أثارت شهادة «صادمة» لعماد الطرابلسي صهر الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي تؤكد أن منظومة الفساد السابقة ما زالت تعمل في البلاد، عاصفة من الجدل في البلاد، حيث اعتبر البعض أنها محاولة لنسف مشروع قانون «المصالحة الاقتصادية»، فيما سارع بن علي وآخرين إلى «تفنيد» ما ذكره الطرابلسي، متهمين هيئة «الحقيقة والكرامة» باستغلاله لبث «الفرقة والكراهية» بين التونسيين.
وخلال جلسة استماع أمام هيئة «الحقيقة والكرامة»، قدم عماد الطرابلسي (شقيق زوجة بن علي) اعتذاره للشعب التونسي من داخل سجن «المرناقية» (قرب العاصمة)، حيث أبدى استعداده لتعويض كل المتضررين من التجاوزات التي اقترفها خلال فترة حكم بن علي مقابل الإفراج عنه.
كما أكد أن منظومة الفساد التي كانت سائدة خلال حكم بن علي مازلت تعمل حتى الآن بالطريقة نفسها، مشيرًا إلى أن المنظومة يشرف عليها رجال أعمال معروفون «ويتم تمريرهم إلى اليوم في القنوات التلفزية وينشطون في كرة القدم»، مورداً بعض الأمثلة عن الفساد تتعلق بقيام مؤسسات اقتصادية كبرى «كانت ومازالت تورّد المكيفات والمصاعد دون التصريح بذلك للديوانة (الجمارك)»، مشيراً إلى أن «الفساد والمحسوبية في الديوانة مكنا هذه الشركات الكبرى من فتح مخازن لا تخضع للرقابة، كما أن رجال الأعمال فتحوا مخازن ببطاقات تعريف (هويات شخصية) لأشخاص ميتين حتى يتهربوا من أداء معاليم الجباية والديوانة (الضرائب)».
كما أشار الطرابلسي إلى عدد من التجاوزات فيما يتعلق بتعيين وإقالة الوزراء خلال حكم النظام السابق، مؤكداً أن أحد الوزراء في نظام بن علي كانت لديه علاقة جيدة بعائلة الطرابلسي (عائلة زوجة بن علي) قبل أن يصبح صديقاً لصخر الماطري صهر بن علي، الذي قال إنه كان يتمتع بنفوذ كبير لدى الرئيس السابق.
وأضاف «هذا الوزير طرده بن علي في الساعة التاسعة صباحاً من القصر إلا أنه وبعد تدخل صخر الماطري عاد إلى منصبه واستقبله بن علي بعد يومين في القصر في مقابلة خاصة (بمعنى أنه أصبح راضياً عنه)».
وأكد، من جهة أخرى، أن مدير الأمن الرئاسي السابق علي السرياطي عرض عليه منحه جواز سفر دبلوماسياً بشكل غير قانوني ليتمكن من مغادرة البلاد إلى فرنسا رغم صدور بطاقة جلب دولية في حقه، مشيراً إلى أنه رفض ذلك، كما أشار إلى أن عميداً في الجيش يُدعى إلياس المنكبي عرض عليه المساعدة في تأمين خروجه وعائلته من تونس بعد إيقافه في مطار قرطاج ليلة هروب بن علي في الرابع عشر من كانون الثاني/يناير 2011، في حال تمكن من تأمين طائرة خاصة، مشيراً إلى محمد الغنوشي، رئيس الحكومة والذي كان يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية آنذاك، رفض ذلك.
وأثارت شهادة الطرابلسي ردود فعل كبيرة ومتناقضة في تونس، حيث أصدر الرئيس السابق زين العابدين بن علي «توضيحًا» نشره محاميه منير بن صالحة فنّد فيه ما ذكره عماد الطرابلسي، معتبراً أن الطرابلسي «حالياً هو سجين ورهينة لدى لجنة الحقيقة والكرامة ولدى رئيستها سهام بن سدرين التي تستغل توقه إلى الحرية لتبتزه بأخذ تصريحات تخدم اجنداتها السياسية، وما تفعله بن سدرين هو ضد مسار العدالة الانتقالية لأنه يزيد في تعميق الفرقة والجراح وتحريض بعض التونسيين على البعض الآخر ويدفع نحو التناحر والكراهية»، مشيراً إلى أنه طيلة فترة حكمه كان «منشغلاً بملف التنمية والحفاظ على مناعة البلاد والقدرة الشرائية للمواطن لم يكن مهتماً بمشاريع عماد الطرابلسي ومشاغله المالية كما انه لم يكن يوماً خاضعاً في تسيير شؤون الدولة إلا للمصلحة الوطنية فلا يقيل وزيراً ولا يرجعه بطلب من أي كان».
كما فند كل من علي السرياطي ومحامي إلياس المنكبي تصريحات الطرابلسي، حيث أكد الأول أن الطرابلسي هو من لجأ إليه للحصول على جواز سفر دبلوماسي للسفر إلى الخارج، فيما اتهمه الثاني بالإساءة إلى المؤسسة العسكرية في البلاد. وتباينت ردود فعل كل من أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة حول شهادة عماد الطرابلسي، حيث اعتبر القيادي في حزب «نداء تونس» محسن حسن أن جلسة الاستماع التي نظمتها هيئة «الحقيقة والكرامة» للطرابلسي تهدف إلى «ضرب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والاستفراد بمسار العدالة الانتقالية»، مبدياً – بالمقابل – ثقته بالمصادقة على المشروع بعد أن يتم التوافق عليه في النهاية. فيما اعتبر محمد عبو مؤسس حزب «التيار الديمقراطي» أن شهادة الطرابلسي جاءت في الوقت المناسب لوضع حد لـ»المغالطات» الواردة في قانون «المصالحة»، مشيراً إلى أن الشهادة جاءت للتأكيد بأن فكرة «المصالحة» موجودة أصلاً في قانون «العدالة الانتقالية» وبالتالي لا فائدة من وجود قانون آخر حول هذا الأمر، وأضاف القيادي في الحزب ذاته هشام العجبوني متوجهاً إلى الرئيس الباجي قائد السبسي «عماد الطرابلسي نسف قانونكم يا سيادة الرّئيس. الموظفون الذين تحدث عنهم وسهّلوا أموره وأمور غيره، يسميهم فخامته (قائد السبسي) «كفاءات» ويرغب في أن يعمل لهم قانون «مصالد» للإفلات من العقاب، والأسوأ من ذلك أنه يعوّل عليهم لإصلاح المؤسسات والإقلاع بالاقتصاد!».
وكتب القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي «إن اعترافات الطرابلسي، على ما يمكن أن يكون فيها من اجتزاء للوقائع، تبرز حجم المسؤولية الأخلاقية للذين يريدون التساهل مع مشروع قانون المصالحة الإقتصادية والمالية خاصة، إذا أخذنا بعين الإعتبار ما بلغني من مصدر جدير بالثقة أن المعترف الأخير قد تراجع في أقواله تحت التهديد بما يؤكد ما نعتقده أن هذه الشبكات لا تزال فاعلة وتنوي المواصلة بل وتواصل أعمالها وفعلاً فقد صرح المعترف الأول البارحة بأنهم (أي المفسدون) لا يزالون الى اليوم متواجدين في مجالي السياسة والرياضة».
وأضاف رئيس حزب «المجد» عبد الوهاب الهاني «شهادة صهر الرئيس المخلوع السابق تُؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الفساد كان منظومة حُكم مافيوزية وأن الحلَّ لا يمكن في التصالُح معها بل في اقتلاعها واجتثاثها من بلادنا حتى تتحقَّق مقاصد الانتقال السياسي الديمقراطي الحقيقي وليس الشَّكلاني والفلكلوري، وحتى تتيسَّر ظروف الانتقال الاقتصادي المنشود، من اقتصاد النَّهب و«الغُورة» والمافيا إلى اقتصاد الخلاق والبعث والإبداع والمنافسة النزيهة والمغامرة الشريفة لخلق النمو وفتح مواطن الشُّغل وتحقيق التنمية وضمان العدالة».
ويثير مشروع قانون «المصالحة» الذي اقترحه الرئيس التونسي في 2015 ويناقش البرلمان حالياً نسخة معدلة منه، جدلاً كبيراً في تونس، حيث تطالب أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بسحبه على اعتبار أنه يساهم في تبييض الفساد في البلاد، فيما تؤكد بعض أحزاب الائتلاف الحاكم أنه يساهم في دعم الاقتصاد التونسي المتعثر.
المصدر: القدس العربي