أثارت حادثة الاعتداء على الطفل السوري «ديار» وسط شارع الحمراء في بيروت صخباً عارماً بين صفوف الناشطين والصحافيين اللبنانين والسوريين، فقد تعرض الصغير لضرب مبرح من عامل في المطعم، ما أدى إلى رضوض في جسده، وترك آثار لكمات على وجهه.
«ديار» طفل سوري في التاسعة من عمره، نزح من مدينة القاملشي مع عائلته منذ سنتين، لم يعرف بعد في هذه الحياة سوى بلد لجأ إليه ليذوق جحيم لجوئه وبلد آخر نزح من جحيمه، لم يعش ديار من سنين طفولته سوى مرارة ما فرضته عليه ظروف عائلته، يخرج ديار يومياً لبيع العلكة والورود في شوارع بيروت كبائع متجول في محاولة منه لمساعدة أهله لتأمين قوت يومهم، وكثيراً ما يتعرض للإهانة والعنصرية والمضايقة لكونه سورياً أولا، ثم لاجئاً وبائعاً متجولاً، أو كما يحلو للبعض أن يسميه «متسولاً».
وبحسب الصحافي ربيع فرّان الذي كان شاهداً على حادثة الاعتداء على الطفل، فإن ديار دخل مساء الأربعاء الماضي في الثامن من شهر نيسان/ أبريل الجاري إلى أحد المطاعم الشهيرة في الحمراء في بيروت، ليقدم ما لديه من علكة وورود، لكنه فوجئ بأن أحد الموظفين العاملين في المطعم أمسك به وأشبعه ضرباً حتى كاد يغمى على الطفل من الألم.
ويحكي ربيع فرّان على صفحته الشخصية على «فيسبوك» أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها ديار للضرب، إذ إن آثار الضرب بدت واضحة على جسده من اعتداء سابق، وعندما حاول بعض الزبائن بمن فيهم ربيع نقله للمستشفى الأمريكي، رفضت والدته ذلك لشدة خوفها.
وقد دفع هذا الأمر مجموعة من الناشطين اللبنانيين إلى المطالبة برفع تحقيق حول ما حدث وطرد العامل الذي قام بالاعتداء على ديار، ومطالبة إدارة المطعم بعلاج ديار وكفالته مع عائلته.
ووصل صخب الحادثة إلى إدارة المطعم الشهير في أمريكا، والتي تعهدت باتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق في الحادثة، وتقول الصحافية لونا صفوان أنهم أوصلوا الشكوى إلى إدارة المطعم في بيروت، وكان هناك تجاوب في البداية، وتوعدت الإدارة بالكشف عن ملابسات الاعتداء على صفحتها الرسمية على «فيسبوك».
فيما كان محامي الشركة زياد أسود قد تحدث برواية مختلفة تماماً عما حدث، حيث اتهم الطفل بأنه يتردد على المطعم منذ سبعة شهور، ويطلب المساعدة من الزبائن، ويقوم بتصرفات مسيئة كأن يحمل سكيناً ويقوم بمضايقة الزبائن، ثم نفى الأسود أن يكون أحد من العمال قد اعتدى عليه بالضرب، أما عن آثار الضرب التي بدت على وجه ديار، فهي نتيجة تعاركه ورفاقه قبل دخوله إلى المطعم، وطلب الأسود ممن يتعاطفون مع قضية الطفل أن يبرهنوا صحة الصورة إن كانت حديثة فعلاً، ثم اتهم الناشطين المتعاطفين مع ديار عبر حملتهم بأن الهدف منها هو الإساءة لاسم الشركة، مؤكداً أن الموظف ليس مخطئاً ولن يتم اتخاذ أي إجراء بحقه، مضيفاً أنهم لن يتعرضوا لأي ابتزاز من أي جهة كانت تحت اسم «حقوق الإنسان»، بحسب تصريحه لأحد المواقع اللبنانية.
وكان المحامي زياد الأسود قد توعد برفع دعوى على جميع الأطفال «المتسولين»، فيما كان تلفزيون «الجديد» اللبناني قد تضامن مع إدارة المطعم ملقياً اللوم على الطفل، بعد اتهامه بأنه «حرامي ومزعج للزبائن».
ويؤكد أحد الناشطين السوريين في لبنان ويدعى خالد أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض لها طفل سوري في لبنان للضرب والإهانة، لكن الحادثة هذه المرة أثارت صخباً كبيراً، ويؤكد خالد أن الكثير من الأطفال السوريين يعانون من مرض العنصرية والفوقية التي بدت طاغية بشكل واضح في المجتمع اللبناني مؤكداً أن الكثير من اللبنانيين المتضامنين مع القضية السورية يرفضون هذه التصرفات العنصرية.
وعن ظاهرة الباعة الجوالين يقول خالد ان الوضع المادي المتردي للعائلات السورية في لبنان؛ يدفعها إلى إرسال أبنائها للعمل في هذه الظروف، فيما لم يعد الأطفال يفقهون شيئاً من هذه الحياة إلا ثقافة الحرب والمعاناة.
وتستعرض الصحافية لونا صفوان قصة عن الطفل ديار وصفتها بـ «أجمل ما سمعت عن ديار»، وقالت أنه خلال حديثه مع فتاة شابة عن المال منذ فترة وفي الشارع نفسه، عندما كان يريد أن يبيعها، لكنها اعتذرت منه لأنها لا تملك ما يكفي لشراء ما يبيعه، فسألها «ما معك مصاري؟ كيف راجعة عالبيت؟».
أجابته «معي مصاري، بس بالبيت، وهلأ رفقاتي لح يوصلوني»، فقام ديار بسحب 4000 ليرة لبنانية من جيبه، وقدمها للفتاة، وأصرّ على ذلك قائلاً: «بكرا بترجعيلي ياهن، هلأ لازم ترجعي عالبيت»، وطال النقاش بينهما قبل أن تتمكن من إقناع ديار بإعادة المال إلى جيبه.
وانتقدت الصحافية صفوان صمت الكثير من اللبنانيين الذين يدعون أنهم متضامنون مع حقوق الإنسان ومهتمون بالشأن السوري وكأن التعاطف بات انتقائياً لدى هؤلاء.
فيما نظمت مجموعة من اللبنانيين الرافضين لكل أشكال التمييز والعنصرية وقفة احتجاجية رمزية أمام مطعم «دانكن دونانتس» في إشارة منهم إلى رفض الطريقة التي عاملوا بها ديار، وتتحدث جنان عرفات وهي إحدى المنظمات للاعتصام في حديث خاص لـ «القدس العربي» أنها ليست المرة الأولى التي يقوم المطعم فيها بالتعامل مع الأطفال والباعة الجوالين بهذه الطريقة، خاصة الفتيات منهم، كما أنها ليست المرة الأولى التي يعامل فيها ديار بهذه الطريقة ويتعرض للضرب، فقد شهدت منذ مدة رجلاً يعتدي بالضرب عليه أثناء بيعه الورود، وعندما تقدمت منه وسألته لماذا تضربه؟ أجاب لأنه متسول، وتابعت حديثها: قلت له هو بائع وليس متسول، فضحك مني وسخر وقال لي: عم تدافعي عن شحاد».
وتضيف جنان «كل من يتردد على شارع الحمراء يعرف ديار، فهو طفل ودود، لطيف، يأبى أن يأخذ نقوداً من غيره دون أن يبيعه».
وعن ردة فعل المطعم على الاعتصام الرمزي الذي أقامه الناشطون، تتحدث جنان أنه تلقى الاعتصام بكل برود ولم يعر له أي اهتمام، بل بات يسخر منا ونحن واقفون، لذا رأينا من واجبنا مقاطعة سلسة المطاعم حتى يرد للطفل حقه. لم يكن ديار الطفل الوحيد في لبنان الذي تعرض للضرب، فالعنصرية التي يعاني منها السوريون بشكل عام في لبنان بدت واضحة بشكل جلي في المجتمع اللبناني، وليس ببعيد عنا مشهد الطفل السوري ذي الاربع سنوات الذي كان يتعرض للعنف اللفظي من جيرانه عندما كانوا يهددونه بالذبح بالسكين، وكان الصغير يبكي هلعاً من الرعب، فمن ذبح إلى ذبح وبات مشهد الدماء حاضراً في ذاكرة الطفل.
وبعيداً عن الأطفال تعددت أشكال العنصرية في لبنان مع السوريين، سواء بالتعامل مع العمال، وطباعة أوراق تمنعهم من من التجول مساء، إلى مقاضاة السوري براتب أقل بكثير من اللبناني، وليس انتهاء بالعنصرية والتمييز التي يتعرض لها الأطفال في مدارسهم، بينما تبقى فئة كبيرة من اللبنانيين متضامنة مع السوريين بشكل كبير، ورافضة لكل هذه التصرفات اللامسؤولة من آخرين، بل يمعنون جهدهم في متابعة أمور السوريين والوقوف إلى جانبهم.
بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان وفق آخر إحصائية للشبكة السورية لحقوق الإنسان قد تعدى حتى الآن مليون و700 ألف لاجئ سوري، بينهم نحو 570 ألف طفل وما لا يقل عن 190 ألف امرأة، وقرابة 27٪ منهم أي 490 ألفا حتى الآن بلا أي أوراق ثبوتية ويعيش الكثير منهم بشكل بعيد عن أعين الرقابة الأمنية وخاصة فئة الشباب، بينما يحرم آلاف الأطفال من التعليم بسبب صعوبة الحياة الاقتصادية هناك وصعوبة المناهج الدراسية.
يمنى الدمشقي – «القدس العربي»