تبادل النظام السوري والمعارضة الاتهامات في جنيف أمس الأحد، في حين أعرب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا عن «تفاؤله» بفرص بدء محادثات غير مباشرة ضمن مساعي إنهاء ما يقارب خمس سنوات من النزاع.
وعقد الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا ووفد المعارضة السورية، في جنيف أمس الأحد، لقاء، فيما لا تزال المعارضة تتمسك بطرح المسألة الإنسانية في المحادثات قبل الدخول في أي مفاوضات رسمية مع النظام السوري. ويبدو أن رهان الأمم المتحدة يصعب تحقيقه طالما أن الارتياب لا يزال يسيطر لدى الطرفين، المعارضة والنظام.
وكشفت مصادر سورية حضرت اللقاء ، أمس، أن الأخير أعلم المعارضة بأن المفاوضات لا معنى لها إن لم تحضر اليوم الجلسة التفاوضية في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وأنه مضطر ليعلن بذلك انتهاءها.
وأوضح أنه «رغم ذلك، فلا ضمانات خطية أو وعود مكتوبة من هذه الأطراف، لأنها تحمل صبغة قانونية، وليس لدى المعارضة سوى الاستفادة من هذا الزخم، والانخراط في المفاوضات».
وبين أنه «في حال رفضت المعارضة القدوم إلى الجلسة التفاوضية، قبيل تحقيق مطالبها الإنسانية، فإنه مضطر عندها لإعلان انتهاء هذه المفاوضات، لأنه ليس لها معنى».
وقال منذر ماخوس الناطق باسم الهيئة العليا للمفاوضات «لم نحصل على ضمانات» حول المطالب الإنسانية، مضيفا «هناك وعود، لكننا لم نعد نصدق الوعود».
وأضاف أن الهيئة العليا ستلتقي أيضا دبلوماسيين من أبرز الدول الغربية الضالعة في الملف السوري.
وكانت الهيئة العليا هددت بعيد وصولها مساء السبت إلى جنيف بعد أربعة أيام من التردد قبل الموافقة على المشاركة في المحادثات، من أنها ستنسحب منها في حال واصل النظام ارتكاب «الجرائم».
لكن الهيئة العليا للمفاوضات قالت في بيان بعيد وصول وفدها إلى سويسرا عصر السبت، إنه إذا «أصر النظام على الاستمرار في ارتكاب هذه الجرائم فلن يكون لبقاء وفد الهيئة في جنيف أي مبرر».
وتابع البيان أن الوفد «سيبلغ دي ميستورا نية الهيئة سحب وفدها التفاوضي في ظل استمرار عجز الأمم المتحدة والقوى الدولية عن وقف هذه الانتهاكات».
وعلمت «القدس العربي»أن وفد الهيئة التقى أمس مجموعة المبعوثين الدوليين للأزمة السورية في مقر السفارة الفرنسية. وأبلغ أحد أعضاء الهيئة «القدس العربي» أن اللقاء استهدف طمأنة المعارضة بشأن ما كانت أثارته من مطالب على صيغة شروط للانخراط في المحادثات، خاصة تلك التي تتعلق بالبندين 12 و13 من القرار الدولي 2254 المتعلقين بالوقف الفوري للعنف ورفع الحصار وفتح ممرات إنسانية.
وكعادته وصف بشار الجعفري رئيس وفد الحكومة السورية إلى محادثات السلام في جنيف المعارضة أمس الأحد بأنهم «إرهابيون مدعومون من قوى خارجية»، لكنه قال إن حكومته تبحث اتخاذ إجراءات إنسانية يطالب بها وفد المعارضة.
وقال الجعفري للصحافيين في جنيف إن الحكومة السورية لا تتعامل مع إرهابيين، وإن هناك قوى خارجية تؤيد أجندات خارجية تهدف إلى ممارسة ضغوط سياسية على الحكومة السورية باستخدام الإرهاب كسلاح سياسي.
وأجاب ردا على سؤال عما إذا كانت الحكومة تبحث إجراءات مثل إقامة ممرات إنسانية ووقف لإطلاق النار والإفراج عن سجناء، أن هذا بكل تأكيد جزء من البرنامج الذي تم الاتفاق عليه وسيكون واحدا من النقاط المهمة للغاية التي سيناقشها المواطنون السوريون مع بعضهم البعض.
من جانب آخر فإن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تطالب المعارضة وحلفاؤها برحيله قبل بدء العملية الانتقالية، سيكون مطروحا بالتأكيد.
وتعلق الدول الكبرى آمالها على قرار الأمم المتحدة الصادر في 18 كانون الأول/ديسمبر، والذي نص على خارطة طريق تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة، وعلى وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر، وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرا، لكن من دون أن يشير إلى مصير الرئيس السوري.
وتريد القوى الكبرى التي طالتها تداعيات النزاع، التهديد الجهادي وأزمة الهجرة، أن يتمكن السوريون من الاتفاق على حل.
لكن حجم الهوة الفاصلة بين الطرفين وحلفائهم لا تبعث آمالا كبرى بتحقيق تقدم على المدى القصير او المتوسط.
ونشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أمس الأحد، في تقرير حصري، وثيقة سرية للمبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا، قال فيها إن «الأمم المتحدة لا تستطيع فرض اتفاق سلام في سوريا».
وحذر دي ميستورا في ورقة استراتيجية سرية، حصلت عليها «فورين بوليسي»، من أن الأمم المتحدة لن تكون قادرة على مراقبة أو فرض أي اتفاق سلام قد ينتج عن محادثات السلام الجارية الآن في جنيف، موضحة أن «العالم قد يشهد توقعات غير واقعية من قدرة الأمم المتحدة على مراقبة وفرض وقف إطلاق نار في سوريا على الفصائل والتنظيمات المسلحة المتحاربة في سوريا».
وقالت ورقة الأمم المتحدة بعنوان «مسودة لورقة حول مفهوم آليات وقف إطلاق النار»، إن «السياق الدولي والوطني السياسي المحلي الحالي، والبيئة العملية، تشير إلى أن سعي الأمم المتحدة لحفظ السلام، المعتمد على جنود دوليين أو مراقبين عسكريين، قد لا يكون آلية مناسبة لوقف إطلاق النار».
وكشفت «فورين بوليسي» في تقريرها «كيف سمحت الأمم المتحدة لنظام الأسد بتحريف الحقيقة في الحرب السورية؟»، لتسلط الضوء على تعاون المنظمة الدولية من أجل رسم صورة أكثر إيجابية للنظام السوري.
ويقول كاتب التقرير روي غوتمان إن الإحصاءات الصارخة في ملخص الأمم المتحدة السنوي لبرامج الإغاثة التابعة للمنظمة تحكي قصة الكابوس الإنساني في سوريا، التي أصبحت دولة تعيش على الدعم.
وأضاف أن نحو 13.6 مليون شخص أصبحوا بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، كما يتم تهجير السوريين بمعدل خمسين أسرة كل ساعة يومياً، ويوجد مليون شخص على الأقل في مخيمات النازحين لا يحصلون على المساعدة الدولية.
ويشير غوتمان إلى أن «المفاجأة الكبرى» تتمثل في قراءة خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية التي نشرت يوم 29 /كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حيث غيرت الأمم المتحدة بعد التشاور مع نظام الأسد عشرات المقاطع وحذفت المعلومات الهامة، وذلك بهدف رسم صورة أكثر إيجابية عن النظام السوري.
وأوضح التقرير أنه بالمقارنة بين النسخة النهائية لخطة الأمم المتحدة والمسودة التي حصلت عليها «فورين بوليسي»، يتضح أنه تمت إزالة عشر إشارات لكلمة محاصر أو المناطق المحاصرة، مثل مضايا التي شهدت موت 23 شخصا من الجوع على مدى عدة أشهر قبل وصول قافلة مساعدات الأمم المتحدة منتصف الشهر الحالي.
كما اختفى من التقرير الأممي أي ذكر للبراميل المتفجرة التي يسقطها النظام بشكل عشوائي على المناطق المأهولة بالسكان، واختفى كل ذكر لجماعات الإغاثة السورية التي توصل المساعدات إلى المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
القدس العربي