مع تصاعد القصف الجوي من قبل النظام السوري وحليفه الروسي على أحياء حلب المحررة، ومع دخول الحصار المطبق على الشطر المحرر من المدينة شهره الخامس، تأخذ الحالة الإنسانية في المدينة أبعاداً أكثر خطورة من كافة النواحي.
وتزايدت خطورة الأوضاع الإنسانية بعد سيطرة قوات النظام وحلفائه من الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية والإيرانية واللبنانية، على العديد من الأحياء المحررة في المدينة، ونزوح معظم سكانها إلى القسم المتبقي من الشطر المحرر.
ويقدر عدد سكان الشطر المحرر من المدينة بـ 275 ألف نسمة حسب إحصائيات مجلس مدينة حلب الحرة، وذلك قبل تقدم قوات النظام وحلفائه في الأحياء المحررة، كما يقدر عدد الذين غادروا منهم إلى مناطق سيطرة النظام بـ35 ألفاً حسب إحصائيات غير رسمية.
وعن الأوضاع الإنسانية في المدينة يقول محمد مجد كحيل، رئيس هيئة الطبابة الشرعية في حلب المحررة: «لم يعد هناك شيء اسمه إنسانية في المدينة، لقد ذبحت الإنسانية منذ أن ذبح أهالي حلب، ولم يعد يوجد من مقومات الإنسانية شيء إلا الأشكال، فالأوضاع سيئة للغاية ابتداءً من الطبية إلى الإسعافية والإنقاذ والطوارئ إلى الدفاع المدني إلى الغذاء والدواء». ويضيف: «لا يوجد عندنا قبور في هيئة الطبابة الشرعية الآن، ونقوم بدفن الجثث بشكل جماعي بعد إحداث حفر لهم».
ويصف عمار السلمو، مدير الدفاع المدني في حلب، الوضع في المدينة قائلاً: «كل شيء متوقف إلا القصف والموت والبرد والخوف والجوع. هناك أكثر من ستين جثة في الأحياء التي أصبحت مؤخراً خطوط جبهات قتال، ونحن لا نقدر كدفاع مدني أن نسحبها».
وحول جاهزية الدفاع المدني السوري يقول: «فرق الدفاع المدني في القسم المحرر المتبقي تحاول أن تساعد لكنها حالياً شبه متوقفة عن العمل لأنها أصبحت تفتقد لكل شيء. الوضع الآن في ذروة السوء، إضافة لأننا فقدنا مراكزنا في أحياء هنانو والصاخور وباب النيرب بكامل معداتها بعد سيطرة النظام على هذه الأحياء».
ومن أكبر مخاطر نزوح أعداد كبيرة من المدنيين إلى القسم المحرر المتبقي هو ارتفاع أعداد ضحايا القصف نتيجة لارتفاع الكثافة السكانية في مساحة لا تتعدى ستة كيلومترات مربعة، إضافة لعوامل أخرى يشرحها محمد كحيل رئيس هيئة الطبابة الشرعية: «من تاريخ 15/11 حتى الآن هناك ازدياد كبير في عدد الأخوة الشهداء، وكل جريح الآن هو مشروع متوفي لأننا لا نستطيع أن نقدم لهم إلا الإسعافات الأولية وبعض المواد المخدرة، حتى أن بنك الدم خرج عن الخدمة، والكثير من الجرحى يموتون بسبب النزف الشديد وعدم القدرة على تقديم الدم لهم».
لم تتوقف معاناة أهالي حلب المحررة عند القصف الجوي والمدفعي وتقدم قوات النظام، بل تعدته إلى سوء في مختلف الأحوال المعيشية والخدمية نتيجة للحصار الذي دخل شهره الرابع، المترافق مع دخول فصل الشتاء، الذي أضاف إلى الجوع عناء آخر هو البرد.
ويتحدث كحيل عن هذه المعاناة قائلاً: «بالنسبة لوضع الشتاء فالبرد قارس، ولا يوجد مواد تدفئة سوى بعض الأخشاب والحطب، وأكثر ما يؤلمنا هم الجرحى والمصابون، والأطفال الذين أصبحوا عاجزين نتيجة بتر أيديهم أو أرجلهم أو فقدان عيونهم، الوضع الإنساني رهيب جداً لا يمكن أن يوصف».
وعن الوضع الخدمي والمعيشي يقول الناشط الإعلامي مهاب عبد السلام: «إن المياه والكهرباء شبه معدومة، وتوقفت الاتصالات والإنترنت في أغلب الأماكن، والبرد يزداد ولا توجد محروقات والحطب شبه مفقود، أغلب أفران الخبز لم تعد تزودنا بالخبز نتيجة سيطرة النظام عليها، وهناك ازدحام شديد جداً على الخبز القليل أصلاً، ويعتمد الناس حالياً ما تبقى من مخزون البرغل والرز في المدينة، والذي سينتهي قريباً».
ويصف هشام سكيف، رئيس المكتب السياسي لاتحاد ثوار حلب، الوضع الإنساني في مدينة حلب بأنه «أكثر من كارثي، حيث شارف الخبز على النفاد بسبب قصف المطاحن ونفاد مخزون الطحين والحبوب البديلة، كما أن المواد الغذائية المعروضة بالسوق غالية الثمن، وخاصة بعد النزوح الداخلي من المناطق التي سيطر عليها النظام، ومع انعدام الوقود اللازم للتدفئة والشتاء تصبح الكارثة مضاعفة، إضافة لاستمرار القصف بشتى أنواع الأسلحة بما فيها الكلور، ومع توقف المشافي عن العمل إلا في بعض النقاط الطبية الاسعافية تكون الحالة الطبية أشبه بالموت المحتم لأي إصابة متوسطة».
ويطالب عمار السلمو مدير الدفاع المدني بـ«ممرات آمنة للمدنيين والجرحى الذين يرغبون بمغادرة المدينة إلى المناطق المحررة الأخرى، وهذا مطلب إنساني بسيط للبشر الذين يبحثون عن الخروج من هذه المأساة، بينما يتفنن نظام الأسد بقتل الناس وقصفهم بموافقة دولية، ومدينة حلب هي سقطة للإنسانية وللعالم».
من جانبه يرى هشام سكيف أن «الصورة قاتمة والحلول مشلولة بسبب التعنت الروسي، وضعف الضغط الأوروبي أو عدم فاعليته إلى الآن، والحلول تكمن في تدخل الأمم المتحدة سريعاً عبر المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، تحت بند الاتحاد من أجل السلام، لتخطي الفيتو الروسي».
ورغم كل المبادرات الدولية والإقليمية والمحلية التي تطرح حول الوضع الإنساني لسكان مدينة حلب المحررة، إلا أن الموت والجوع والبرد والحصار تبقى هي الحقائق الوحيدة على أرض الواقع الذي يعيشه قرابة ربع مليون إنسان، في مساحة لا تتعدى ستة كيلومترات مربعة، محاصرة ومحرومة من كل أساسيات الحياة.
«القدس العربي» – فراس ديبة