إلى كاتبة روايات باللغة الهولندية تحولت «رشا الحسين»، ربما لم يكن حلمها يتعدى وطناً بلا قتلة أو بداية مشوار نحو إتمام دراستها إلا أن الحصار قيد أحلامها وظروف النزوح من بيتها ثم الهجرة من بلدها وبسبب وجودها في بلد لا يعرف عن سوريا سوى أنها على الخريطة خلق لديها حلماً آخر حلم التعريف بوطنها وحكاية مأساته.
رشا الحسين ربما لم يعد من المنطقي أن ندعوها طفلة، بعدما تمكنت الفتاة ذات 14 عاماً من مدينة دير الزور من تأليف رواية باللغة الهولندية تعرّف بسوريا وما يجري فيها من أحداث مستعينة بذلك من خبرة والديها الكاتب أحمد جاسم الحسين، وكاتبة السيناريو آراء الجرماني.
تقول رشا في حديث خاص لـ «القدس العربي»: عندما بدأ الحصار الشديد على المعضمية في الشهر الخامس من سنة 2012 كان لابدَّ لنا من الفرار خشية مداهمة منزلنا لاسيما أن والدتي كانت قد استدعيت مرات عدة بسبب مسلسليها «سوق الورق» الذي يتناول الفساد في جامعة دمشق، واستغلال أبناء المسؤولين وعمدة الكليات وبعض المدراء هناك لمناصب ذويهم، وبعد عرض المسلسل استدعيت عمرات واتهمت بأنها موالية للعصابات المسلحة، ومسلسلها الثاني «إقامة جبرية» الذي يتناول الفساد في وزارة الزراعة والذي رُفِضَ من قبل شركة الإنتاج وتم تقديم تقرير فيها إلى المخابرات السورية بأنها عميلة، أما والدي فبسبب جرأته في الحق تم زرع دائرة من الشكوك حوله بأنه عميل للعصابات المسلحة وخفِضَت رتبته من عميد في كلية الآداب في الحسكة إلى أستاذ جامعي في جامعة دمشق».
وتضيف رشا «بسبب هذه الظروف انتقلنا للعيش في منزل يفتقر لأبسط أثاث المنزل في ضاحية قدسيا لكن وبعد مضي أربعة شهور من إقامتنا وصلنا خبر تدمير منزلنا في المعمضية، لم يكن قد تبقى من المنزل شيء، حتى لعبتي الوحيدة وجدتها مرمية ومشوهة لكني آثرت الاحتفاظ بها وتجميلها فهذا كل ما تبقى لي من أثره، كانت نظراتي الأخيرة له كمودع غير عائد، يومها أحسست أني لا أفارق بيتاً بقدر ما أفارق ذكرى لن تموت، عزمنا بعدها السفر إلى أوروبا وتحايلنا لإتمام ذلك بأن يتظاهر والدي ووالدتي بالطلاق لتتمكن أمي من عبور الحدود ولا يتعرض والدي للمساءلة والاستجواب بسبب ما تكتبه والدتي، وبالفعل وصلت أمي إلى هولندا في الأول من شهر اب/أغسطس2013 وتمت الموافقة على قرار لم شملنا بعدها ووصلنا في 17تشرين الثاني/نوفمبر2013 مكثنا في مخيم اللاجئين ما يقارب الشهرين وتمكنا خلالها من تعلم بعض الكلمات الهولندية، لم أجد حقيقة صعوبة في تعلمها حيث تنقلت بغضون سنة ونصف بين خمس مدارس، حتى تمكنت من التسجيل في مدرسة هولندية رسمية وتم فرزي بسبب تفوقي لإتمام المرحلة الأساسية التي ستقود إلى الجامعية».
وتتابع رشا «وجدت الناس في هولندا لا يعرفون شيئاً عما يجري في سوريا من قتل ودمار، وكان ذلك يحز في نفسي كثيراً، كنت أريد أن أقول للجميع إن هناك شعباً يباد ويموت في هذه الرقعة الجغرافية، في سوريا ليست حرب أهلية ولا طائفية ما يجري بها ثورة حقيقية لشعب مسحوق، سوريا ليست إرهابيين ولا تنظيم «دولة» لأن من صرخ في البداية لم يكن إلا الشعب المظلوم. حاولت الغناء إلا أن الصوت الثوري يحتاج وقتاً ليصل ربما إلى سنين، حاولت الرسم لكن لكل طريقة في تذوق الفنون، فلم أجد غير الكتابة، فعزمت على كتابة مذكراتي ونشرها على موقع يهتم بتنمية مواهب الأطفال ويدعى «wattpad» جمعت مذكراتي على شكل كتاب باللغة الهولندية، حتى طلب مني التلفزيون الهولندي للأطفال أن أكون في لقاء خاص معهم بعد مرور خمس سنوات على الثورة. وتكلمت عن مذكراتي وكتابي وعن بلدي وأهله، لأفاجأ بعدها بإيميل يصلني من إحدى المسؤولات عن دور النشر وترغب في مقابلتي، وبالفعل قابلتها وتم الاتفاق مع دار «Prometheus على طباعة الرواية التي يتجاوز عدد صفحاتها 208 صفحات وسينتهي العمل عليها بشكل رسمي مع نهاية أكتوبر/تشرين أول أو نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري وستوزع في البداية بحدود 1000 نسخة».
يتناوب على الرواية شخصيتان زين وهي فتاة سورية وبيكي وهي فتاة هولندية، قد تكون زين هي شخصية رشا بما تحويه من أمل وحياة وحزن وفرح، بينما بيكي تحكي ما تعيشه زين معها. وتتناوب الرواية بين البطلتين في الفصول إلى أن نصل إلى الخاتمة. وعزمت رشا أن يذهب ريع الكتاب إلى الأطفال اللاجئين على الحدود السورية والأطفال العالقين في اليونان، وإلى حين صدور الكتاب والتعرف على شخصية زين لدينا جميعاً تبقى رشا الحقيقية أمامنا جسداً وروحاً طفلة سورية حملها الحلم يوماً لنسيان الحرب في بلدها وبناء أمل جديد على عتبة حياتها.
يمنى الدمشقي – القدس العربي