ارتدت الجمهورية الفرنسية حجابها عند أول عتبة (ليست مقدسة بالضرورة) في طهران. لم تكن الزميلة ليانا صالح، صاحبة برنامج «ثقافة» على قناة «فرانس24» ، تقابل آية الله حين تلفّعت بالحجاب، بل فنانين، كالمخرج السينمائي مجيد مجيدي (ظلت صالح تقول الإسم خطأً إلى آخر الحلقة)، صاحب أفلام «أطفال الجنة»، و«لون الفردوس» و«المطر». بل لم تتنازل عن حجابها حتى وهي تقابل المخرجة السينمائية نرجس أبيار وحيدتين في غرفة معتمة تشاهدان مقاطع من أفلام. مع ذلك لم تسهُ المراسلة مرة عن التمسك بغطاء الرأس، كذلك الأمر في أربع حلقات ثقافية قدمتها «فرانس24» من طهران.
ليست هذه دعوة للحجاب أو ضده، لكن لا بد أن يتساءل المرء عن تهاوي رموز الجمهورية الفرنسية أمام سطوة شروط الجمهورية الإيرانية، تراخيها في مكان وتشددها في مكان آخر. بعد ذلك أول ما يخطر في البال، لماذا أخذت القناة الفرنسية الرسمية على عاتقها الترويج السياحي لإيران عبر برنامج، ثقافي لا سياحي، يتوقع منه المرء تقديم رؤية عميقة للمشهد الثقافي في ذلك البلد الرهيب، المجلل بالرعب والمنع وسجون الرأي؟ غير أن البرنامج، في حلقات تناولت المسرح والسينما والموسيقا لم يقدم سوى الصورة، التي تحلم إيران أن تظهر عليها (حتى لو جرى الحديث بخجل عن الرقابة). لن يخرج المشاهد من تلك الحلقات إلا وهو يحسد الناس في تلك البلاد على ذلك الرغد الثقافي الذي تنعم به.
صمت «فرانس24»
لم يكن كمّ المديح الذي كالتْه الزميلة ليانا صالح للمخرج مجيد مجيدي هو الأمر المذهل، بل مجّانيته. كان كافياً أن يسمع المرء هذا السؤال حتى يصاب بالدوخة، تقدم المذيعة لسؤالها بالقول «أنت من أهم المخرجين الذين نجحوا في أفلام تتعاطى مع الأطفال. أنت تدير الأطفال بشكل رائع، ونلاحظ هذا أيضاً في فيلمك الأخير «محمد»، فهل تم نشر هذا الفيلم في العالم العربي والإسلامي»؟! من الواضح طبعاً أن السؤال، حتى يكون متناغماً مع التقديم، يجب أن يدور حول عمل المخرج مع الأطفال، لكن صالح شاءت أن تذهب إلى جهة أخرى تماماً، بدا معها كأنها كانت تقرأ السؤال من ورقة مختلفة.
حين تهتدي المذيعة وتجد الورقة الصحيحة ستسأل مجيدي عن التشابه بين فيلمه عن الرسول محمد، وفيلم الراحل مصطفى العقاد «الرسالة».
سيكون الجزء الأطول من جواب المخرج على النحو التالي: «كنا قبل فترة نعرض الفيلم (محمد) في لبنان على بعض علماء الدين وبعض المعنيين في الأمر، أحدهم قال لي: إن الإنسان عندما يشاهد هذا الفيلم سيقول على الفور هذه الجملة؛ فقط رجل إيراني يمكنه أن ينجز هذا الفيلم. هذه النظرة هي بسبب الروح اللطيفة عند الإيرانيين. العربي لا يمكنه أن يجسد اللطافة بهذا الشكل، الإنسان العربي يميل إلى العنف أكثر».
وتابع المخرج مجيدي: «إن فيلم العقاد لم يركز على الجوانب العاطفية التي تستقطب المشاهد كما هو الحال في فيلمك. هذا ما قاله لي النقاد اللبنانيون».
أسئلة عديدة يمكن أن يضعها المرء حول عبارات المخرج الآنفة، من بينها من هم النقاد والعلماء اللبنانيون الذين عرض عليهم الفيلم، ومنذ متى يأخذ المركز (الإيراني) رأي الأطراف، وهل سيعرض فيلم مجيدي في لبنان مع اعتراض الأزهر والسعودية على إنتاجه في الأساس؟! لكن السؤال الأهم: إذا كان لمخرج سينمائي بهذه الأهمية أن يقول كلاماً هو في جوهره عنصري، فماذا يُنتَظر من «الحرس الثوري الإيراني» أن يقول؟
السؤال الأهم، وهو ما يعنينا في هذه الزاوية؛ كيف مرّرت «فرانس24» ومراسلتها مثل هذا الكلام، على الأقل كيف تركتْه من دون نقاش أو اعتراض؟!
«المسيح» الإيراني
تمكنت احتجاجات المسيحيين السوريين من إيقاف المسلسل الإيراني «السيد المسيح»، الذي بدأت قناة «سما»، وهي من أبرز ممثلي إعلام النظام، عرضه على شاشتها بمناسبة عيد الميلاد ورأس السنة. يبدو أن القناة لم تستفد من تجربة عرض «المنار» و«أن بي أن»، الناطقتين باسم «حزب الله» و«حركة أمل»، عندما جوبهتا منذ سنوات باعتراض مسيحي شديد أدى إلى وقف العرض.
لقد درجت قنوات النظام على برمجة عروضها من دون أي حساب للمشاهدين وردود أفعالهم، إذ من يجرؤ على الاعتراض، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالكلام عن الطوائف والأديان! أما الآن، فكل الأمل أن يلتفت المعترضون على «المسيح» بنسخته الإيرانية إلى أنهم لولا الثورة، التي ينكرها أغلبهم، لما وجدوا لصوتهم صدى، لكانوا وجدوا أصواتهم في السجون بتهمة بث النعرات الدينية والطائفية.
مع ذلك، كان بإمكان القناة أن توقف المسلسل مع اعتذار لمشاهديها، كان ذلك سيكسبها جولة في احترامهم، لكنها أبتْ، وتصرفت كما يتوقع من إعلام شبيح، حين وصفَ مدير أخبارها المعترضين بأنهم «قطّاع طرق».
يصعب أن نتوقع من إعلام النظام نبرة غير هذه.
العربي المتفجر!
من أكثر مشاهد الكاميرا الخفية الرائجة أخيراً، ذلك المقلب الذي يلعبه رجل بدشداشة وغترة خليجية، يحمل حقيبة ويلقيها في أحضان الناس في الشوارع ثم يولي راكضاً. الناس المطمئنون كانت ردود فعلهم واحدة، وهي الركض بكل قوة بعيداً عما يفترضون أنه متفجرة. بالطبع لا أحد يعرف ما في الحقيبة، غير أن المخيلة بإمكانها أن ترى في كل لباس عربي (أو ما يفترض الآخرون أنه الرمز الوحيد للباس العربي) كشيء قابل للتفجير.
من أعدّ هذه المقالب لم يرد أن يضحك الناس، بل أن يسيء إلى العربي قبل كل شيء. يبدو أن على العالم تحسٌس مسدسه كلما سمع نبرة عربية، أو رأى أي لباس أو ملمح عربي!
تردد تامر حسني
سمعت هذا السؤال من عدد ليس بالقليل من متابعي برنامج «ذا فويس كيدز»؛ كيف تشعر لجنة التحكيم، المؤلفة من كاظم الساهر ونانسي عجرم وتامر حسني، إزاء تلك المواهب الرائعة للأطفال في البرنامج؟ كيف يشعرون أمام مواهب أعظم من مواهب البعض منهم؟ كان خصوصاً تردد تامر حسني في الضغط على زر الإعجاب أمام تلك الطفلة التونسية نور قمر المدهشة في أدائها محط انتقاد كبير.
كان على القناة الراعية للبرنامج أن تحسب هذا الحساب، لهذا بالذات عليها أن تفكر بمحكّمين خبراء، لا مجرد نجوم.
القدس العربي