كلما ضاقت الحلقة حول النظام أو واجه المزيد من الغضب الشعبي استدعي سيناريوهات زمن الديكتاتور مبارك نفسها، حينما كانت أجهزته الإعلامية تستدرج الجماهير عبر افتعال قضايا مثيرة ومعارك يهدف من ورائها إلى «اللهو الخفي»، ليدع الفرصة للنظام كي يمدد رجليه مسترخياً فيما يترك الشارع مشدوداً وراء المزيد من الإثارة والفضائح التي تضمن أن تظل السلطة في واد والشعب في واد آخر.
وبينما كانت إسرائيل تنشط في عمليات القتل في المدن والقرى المحتلة كانت الصحف مشغولة بالحديث عن الفنانة انتصار، التي اعترفت بأنها تشاهد أفلاماً إباحية وتقدم النصائح للعزاب والعوانس بأن يحذوا حذوها. كما احتفت بعض الصفحات الأول بدعوة طليقة الفنان سعيد طرابيك لأرملته بالرضوخ لتحليل الحامض النووي، وهو الأمر الذي رفضته الأرملة.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه الحروب في عدة عواصم عربية ظلت لغة النفاق هي المهيمنة على معظم الجرائد والفضائيات.. كما ابتلعت وسائل الإعلام الإهانة التي تلقتها القاهرة على لسان بوتين مؤخراً ووصل بها الحال للحديث عن تهديد الدب الروسي باعتباره إنجازا للقاهرة.
وفي الصحف المصرية الصادرة أمس الجمعة 20 نوفمبر/تشرين الثاني تصدرت المانشيتات التهاني بتوقيع عقد مشروع إنشاء المحطة النووية في الضبعة، وتعاملت وسائل الإعلام مع الأمر باعتباره إنجازا تاريخيا يحسب لجهود الرئيس السيسي، كما توالت المعارك الصحافية ضد الإخوان والسلفيين، وكان في انتظار حزب «النور»
ذي المرجعية السلفية فضيحة جنسية أربكت قياداته وجلبت مزيدا من الهجوم له من قبل عموم الإسلاميين الذين ينظرون له باعتباره شوكة في ظهر الحركة الإسلامية. أما المؤسف الذي لا يمكن للذاكرة أن تمحوه فتلك الحالة من التعاطف الشديد مع مجرمي العصر الذين يبيدون الفلسطينيين، للحد الذي دفع بعض الأقلام المصرية لاعتبار الإسرائيليين شهداء، فيما يتم تصدير لغة التشفي في المرابضين حول الأقصى على النحو الذي سنرى وإلى التفاصيل:
الإسرائيليون شهداء!
مع بداية جولتنا فاجأنا السعيد الخميسي في «الشعب» بلطمة مصدرها أحد الذين يدينون بالحب لإسرائيل: «إن إعلاما يصف قتلى الصهاينة بأنهم شهداء لجدير أن يوصف بما يستحق من أوصاف تليق بقذارته..
إن الساقطة البغي التى تبيع شرفها، تتسلل لواذا في ظلمة الليل حتى لا يراها أحد من الناس. أما هؤلاء فقد كشفوا وجوههم التي هي أشبه بقطع الليل المظلم، بل وسقطت ورقة التوت الباهتة التي كانوا يستترون خلفها في العهود السابقة ليفتضح أمرهم وتنكشف سوءتهم على رؤوس الأشهاد. إن هؤلاء الإعلاميين ينحدرون من سلالة إعلام حادثة دنشواي الذين تعاطفوا مع المحتل الغاصب ضد البسطاء من شعب مصر. ل
ا أراهم إلا امتدادا لإعلام أحمد سعيد، مذيع النكسة الأبدية، مادامت السموات والأرض، يوم أن خرج يعلن للشعب المصري أننا دخلنا تل أبيب وأسقطنا طائرات العدو، بينما طائرات العدو كانت تمرح وتلعب في سماء مصر على رؤوس الإشهاد. يضيف الخميسي، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هؤلاء الإعلاميون قد ولدوا في مصر وعاشوا على أرضها وتنعموا بخيرها وخافوا على أهلها وشعبها.
لا أراهم إلا نارا تحرق الأخضر قبل اليابس، لا أراهم إلا هما بالليل وذلا في النهار، لا أراهم إلا سموما ناقعات في جسد هذا الوطن. لا أراهم إلا ورما خبيثا يجب اجتثاثه من جذوره قبل أن تنتشر خلاياه في كل ربوع الوطن. ل
ا أراهم إلا امتدادا لأبي مسيلمة الكذاب، حين ادعى النبوة كذبا، وزعم أن الله عز وجل قد أوحى إليه قرآنا. لقد احترفوا الكذب والتضليل والتشويه وقلب الحقائق وإشعال الحرائق في ثوب الوطن المهلهل المرقع الذي لايحتمل عود ثقاب! هل لهذا الحد وصلت بهم الوضاعة والدناءة والرداءة؟ هل لهذا الحد قبلوا أن يكون كالساقطات في ملهى ليلي ينامون على سرير كل نظام؟ هل لهذا الحد قبلوا أن يكونوا كشقة مفروشة تُستأجر للأعمال المنافية للآداب؟».
مصر لن تعود للحظيرة الأمريكية
البداية مع الموقف الغامض مع روسيا، الذي ازداد تأزماً، غير أن محمد عبد الهادي علام رئيس تحرير «الأهرام» يزعم أن العلاقة بين البلدين أكبر من أن تتعرض للانهيار لأي طارئ: «العلاقة بين مصر وروسيا ليست علاقة مصالح فقط، هي علاقة تقوم على الاقتناع بوجود تهديدات لقيم ومبادئ يؤمن بها البلدان وشعباهما، ومن هنا كان التقارب الكبير بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين، بعد ثورة 30 يونيو/حزيران.
ويؤكد الكاتب على وجود أطراف تريد نسف ما بناه الرئيس السيسي في العلاقات مع روسيا، حتى تعود مصر للحظيرة الأمريكية، وأي مشكلة في العلاقة مع روسيا لابد أن يكون لها حل، فالوضع في مصر لا يحتمل سياسة «نسف البدائل»، وقبل أي تحرك من الحكومة أو غيرها، نشعر اليوم بأن الرئيس السيسي في حاجة إلى إدارة ملف الطائرة، ومعالجة أي خلل يضرب العلاقات وهذه الأزمة، حتى لو تطلب الأمر السفر إلى موسكو على متن طائرة شركة مصر للطيران. وبحسب الكاتب فهناك حسابات ومصالح لدى الجانب الروسي ستكون لها تداعياتها على الأرض، وعلينا عدم إنكارها، بل علينا أن نحترمها ونتعامل معها..
والانتظار حتى تتضح تلك التداعيات. التحرك غير مفيد، بل المفيد هو المبادرة بالاقتحام ليس فقط حتى نتجنب أي انعكاسات سلبية، بل لنكون شركاء في أي حسابات ومصالح..
فبالتأكيد أيضاً هناك أطراف دولية وإقليمية وداخلية من «لوبيات» المصالح المرتبطة بالغرب لا يروقها تأسيس الرئيس السيسي علاقات إستراتيجية مع روسيا والصين، وتأمل بل وتعمل على نسفها تماماً، مثلما تعمل على نسف العلاقات مع الدول التي وقفت إلى جانب مصر ودعمت خيارات شعبها في ثورة الثلاثين من يونيو، ويأسف علام لأن بعض تصريحات مسؤولين مصريين أقل من مستوى العلاقات الإستراتيجية مع هذه الدول».
«الدواعش» يقتلون
والمسلمون يدفعون الثمن
ونتابع أصداء التفجيرات التي شهدتها باريس، والتي دفعت ناجح إبراهيم في «المصري اليوم» لاستدعاء ما جرى من قبل في أمريكا: «كما أدت 11 سبتمبر/أيلول إلى ظلم الإسلام وتعميم الأحكام الخاطئة على المسلمين في كل مكان بمن فيهم مسلمو أمريكا.. فإن تفجيرات 13 نوفمبر/تشرين الثاني الفرنسية ستضع أيضاً الإسلام والمسلمين في قفص الاتهام، في جريمة لم يقروها ولم يعرفوا أصحابها ولم يحبوهم أو يؤيدوهم. ويتساءل ماذا تفعل إذا غفل الدواعش عن قضايا الإسلام الأساسية ومنها «أن الأصل في كل الدماء العصمة» من دون تفرقة أو تمييز بين دماء المسلمين أو غيرهم.. أو دماء السنة عن الشيعة.. أو دماء العرب عن العجم.. وأن الإنسان مهما كان جنسه ولونه فهو بنيان الله الذي خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واستخلفه لتعمير الكون وحمله أعظم أمانة.
لقد نسى هؤلاء أن تكريم الله للإنسان كان عاماً وشاملاً.. لا يخص أدياناً أو أجناساً دون آخرين «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ».. ومن أبجديات هذا التكريم عصمة دمه وماله وعرضه وصون كرامته. ويرى ناجح أن فكرة أن غير المسلم أو الكافر مستباح الدم هي فكرة ساذجة لا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا أفعال الصحابة.. فقد عاش رسول الله «ص» بين عشرات الآلاف من الكفار والمشركين، ولم يبح يوماً دماءهم أو ذبحهم.. وحينما جاهد كان قائداً لجيشه دفاعاً عن دولته ومحارباً الجيوش التي تحاربه «وَقَاتِلُواْ في سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ»، فالعلة في القتال هي المقاتلة والعدوان وليست اختلاف الدين أو المذهب.. وكانت رسالته للناس «لأتمم مكارم الأخلاق» وليس لأتمم ذبح الناس.. إن مما يؤسف له كما يرى الكاتب أن معظم تفجيرات «القاعدة» و«داعش» تصيب المدنيين العزل الذين لا ناقة لهم ولا جمل بصراعات السياسة».
العنف عملتهم الوحيدة
لو أنك حللت حالة البرود التي يتسم بها أداء «الدواعش»، حين الذبح أو الحرق أو إطلاق النار أو التفجير أو التخريب والتدمير، فبإمكانك، كما يشير إلى ذلك محمود خليل في «الوطن»: «استخلاص مجموعة السمات التي تميز مَن ساقه الشيطان سوقاً للعمل في «شركة القتل الداعشي». أولى هذه السمات تتمثل في سقم التفكير، فليس من المتصور أن من يقوم بهذه الأفعال لديه عقل، أو له سابقة في التفكير.
أقل ما يمكن أن يوصف به هذا الصنف من البشر هو اختلال العقل واضطراب الفكر، أما السمة الثانية فتتمثل في قسوة القلب، وهي سمة لا تحتاج إلى شرح، ويكفي أن تتذكر سوابق أعمالهم في ذبح وحرق البشر بدم بادر، ومن دون أدنى مبالاة. والسمة الثالثة، ترتبط بسهولة الشقاق في ما بينهم. فما أيسر أن يختلفوا، ويترخصوا في إعدام بعضهم بعضا، وتوجيه سكاكينهم ونارهم إلى من كانوا ضمن صفوفهم بالأمس.
وهم مدينون في هذه السمات الثلاث لـ«الشيطان» الذي لا يجد عنتاً في فتنتهم، مصداقاً للآية الكريمة التي تقول: «لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ». يرى خليل أن مناجاة أصدقاء الشيطان من الدواعش إثم وعدوان، فما معنى أن يكون حديث القتل والسحق والتهديد والاغتيال جوهر خطابهم، أي إثم أكبر من العدوان على البشر بغير وجه حق، والله تعالى يقول: «لَّا خَيْرَ في كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ». الدواعش لا يفعلون ذلك، وفتش لي في كل ما يصدر عنهم من بيانات أو فيديوهات عن كلمة واحدة تدل على معروف أو إصلاح بين الناس. إن أصل وجودهم يرتبط بالجور والتخريب. نجوى هؤلاء من الشيطان: «إنما النجوى من الشيطان».
أيهما سيقضي نحبه أولاً..
داعش أم الأسد؟
سؤال أولى بالإجابة نتركه لعماد الدين أديب في «الوطن»: «أيهما يجب أن يذهب أولاً، «داعش» أم الرئيس السوري؟..الأمر المؤكد هو أن الصراع في سوريا الآن هو صراع بين قوى الاستبداد السياسي مع قوى التكفير الديني، وأن كلاً منهما يغذي وجود الآخر. ومن الواضح أن حالة التمدد الجغرافي التي يعيشها «داعش»، من سوريا إلى العراق، ومن اليمن إلى سيناء، ومن سيناء إلى لبنان، ومن لبنان إلى أوروبا، فإن ذلك كله يعكس حالة من حالات انتشار الفكر التكفيري الذي اعتمد العنف كوسيلة وحيدة لإسقاط الأنظمة وتغيير شكل المجتمعات القائمة وعدوى انتشار «داعش» هي عدوى كبرى تصيب المنطقة العربية عقب انتشار عدوى الربيع العربي منذ عام 2011.
ويؤكد الكاتب أن ثورات الربيع العربي لم تنجح لأنها كانت حركات رفض من بعض القوى التي كفرت سياسياً بالأنظمة الاستبدادية من دون أن يكون لديها مشروع بديل يستطيع أن يتبنى دولة جديدة في ظل قوى اجتماعية مختلفة. الشيء ذاته يحدث الآن مع «ربيع داعش» الذي يروَّج فكره وتتم عمليات التجنيد الفكري له على ساحات الإنترنت من خلال تسويق فكرة أن الذين يحكمون الآن خارجون على صحيح الدين، لذلك يتوجب قتالهم من أجل إعلاء كلمة الله وإقامة الخلافة الإسلامية في الأرض بهدف القضاء على قوى الشيطان الكبرى التي تساند هذه الأنظمة المستبدة.. يتابع أديب:«ربيع داعش» ينتشر بقوة الإنترنت وبقوة السلاح وبقوة المال السياسي الآتي من مبيعات النفط المسروق والإتاوات التي تُفرض على المواطنين الأبرياء تحت اسم ضريبة الجهاد أو أموال الجزية».
صاحبة الجلالة حائرة
بين «مطبلاتي ومبرراتي وخفاش»
وإلى أزمة الصحافة التي تشهد أسوأ عصورها ولندع سمير عمر في «المصري اليوم» يقول ماعنده: «منذ حلقت خفافيش شارع الصحافة والحواري المجاورة في فضاء الإعلام، اتسعت السحابة الإعلامية السوداء، فغطت الجزء الأكبر من سماء الوطن، ومع كل محنة يمر بها الوطن أو أزمة تأخذ بتلابيب المواطن تسرح الخفافيش وتمرح لتضيع الحقيقة أو تكاد، بسبب الظلام الذي تفرضه، وبحسب الكاتب، فالخفافيش ليسوا سواء، فمنهم الخفاش المطبلاتي، والخفاش المبرراتي، والخفاش المشتاق، وثلاثتهم يكرهون الصحافة ولا يحبون الوطن، فهم مشغولون طوال الوقت بذواتهم الخفاشية، التي تعيش في ظلام الأكاذيب ولا تطيق نور الحقيقة. وفي دفتر أحوال أنواع الخفافيش الثلاثة وسيرهم الذاتية ما يكفي ليحظوا جميعا بالاحتقار الوطني والازدراء الإنساني.
فأما الخفاش المطبلاتي فهو عديم الموهبة، محدود الإمكانات، تراه في كل محفل يهرول خلف أي مسؤول يزين له الأخطاء ويجمل له الخطايا. أما الخفاش المبرراتي، وفق ما يرى سمير، فقد كان في الأصل خفاشا مطبلاتيا، غير أنه تمكن من اكتساب بعض الخبرة وكرس إمكاناته، رغم ضعفها، لتطوير أدائه، فهو لا يهلل كرفيقه المطبلاتي، بل يتأنى ليخلق نقطة بيضاء في سواد الأخطاء والخطايا، ويدفع الجميع للنظر إلى تلك النقطة التي قد لا تكون موجودة من الأصل، ولأنه أقل غباء من الخفاش المطبلاتي، فهو ينتقي من أفعال ذوي السلطة والنفوذ ما يسهل الدفاع عنه، ويتجاهل ما دون ذلك. وفي المرتبة الثالثة يأتي دور الخفاش المشتاق، وهو يختلف إلى حد كبير عن النوعين الأولين، وإن اشتركوا جميعا كما ذكرنا آنفا في أنهم يكرهون الصحافة ولا يحبون الوطن. والخفاش المشتاق يكرس جل عمله لمتابعة سلوك رفيقيه الخفاش المطبلاتي والخفاش المبرراتي، ويسعى لتقديم نفسه لذوي السلطة والنفوذ، كممثل لفصيلة متطورة من الخفافيش يمكنه أن يلعب دور الاثنين بكفاءة أعلى».
ها قد عدنا يضرب بعضنا رقاب بعض
كل الشواهد تؤكد أننا مقدمون على حمل السلاح ونزع فتيل الحرب، هكذا ببساطة يتخيل عبد الرازق أحمد الشاعر في «المصريون» الأمر: «كنا حتى الأمس القريب، ننظر وراء السياج، فنرى الذين اغتصبوا الأرض واستباحوا العرض يعيثون في مقدساتنا فسادا، فنهم بالضغط على زناد الغضب، فلا يردنا إلا قلة الحيلة. وكنا ننظف أسلحتنا، ونلمع أحذيتنا، ونضع الخوذ فوق رؤوسنا ونحمل مخال ثقيلة فوق ظهورنا، وننفذ مشاريع وهمية استعدادا ليوم الزحف. لكن أسلاك اليوم لم تعد شائكة أبدا، ولم تعد الانتهاكات للأرض والإنسان تستثير فينا دماء الغضب، وكأن الدماء التي سفحناها عند الحدود ذات كرامة لم تكن لعزيز. وكبرنا، فزاغت أبصارنا، ولم نعد نرى أسفل منتصف أي هدف، فالأرض تحت أقدامنا راجفة، والحدود هلام.
والأعداء يسحقون التاريخ تحت عجلات إعلامهم الموجه. اليوم، نقف فوق خريطة مجللة بالسواد من كل مفترق، بلا جار ولا جوار. القتل فوق خرائطنا المهشمة مشاع، والكراهية دين، والمتدينون أذناب وفرق وأتباع. والدين غريب والكثرة غثاء، والكل ينتظر قتلة تليق ببلادته وصمته أمام استغاثات الجوار. اليوم، ترفع فرقنا كلها راية الجهاد، ولا تصيب سهامها إلا الأيادي المتوضئة والركع السجود. اليوم، تدمر المساجد فوق رؤوس المصلين، فيصيح المتوضئون بالدماء الدافئة: «الله أكبر، ولله الحمد». يضيف الشاعر اليوم، ننتصر على ما تبقى فينا من فضيلة، ونهرج كالحمر في البرية، فتصيب حوافرنا عيوننا وبطوننا وأفئدتنا. واليوم، نتسابق في ماراثونات غبية نحو الهزيمة، ونقف فوق تلال قتلانا لنفرج بين السبابة والوسطى. اليوم ينتصر الغباء على الوطنية والعروبة والدين لنعود بعد محمد كفارا يضرب بعضنا رقاب بعض، ويكشف بعضنا سوأة بعض. اليوم، نقف على أعتاب حرب لا ناقة لنا فيها ولا عنزة، لنحارب طواحين هواء، وهلام داعشي مختلق، لنعود من حروبهم المقدسة بخفي حنين، لنقسم بوكيد الأيمان أننا قتلنا وشردنا ودمرنا، لكننا سوف نسكت حتما عن المفعول به».
ليس لمجرد القتل
ونبقى مع القضية ذاتها ووجهة نظر أخرى يطرحها عادل عايش الأسطل في «الشعب»: «هذه الهجمات التي نفذها «تنظيم الدولة»، لم تكن هكذا، أو لمجرّد القتل أو الانتقام فقط، بل هي تحمل رسائل مختلفة موزّعة على النحو التالي، فعلاوة على التذكير بأن التنظيم موجود وهو في ذروة نشاطه، فإنها رسالة واضحة، للفرنسيين تضم دعوة وتهديدا في آن، بأن ليس عليهم المشاركة في الحرب ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب، والتوقف عن إرسال طائراتهم لتنفيذ مهمة قصف عدائية، ومسارعة الانسحاب من المنطقة. والرسالة الأهم، هي الموجّهة لبقية الدول المشاركة في الحلف والمؤيدة له، بأن عليها الاتعاظ قبل الوصول إلى ترتيبها على الخريطة، وبالتهديد بأن لا قوّة في العالم يمكنها وقف هذه الهجمات أو التقليل منها، وكانت التنظيم قد أرسل على جناح السرعة، للقادة في روسيا أن ليس عليهم الانتظار طويلاً ليروا آثاره الدامغة عياناً في قلب العاصمة موسكو.
ترى الدول أن من الواجب التعاطف مع فرنسا قيادة وشعباً، من أجل التخفيف عن مُصابها، وتعزيز صمودها، وقد رأينا كيف عبّرت تلك الدول عن استيائها، وعن استعدادها لتقديم يد العون والمساعدة، ولكن اللافت هو أن إسرائيل كانت قد تقدّمت على تلك الدول وفاقت عليها في مجموع استعداداتها بشأن مؤازرتها والوقوف إلى جانبها.
على أن تلك التفجيرات كما يشير الكاتب تُمكنها من توظيفها في خدمتها ومجموع سياستها الاحتلالية، وسواء باتجاه عودة فرنسا إلى رشدها، بشأن إعادة نظرها في المواقف المعادية لإسرائيل، أو بشأن تخلّيها عن كتابة مبادرات أو اقتراحات بشأن القضية الفلسطينية لا تتماشى مع التطلعات الإسرائيليّة، إضافة إلى توصيل فكرة جامعة، بأن على فرنسا وبقية العالم الحر، الاعتراف بأن إسرائيل هي حائط الصد الأول عنها، ضد (الإرهاب) الإسلامي المنتشر في العالم».
الشرطة الفرنسية على رأسها ريشة
رأينا الشرطة الفرنسية وهي تواجه الإرهابيين منفذي هجمات باريس بأقصى درجات العنف.. قتلت من قتلت.. وضبطت من ضبطت على حد رأي جمال حسين في «الأخبار»: «رأينا مشهد تجريد المتهمين من ملابسهم أثناء القبض عليهم أمام شاشات شاهدها العالم أجمع، وهم يقودونهم شبه «بلابيص»… رأينا الشرطة الأمريكية تتعامل مع المتظاهرين بأقصى درجات العنف، ورأينا شرطة تركيا التي تهاجم السياسات المصرية ليل نهار، تفعل الأفاعيل بالمتظاهرين في «ميدان تقسيم».. لم تهتز مجالس حقوق الإنسان العالمية أو المحلية في هذه الدول، ولا المنظمات الحقوقية ولا منظمة العفو الدولية ولا قنوات الناشطين التلفزيونية، ولا البيت الأبيض ولا البيت الأحمر لهذه الممارسات، ولم يتحرك لهم ساكن..
لكن عندما يحدث أقل خرق لمواثيق حقوق الإنسان في مصر نجد الصراخ والتنديد والاستنكار والبيانات تلقى من ساكني البيت الأبيض والبيت الأسود، ويتلقف الأمر الناشطون المتعاملون بالدولار مع هذه المنظمات لإقامة الدنيا ضد مصر.. وفي المساء يتم تمزيق جسد مصر على الموائد الفضائية و«هات يا رغي وهات يا انتقاد وإلحق يا جدع وتدخل يا عم سام»، وبعد دقائق تخرج علينا المتحدثة عن البيت الأبيض والمتحدث عن وزارة الخارجية الأمريكية والبريطانية والمتحدثون من بلاد «الواق واق» في منظومة مرسومة مسبقا لتعرية مصر أمام المجتمع الدولي وإظهارها بأنها الدولة التي تنتهك كل المواثيق الدولية، رغم أن الانتهاكات المصرية هي نفسها الانتهاكات التي تحدث في كل بلادهم، بل وأقل كثيرا.
ويرفض الكاتب الممارسات الإرهابية ضد الشعب المصري المسالم ويرفض قتل رجال الجيش والشرطة وتدمير اقتصاد البلاد، ويرفض أن يتاجر بعض المحسوبين على مصر للأسف بمشكلات بلادهم، وهم نفسهم لم يحركوا ساكنا ضد انتهاكات صارخة تحدث أمام أعينهم ليل نهار في كل بلاد الدنيا».
بوتين هل أصاب السيسي بالرعب؟
«سنتصرف طبقا للمادة 51»، تلك الجملة التي أطلقها وزير خارجية روسيا، فاستنفر العديد من معسكر السيسي وأثار حالة من الغضب بين الكتاب، ومن بينهم علاء عبد الوهاب في «الأخبار»: «المادة ضمن ميثاق الأمم المتحدة تقضي بحق أي دولة في الدفاع الذاتي أو الجماعي حال الهجوم عليها، وموسكو تيقنت أن طائرتها المغدورة في سيناء سقطت بفعل قنبلة، وبوتين قال: «سوف نلاحقهم أينما كانوا».. بكلمات أخرى أكثر تحديدا: قُضي الأمر، ولم يبق سوى الإجابة عن سؤالين: متى؟ وكيف؟ ويؤكد الكاتب أنه حتى الآن السؤال بـ «أين؟» مؤجل، لأنه لا إشارة من جانب الروس إلى مصر أو سيناء تحديداً، لكن لا أحد يمكنه الجزم بالتداعيات المستقبلية، والمطلوب دائما أن يكون السيناريو «ب» جاهزاً، فروسيا تنسق اليوم مع فرنسا في سوريا، وقد يتسع التعاون ليشمل أمريكا غداً، وربما تختلف المعادلات بحساب المصالح، إذا اتسع النطاق الإقليمي لعملية تسوية تفرض مقايضات مستبعدة الآن.
في سايكس ـ بيكو الأولى أُقصيت روسيا، ولا أظنها على استعداد لتلقي الأمر برحابة صدر في الطبعة الجديدة من مشروع إعادة ترسيم الشرق الأوسط، وسوء الظن من حُسن الفطن أحياناً، شرط ألا يستدعي ذلك الانجرار لـ«تسخين الأجواء» مع الروس، لأن فرضية تفعيلهم للمادة «51» في سيناء يصعب توقعها، من دون تنسيق مع القيادة المصرية، وربما يكون ذلك تحديداً أحد الدواعي التي حددت توقيت اجتماع الرئيس مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقبلها مع مجلس الأمن القومي. من الصعب توقع لعب موسكو لدور حصان طروادة، إلا أنه في السياسة لا شيء مستبعد تماماً، مهما كان الاحتمال ضعيفا، فقط يجب الإعداد لمواجهة كل الاحتمالات بردود جاهزة لأن عنصر الوقت سيكون ضاغطا، لا يسمح بترف ممارسة التفكير مطولاً إذا داهمتنا الأحداث».
علينا الا ننسى جرائم الآخرين
ونتحول بالمعارك على الإرهاب ضد الآخر ويشنها في «الشروق» نادر بكار القيادي في حزب «النور»: «كأي قائد عادي يفتقر إلى إمكانية ضبط النفس وتقدير العواقب، سارع الرئيس الفرنسي بشن هجمات جوية عشوائية لا يعلم أحد على وجه الدقة كم أسقطت من ضحايا سوريين أبرياء، حتى لو ادعت فرنسا غير ذلك، كل هذا ليهدئ من روع الجماهير ويثبت لها من منطلق الغريزة البدائية قدرته على الثأر لضحاياها أيا ًكان الثمن… وبم يسمى ذلك سوى الإرهاب العكسي؟ حرق مصاحف، حرق مساجد، اعتداءات جسدية ولفظية على مواطنين ومهاجرين مسلمين، توعد اللاجئين البائسين، توسع في انتهاك حقوق الإنسان العربي أو المسلم فقط… كلها توابع تتعاظم لتشكل كرة ثلج ضخمة تنحدر بأقصى سرعة وتسحق في طريقها كل صوت عاقل، حتى تصل بالبشرية كلها وليس أوروبا وحدها إلى المصير المحتوم. ويرى بكار أن قرع طبول الحرب العشوائية ليس حلاً، وردود الفعل المبالغة في استرضاء الأوروبيين أيضا ليست حلاً..
كلنا يعاني المعاناة نفسها تقريبا، وإن كان لابد من شماعة تعلق عليها الأسباب فلتتحمل واشنطن وحلفاؤها إذن فلقد كان غزوها للعراق أول المأساة. يضيف نادر، الظلم الذي عاشته هذه الأمة لعقود تحت الاحتلال، والهوية التي بذل السيد الغربي وسعه لطمسها أو استبدالها بأخرى ممسوخة باهتة، والفقر الذي خلفه الاحتلال وتلامذته بعد نهب الثروات، والقهر الذي عانته الشعوب في مرحلة الاستقلال الصوري، والأزهر الذي هـُمش دوره، والمعلم الذي شوهت نفسيته وصورته، وغيرها أسباب بالعشرات فرخت هذا الانحراف الفكري ولم تزل. وشدد بكار على أن أوروبا مسؤولة عما لحق بأبنائها وأبنائنا على يد صبية صغار وجدوا من شحنهم بأسباب الكراهية لمن ظلم أجدادهم وأهان دينهم».
هواة صنع الأصنام
أما محمد الدسوقي رشدي فعبر في «اليوم السابع» عن سخطه من انحسار مساحة النقد في الوقت الراهن: «كيف تصنع صنمك في ثلاث خطوات؟ في المشهد كله روائح غير مستساغة كلما اقتربت من أحدهم ناقدًا أو مصححًا، توترت الأجواء وباغتوك بسؤال أسطوري: كيف تجرؤ على التعرض لرجل وقف ضد الإخوان؟ فعلها البعض على استحياء، ويفعلها آخرون بعد أن يخلعوا برقع الحياء مثل السيد عبد الحي عزب، رئيس جامعة الأزهر، الذي برر تعيين زوجته مستشارة له بأنها «وقفت ضد الإخوان».
ويشير الكاتب إلى أن الوضع جنوني في وطن يريد بعض أهله تحويل معارضة الإخوان إلى صك حصانة جديد يمنح صاحبه فرصًا أكبر في الترقى الوظيفي، كما يمنحه حماية أبدية من الإخوان. صناعة آلهة العجوة في مصر عادة، تختلف التيارات السياسية في كل شيء، ولكنها تتفق على أن الحياة بدون إله عجوة صعبة، الفلول وشباب 25 يناير/كانون الثاني وأنصار شفيق، وأنصار 30 يونيو/حزيران بينهم ما بينهم من حروب، ولكنهم يلتقون عند هذا الفرن الساخن الذين يصنعون فيه إلههم الجديد من العجوة.
نعيش بين بشر اعتادوا طوال سنوات مصر الماضية أن يرسلوا صورا أسطورية لشخصيات يضعونها في خانة الأبطال والمناضلين، بعض الشخصيات تستهويها الفكرة وتركب الموجة، مثل هؤلاء الذين يريدون لأنفسهم حصانة بحجة الوقوف ضد الإخوان، تجسد الأمر مع محمد البرادعي ورسم له الجميع صورة الفارس القادم على حصان أبيض لخوض معركة تحرير مصر، ثم انفض أغلب من حوله حينما اكتشفوا أنهم حملوا الرجل فوق طاقته، وأن البرادعي نفسه حينما ينظر في المرآة لا يرى في شخصه القدرة على تقدم المشهد وتحمل تبعات نتائجه، من قبلها كانت حدوتة شخصيات مثل الدكتور محمد سليم العوا الذي صنعت من أجله خصيصًا أسطورة المفكر الوسطي المستنير، وصدم الناس بأدائه المتعصب».
الحلم النووي يرى النور
ووسط ركام اليأس عثرنا على نقطة ضوء يحتفي بها عبد القادر شهيب في «فيتو»: «أخيرا سوف نبدأ تحقيق حلم طال الانتظار لتحقيقه، وهو الحلم النووي، أو إقامة محطة نووية في منطقة الضبعة.. لقد تم أمس إبرام الاتفاق بين مصر والشركة الروسية الأكبر في هذا المجال بعد مفاوضات استمرت قرابة العام ونصف العام تناولت كل التفاصيل، ابتداء من التمويل، وسداد النفقات، والمشاركة المصرية، والتدريب للخبراء المصريين ونقل الخبرات وإجراءات الأمان، فضلا عن عدد المفاعلات النووية التي سيتم بناؤها والتي تنتمى للجيل الثالث، أي أحدث أجيال المفاعلات والمحطات النووية. إنه خبر سار جدا في توقيت ثارت فيه مخاوف في نفوس البعض من أن تتضرر علاقتنا مع روسيا بسبب حادث سقوط الطائرة الروسية الذي نجم عنه عدد كبير من الضحايا مما أثار ألم روسيا بالطبع..
ها هو التوقيع المصري الروسي على إقامة المحطة النووية في الضبعة، بحسب الكاتب، يأتي ردا عمليا لطمأنة الرأي العام المصري على صلابة وقوة العلاقات مع روسيا، وليؤكد أيضا أن القيادة المصرية تسير بخطى حثيثة في الاتجاه الصحيح والصائب الذي يحقق مصالح مصر وأحلام أهلها ويوفر الأمان والقوة للبلاد، رغم كل الضغوط الداخلية والخارجية التي كانت تسعى لإعاقة تنفيذ الحلم النووي المصري.. الضغوط الداخلية سواء من أصحاب المصالح الذين كانوا طامعين في أرض الضبعة أو المتشككين في قدرتنا على إدارة محطة نووية.. والضغوط الخارجية التي كان أصحابها يريدون إبعادنا عن الروس وتقديم المحطة النووية في أحسن الأحوال بنظام تسليم المفتاح».
قرع طبول الحرب العشوائية ليس حلاً… وردود الفعل المبالغة في استرضاء الأوروبيين ليست كذلك أيضا
القدس العربي