ختم المرشحان للرئاسة الأمريكية، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، مناظرتهما الأخيرة أمس بطريقة عاصفة تبادلا فيها اتهامات خطيرة بطريقة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
استخدم ترامب في هذه المناظرة الأخيرة كل ما في جعبته من سهام ضد كلينتون في القضايا السياسية والشؤون الاقتصادية والقانونية والتأمين الصحي والإجهاض مروراً بردوده على القضايا الشخصية كدعاوى التحرش الجنسي ضده وأنه لا يشتري يخوتا وطائرات خاصة، وأنه بدأ ثروته بقرض بمليون دولار من والده، وانتهاء بتوصيف المرشحة الديمقراطية بـ»الكاذبة» و»البغيضة».
تبادل الخصمان الهجمات أيضاً في مسائل السياسة الخارجية التي تخصّ العرب بشكل أو بآخر، حيث أعاد ترامب اتهام كلينتون (وإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما) بخلق تنظيم «الدولة الإسلامية» بسبب حالة الفراغ العسكريّ إثر انسحاب الجيش الأمريكي من العراق، وبأن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد أفضل من ذهابه، وبأن أوباما أدخل آلافا مؤلفة من الناس الذين لا يعرف عنهم شيئا (يقصد 10 آلاف لاجئ سوري سمحت لهم واشنطن بالاقامة بعد تدقيق في كل حالة قرابة 18 شهرا) وبأنه لا يعرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً «لكنّه قال عنه أشياء لطيفة» الخ…
ردود كلينتون تركزت على أن ترامب هو دمية في يد بوتين وبأنه يحتقر النظام الانتخابي الأمريكي بالزعم أن التصويت يمكن التلاعب به ووصفت امتناعه عن التسليم بنتائج الانتخابات بأنه أمر «مروّع» كما ردّت على تصريحاته حول اللاجئين و»الحدود المفتوحة» ومسألة خطر السماح ببيع الأسلحة للعموم.
المقارنة بين خطابي المرشحين تدلّل بدون أي شكّ على الطبيعة الديماغوجية لترامب فمبالغاته وتبسيطه لشؤون العالم واستخدامه السهل للأكاذيب (كالقول إن سياسة كلينتون تسمح بسحب الجنين من بطن أمه وتمزيقه قبل ولادته بيوم)، ورفضه فكرة إمكانية هزيمته بالادعاء أن الانتخابات يمكن تزويرها، وتحقيره للنساء والمكسيكيين والمسلمين، تضعه في تحالف واقعيّ مع أسوأ أشكال اليمين العنصري الأمريكي، ولكنّ هذه الأمور أيضاً هي التي تعطي هذا المرشح جاذبية كبيرة لدى قطاعات كبيرة من الشعب الأمريكي لا تقتصر على «الواسب» (الأنغلو ساكسون البيض البروتستانت) بل أيضاً على أجزاء واسعة من الأقليات التي يحاول تملقها بتصريحات شعبوية (هناك انقسام عليه بين اليهود الأمريكيين مثلا) بل كذلك لدى فئات عديدة من النساء من قطاعات اقتصادية عديدة.
تبدو السياسة الخارجية لكلينتون، نحو الإسلام والعرب، مختلفة عن سياسات ترامب، ولكنّها كخليفة لأوباما، سترث سياسات، لا تبدو واسعة الاختلاف عن سياسات ترامب إلا بالنسبة والتناسب، ومن هنا تجد اتهامات ترامب الفظة له بمشاركته في خلق أسباب وجود وانتشار تنظيم «الدولة الإسلامية» غير بعيدة كثيرا عن واقع الحال.
تستند طروحات ترامب حول تزوير الانتخابات إلى قناعات تيار سياسي شعبيّ يكره المؤسسات الحاكمة ويرغب في حلول سحرية وجذرية على طريقة «الحلم الأمريكي» التي تروج لها أسطورة ترامب.
لا يقتصر هذا التيّار على أمريكا بالطبع فقد أثبت نجاح تيار الخروج من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، في جمع أكثر من 18 مليون صوت انتخابي، أن التيارات الشعبوية قادرة على استثمار الصندوق الانتخابي وتحشيد جمهور هائل رغم أن «المؤسسة البريطانية»، ممثلة بالأحزاب الرئيسية، المحافظين والعمال والليبراليين، وكبار الشركات والنقابات، كانت معارضة لهذا الاتجاه.
فوز ترامب الذي فُرض على الحزب الجمهوري الأمريكي لا يمنع من القول إن «المؤسسة» والنخبة الأمريكيتين، واللتين تضمان الأكاديميا والإعلام والفن والسياسة، معارضتان بوضوح لترامب وأنهما تعملان ما استطاعتا لهزيمته، فهل تستطيع النخبة والمؤسسة، هذه المرة، من هزيمة الشعبوية، وإذا حصل ذلك فهل سيتراجع هذا التيّار مع هزيمة صاحبه أم سيبقى فاعلاً؟