«برافو للأسد» هذا ما قاله عمدة لندن بوريس جونسون في مقالته الأسبوعية التي نشرتها صحيفة «دايلي تلغراف» إلا انه لم ينس التأكيد على أن الأسد هو «طاغية كريه».
والسبب في «التحية» التي يوجهها جونسون للرئيس السوري لأنه أنقذ مدينة تدمر من شر تنظيم الدولة الذي أعمل فيها تدميراً ونهباً لتراثها الحضاري الذي يعود إلى ألفي عام.
فقد دمر المقاتلون الأعمدة التي ظلت شامخة طوال السنين وفجروا معبد الإله بعل وعاثوا في المتحف المعروف وكسروا وهشموا ما فيه وسرقوا ما استطاعوا وقتلوا عند احتلالهم للمدينة العام الماضي خالد الأسعد مدير آثار ومتاحف تدمر منذ عام 1963 وعلقوا جثته على عمود كهربائي بتهمة العمالة للنظام السوري.
وقال جونسون إن النظام السوري وبدعم من روسيا نجحا حيث فشل الغرب، وكتب قائلاً «أعتقد أنه من الغرابة الشعور بالفرحة على نجاح عسكري حققه أكثر الأنظمة خسة على وجه البسيطة. ولكنني لم أستطع إخفاء جذلي عندما وصلت الأخبار من تدمر وقالت إن الجيش السوري عاد للسيطرة على الموقع الذي تعتبره منظمة «اليونسكو» التابعة للأمم معلماً حضارياً إنسانياً».
وقال عمدة لندن إن الإرهابيين ربما خلفوا وراءهم مفخخات ولكنهم هربوا في النهاية و«أصيح وأقول برافو وتقدم للأمام، نعم، أعرف أن الأسد هو وحش، فقد رمى البراميل المتفجرة على أبناء شعبه وسجونه مليئة بالتعذيب، حكم هو ووالده لأجيال عبر الإرهاب والعنف».
أسباب الفرح
واضاف «ومع ذلك هناك سببان يجعلان أي إنسان عاقل يشعر بالرضى مما أنجزته قوات الأسد. الأول، مهما كان نظام الأسد مثيراً للقرف فإن أعداءه من تنظيم «الدولة» في العراق والشام هم أسوأ بكثير، فهؤلاء هم من قاموا برسم هذه الدويلة الفاسدة في الصحراء، هذه النجمة السوداء التي تصدر شعاعاً يدخل في رؤوس العديد من البائسين في بريطانيا وغيرها من دول أوروبا ممن يحلمون بأن يكونوا جهاديين.
وهؤلاء هم المجانين الذين ظهرت أيديولوجيتهم الشريرة مرة أخرى في الأسبوع الماضي في مطار زافنتيم ومحطة مالبيك للقطار. وهم الذين برروا قتل وتشويه مئات المدنيين الأبرياء بناء على الدين. وبالمقارنة فقد يكون نظام الأسد بلطجياً ووحشياً وشريراً وقاسياً إلا أن هؤلاء الناس ـ داعش ـ مرضى بطريقة لا تصدق. فهم يقومون بحرق الناس أحياء لسبب بسيط وهو أنهم يحملون رؤية مختلفة عن الإسلام. ويرمون المثليين من شرفات البيوت العالية ويضعون المعارضين لهم في أقفاص ينزلونها في حمامات السباحة. ويصورون كل هذه الفظائع على وقع الموسيقى الصاخبة وتعليقاتهم المتبجحة».
وقال جونسون إن الإرهابيين من تنظيم «الدولة» «قاموا بحرب إبادة ضد الإزيدييين ويمثلون تهديداً على أمن أوروبا ويعتبرون كابوسا على أهل سوريا. فلو كانت هناك جماعة تستحق المسح من على وجه الكرة الأرضية وتشطب من سجل العرق الإنساني فهم أتباع تنظيم الدولة». أما السبب الثاني الذي يدفع جونسون للفرحة فمتعلق بأهمية تدمر الآثرية، وقد يكون هذا ثانوياً للبعض لكن حماية الآثار التاريخية تثير عاطفته.
ومن هنا يرى أن انتصار الأسد هو انتصار للآثار وانتصار لكل حريص على المعالم الآثارية المهمة خاصة إن كان هذا موقعا أثرياً مثيراً للدهشة مثل تدمر. «فلم يتوقف داعش عن قتل وذبح من لا يوافقون على آرائه إلا أنهم كانوا صغاراً وضيقي النظرة في فهمهم لإرادة الله واعتبروا أي بناء سبق الإسلام مهما كان جميلاً كفراً. ولهذا السبب زرعوا الألغام وقصفوا وجرفوا أجمل البنايات على وجه الأرض. وقتلوا مدير الآثار خالد الأسعد وعاقبوه بسبب عمله وقطعوا رأسه في المسرح الروماني».
ويقول جونسون إن الفترة التي ظلت فيها تدمر تحت سيطرة تنظيم «الدولة»، حوالي العام، كانت كارثة أخلاقية وثقافية «ولهذا السبب أنا فرح بطردهم من الموقع».
تضامن في الطرف الأغر
وأشار جونسون إلى أن مدينة لندن ستقوم في 19 نيسان/إبريل بإظهار التضامن مع تدمر من خلال نصب صورة رقمية طولها 15 متراً لبوابة معبد «بعل» في ساحة الطرف الأغر في وسط لندن.
وهو جزء من مشروع يشرف عليه معهد الآثار الرقمي وتشارك فيه جامعتا أوكسفورد وهارفارد ومتحف المستقبل في دبي.
ورغم أن الصورة لن تكون مشابهة للبوابة الزهرية اللون التي دمرها تنظيم «الدولة» إلا أنها ستظل صورة مثيرة للإعجاب وستعبر عن الرؤية الجمعية لوضع هذه الفترة المثيرة للتقزز ـ سيطرة تنظيم «الدولة» ـ وراء ظهورنا والتذكر أن كل الغزاة الذين حلوا على تدمر منذ ألفي عام كانوا يستمتعون بجمال المدينة الأثرية إلا «داعش». «وكان المعبد مقدساً للإله بعل ثم تحول إلى كنيسة بيزنطية ومن ثم لمسجد حتى جاء هؤلاء المرضى وفكروا بتدميره».
وعبر جونسون عن فرحته بوضع صورة بوابة معبد بعل في لندن لأنها ستعبر بطريقة أخرى عن تصميم بريطانيا على المشاركة في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
وعلق أن «أحداً لا يستطيع الحديث عن نجاح الأسد باعتباره جزءاً من استراتيجية بريطانية أو غربية. فالغرب كان منشغلاً بمهمة نبيلة وهي بناء قوة بديلة عنه لا تشمل تنظيم «الدولة» ولم تثمر الجهود. ومن دعم الأسد هو فلاديمير بوتين الذي تصرف بعنف ووضوح ودعم وكيله في دمشق. وإذا صدقنا التقارير فلم يسهم الروس بتوفير الغطاء الجوي لجيش الأسد بل شاركت قوات روسية في العمليات على الأرض. وبهذه الطريقة بدا الغرب غير فعال».
وختم عمدة لندن مقاله بالدعوة للعمل على ترميم الآثار في تدمر «فلدينا أعظم خبراء الآثار في العالم. وآمل أن تقوم الحكومة بدعمهم كيف يسافروا إلى سوريا والمساعدة في الترميم، وهي أرخص من القصف وقد تقود إلى إزدهار اقتصادي وسياحي بعيد المدى. ويقول «في يوم من الأيام سيكون مستقبل سوريا عظيماً وهذا يعتمد على قدرة العالم على التمتع بأمجاد الماضي. ويجب أن يكون الخبراء البريطانيون في المقدمة».
هزيمة جديدة؟
وفي تقييم للمعركة التي خسرها الجهاديون وأثرها على مشروعهم، فهي بالتأكيد خسارة منكرة. وكانت استعادة تدمر جزءاً من استراتيجية تدخله في نهاية أيلول/سبتمبر.
وقد تحقق هذا الطموح. والسؤال ما هو الأثر الذي ستتركه العملية على بقاء التنظيم؟ من اللافت أن مقاتلي التنظيم في أوقات فراغهم كتبوا شعارات على أنقاض تدمر مثل «باقية وتتمدد» لكن خسارة تدمر تأتي بعد إعلان المسؤولين الأمريكيين عن مقتل الرجل الثاني في تنظيم «الدولة» أبو علاء العفري أو حجي إيمان في غارة جوية في سوريا.
ويرى باتريك كوكبيرن في صحيفة «إندبندنت» أن تنظيم الدولة خسر معركة لكنه لم يخسر الحرب بعد ومن الصعب على جيش النظام التقدم شرق تدمر حيث سيدخل المناطق العربية الرئيسية وسيواجه حرب عصابات.
وكذا منطقة إدلب ذات الكثافة السكانية العالية حيث تتعرض جماعات المعارضة المسلحة لضغوط من قوات النظام والميليشيات التابعة له وكذا قوات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي. ويقول كوكبيرن إن الوضع السياسي والعسكري في كل من سوريا والعراق غير مستقر خاصة أن اللاعبين المحليين والدوليين يحاولون تطبيق استراتيجيات مختلفة.
ففي الوقت الذي يقدم فيه الأكراد السوريون والعراقيون القوات الأرضية ويعملون بشكل لصيق مع التحالف الدولي ضد الجهاديين إلا أنهم يعرفون ان الدعم المقدم لهم الآن لن يستمر بعد هزيمة تنظيم الدولة.
وسيجدون أنفسهم تحت ضغوط من حكومتي بغداد ودمشق اللتين ستحاول كل واحدة منهما تأكيد سيطرتها على الأقاليم الكردية والمناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد. ويقول كوكبيرن إن روسيا تتعاون مع الولايات المتحدة في مراعاة وقف إطلاق النار الذي بدئ بتطبيقه في 27 شباط/فبراير ويشمل كل الجماعات المسلحة باستثناء جبهة النصرة وتنظيم الدولة.
وتحاول موسكو دعم محادثات جنيف التي تتصور شكلاً من أشكال المشاركة في السلطة سواء قامت على أسس جغرافية أو مؤسساتية.
وهي سياسة لا تلقى دعماً من إيران ومحورها الشيعي التي لا تزال ملتزمة ببقاء نظام بشار الأسد. ومع ذلك لا يقلل كوكبيرن من أهمية انتصار النظام، فهو مهم لكنه لا يعني تفكك تنظيم الدولة. فرغم أنه خلف وراءه 400 من جثث مقاتليه داخل المدينة وخارجها إلا أنه على ما يبدو سحب كل قواته قبل تدميرهم.
وهذا يتساوق مع استراتيجيته التي لوحظت في كل المعارك التي خاضها في الماضي وكان آخرها خسارته بلدة الشدادي قرب الحسكة ـ شرق سوريا حيث انسحب منها ولم يقاتل حتى آخر رجل.
وبالنسبة للأسد فهو انتصار مهم لأن خسارته لتدمر العام الماضي جاءت بعد سلسلة من النكسات التي تعرض لها جيشه في إدلب وجسر الشغور.
وبدا أن السلطة بدأت تفلت من بين يديه. وكان التراجع سبباً في إرسال بوتين لطائراته التي دعمت جيشه والقوات الإيرانية وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية. ورغم إعلان بوتين نهاية العمليات العسكرية إلا أن الطائرات الروسية لعبت دوراً مهماً في استعادة مدينة تدمر.
ويشير الكاتب هنا لما قيل العام الماضي حول عدم تدخل الطيران الأمريكي لمنع دخول مقاتلي التنظيم تدمر في أيار/مايو العام الماضي خشية أن تتهم الولايات المتحدة بتقديم الدعم للنظام.
وفي الحقيقة تكبد الجيش السوري منذ عام 2014 خسائر فادحة على يد الجهاديين كما أظهرت أشرطة الفيديو التي عرضت عمليات قتل وإهانة للجنود التابعين للنظام.
وتتهم الحكومات الغربية والمعارضة الطيران الروسي باستهداف المقاتلين المعارضين للنظام. ولكن الكاتب يرى أن استراتيجية بوتين قامت على ضرب أي جماعة تمثل تهديداً للنظام. وشملت الضربات اللاذقية وحلب وحمص وحماة.
استراتيجية بوتين
ومع ذلك فالعملية في تدمر ستعزز وبطريقة مختلفة موقف الروس وأنهم لم يستهدفوا فقط الجماعات المعتدلة بل والإرهابية وأنهم حسب تقرير في صحيفة «الغارديان» حلفاء مهمون في الحرب على الإرهاب.
وقالت إن خروج تنظيم «الدولة» يأتي بعد سلسلة من التراجعات التي خسر فيها مدينة الرمادي وسنجار والشدادي وتدمر ومعابر على الحدود السورية العراقية وفي وقت تقول فيه الإدارة الأمريكية انها تحقق إنجازات مهمة ضد الجهاديين.
ونقل عن وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر قوله إن «الزخم في الحرب ضد تنظيم الدولة بات في يد الأمريكيين».
ونقلت عنه مجله «بوليتكو» قبل أيام قوله إن القوات العراقية تقوم بالتحضير لعملية عسكرية كبيرة ومحفوفة بالمخاطر لاستعادة ثاني أكبر المدن العراقية، الموصل الواقعة تحت سيطرة التنظيم منذ عام 2014.
وكشف المسؤولون الأمريكيون عن عدد القوات الأمريكية العاملة في العراق اليوم بأنه 3800 جندي وهو رقم أعلى مما توقعه الكثيرون.
وبرر المسؤولون هذا الرقم بأن الموجودين في العراق بناء على عقود غير دائمة لم يتم إحصاؤهم. وأكد رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد زيادة في عدد القوات الأمريكية في الأسابيع المقبلة إلا أن القرار لم يتم اتخاذه بعد. وفي مقابلة مع «بوليتكو» الأسبوع الماضي أكد كارتر على أهمية هزيمة تنظيم «الدولة» وعلى أهمية مواصلة هزيمتهم. «ونعرف ماذا يعني هذا، إنه يعني وجود البعض لإدارة المناطق بعد الهزيمة بطريقة يقبل الناس بهم ويكونون نبلاء وليسوا برابرة».
القدس العربي