دمشق، سواء بشكل مباشر، أو بتسهيل مهمة الإسرائيليين في اقتناصه.
أما تركيا أردوغان التي خذلتها الإدارة الأمريكية في سوريا، بتحالف هذه الأخيرة مع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وبدأت تدفع فاتورة جيرتها لداعش على بعض حدودها الجنوبية، صواريخ تطلق على بلدات تركية حدودية، وهجمات انتحارية في شوارع مدنها الكبرى، واغتيالات في مدنها الجنوبية لنشطاء سوريين في وضح النهار، وفرضت عليها موسكو حظر طيران غير معلن في شمال سوريا، إضافة إلى مقاطعة الروس لقطاعها السياحي وإجراءات اقتصادية أخرى، فلديها كل الأسباب للغضب الذي لا تعرف كيف تنفس عنه سوى بالاستقواء على “أعداء الداخل” الكثر، من الكرد إلى جماعة فتح الله غولن إلى المعارضة الرسمية في البرلمان إلى قطاعات معارضة من المجتمع المدني.
وبعدما طوى أردوغان حقبة رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، وجاء برجل أكثر انسجاماً مع طموحاته الرئاسية، وسياساته الداخلية والخارجية، إلى منصب رئيس الحكومة، ويجري العمل على طرد نواب حزب الشعوب الديمقراطي من البرلمان، بدأ يرسل إشارات إيجابية إلى موسكو، أملاً في إنهاء التوتر المتصاعد بين البلدين، منذ إسقاط الطيران التركي لطائرة السوخوي الروسية قرب الحدود مع سوريا، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. فقد أرسل أردوغان رسالة تهنئة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة العيد الوطني لروسيا، فيما أرسل رئيس الوزراء بنالي يلدرم رسالة مماثلة إلى نظيره الروسي مدفيديف. يأمل أردوغان بفتح ثغرة في الجدار الدولي المطبق على تركيا من كل الجهات. فعلاقات تركيا مع الإدارة الأمريكية تمر بأصعب أحوالها، ومع الاتحاد الأوروبي ليست على ما يرام. وعلى حدودها الجنوبية باتت أمام خيارين كارثيين، من وجهة نظرها، هما “الدولة الإسلامية” أو حزب الاتحاد الديمقراطي، في حين بات حلفاؤها من الفصائل الإسلامية المعارضة في أضعف أحوالهم.
اللافت للنظر هو اختلاف رد الفعل على الضائقة الشديدة، بين تركيا وإيران. ففي حين يبحث الأتراك عن وسائل لتخفيف الخناق عبر إرسال رسائل إيجابية إلى الخصم الروسي، يتحدث المرشد الإيراني بلغة الحرق، وتنفجر قنبلة رسالة في القطاع المصرفي للبنان الذي يشكو حزب الله من إجراءاته. وإن كانت القيادتان الإيرانية والتركية، على السواء، تتصرفان وفقاً للمثل الشعبي القائل إن العاجز عن ضرب الحمار، ينفس عن غضبه في البردعة. وهكذا يواصل الجيش التركي حربه على مدن وبلدات جنوب شرق الأناضول، حيث القاعدة الشعبية لحزب العمال الكردستاني، ويعود حزب الله الإيراني في لبنان إلى محاصرة الزبداني، إضافة إلى “القنبلة المصرفية” التي يخشى اللبنانيون ألا تكون سوى البداية لما هو أشد خطورة.
القدس العربي