الدوحة ـ «القدس العربي»: إسماعيل طلاي لا شيء في الأفق ينبئ بانفراج قريب للأزمة الخليجية، كما أوحت به تطمينات سابقة لوزير الخارجية العماني، ومن بعده أمير الكويت. وموجة التفاؤل التي حملتها تلك التصريحات، مطلع الأسبوع الثالث منذ بدء الخناق المضروب على قطر، سرعان ما بدأت تتلاشى، بفعل «التصعيد الدبلوماسي» لدول الحصار الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين ومعها مصر) ضد قطر؛ وآخر فصوله، تقديم لائحة تضم 13 مطلباً، وإلزام الدوحة بالرد خلال 10 أيام في خطوة، أثارت ردود فعل «رافضة» و»ساخطة»، وعلّق عليها مسؤول المكتب الحكومي القطري بالقول «إن المطالب تأكيد بأن الهدف الحصار هو الحد من سيادة دولة قطر والتدخل في سياستها الخارجية وليس محاربة الإرهاب»، في حين، حثّت اللجنة القطرية لحقوق الإنسان الحكومة على رفض المطالب التي «تحمل شروطاً تنتهك اتفاقيات حقوق الإنسان، وغيرها من الاتفاقيات الدولية والإقليمية».
وتعليقاً على المطالب الـ 13، قال مصدر دبلوماسي لـ«القدس العربي» إن مصير المطالب الثلاثة عشر الرفض طبعا»، واصفا تهديدات أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي بما أسماه «الطلاق مع قطر»، في حال عدم الانصياع للمطالب، بقوله: «إن أبو ظبي تلعب دور نافخ الكير في نار التصعيد الحاصل ضد قطر». مضيفا أن «تصريحات قرقاش تلمح إلى تهديد بإلغاء عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي. وقطر لن تبادر إلى قطيعة مماثلة». ويرى المصدر أنه «لم يعد بالإمكان أسوء مما كان، وليس لديهم شيء أسوء يمكن فعله، بعد كل الذي أقدموا عليه، وقطر لن ترضخ».
وبعد مرور ثلاثة أسابيع من الحصار المفروض على قطر، وعلى الرغم من تصاعد الأصوات الدولية المطالبة بضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار، بدا واضحا إصرار خصومها على عدم التراجع، وتصعيد لهجتها لإجبارها على «الخضوع» لمنطقها، وتنفيذ مطالبها. مطالب؛ ظلّ معظمها «مبهما» طيلة أسبوعين من بدء الحصار، وسط استغراب العالم، ورغم تأكيد المسؤولين القطريين مراراً استعدادهم الفوري لمناقشة أي مطالب حال وجودها، شرط رفع الحصار أولا، كما جاء على لسان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
وكان على العالم أن ينتظر تصريحات الخارجية الأمريكية التي انتقدت من خلالها عجز دول الحصار عن تقديم مطالب محددة لدولة قطر، مشكّكة في وجود أسباب مقنعة لتبرير فرض الحصار. وطالب ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي بأن تكون المطالب «منطقية وقابلة للتنفيذ.
ولم تمض سوى ساعات قليلة على تلك التصريحات، حتى سارعت دول الحصار إلى تقديم قائمة مطالب، عبر الوسيط الكويتي، ضمنتها 13 مطلبا، تم تسريبها إلى وسائل الإعلام في اليوم نفسه، وأثارت موجة انتقادات «ساخرة» و»رافضة» بشدة لمضمونها، من دول ومنظمات عالمية، أبرزها تصريح لوزير الخارجية البريطاني الذي طالب بتقديم مطالب «واقعية ومتوازنة» قابلة للتحقيق، حفاظ على وحدة الخليج.
وحسب ما نشرته وكالة «رويترز» نقلا عن مصدر مسؤول في إحدى دول الحصار، تضمنت المطالب خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران والاقتصارَ على التعاون التجاري مع إيران، بما لا يخل بالعقوبات المفروضة عليها دولياً وأمريكياً، وبما لا يخل بأمن مجلس التعاون؛ وقطعَ أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع إيران، ومغادرةَ العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني الأراضي القطرية.
وتضمنت القائمة الإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية. إلى جانب المطالبة بقطعُ العلاقات مع ما وصفتها دول الحصار بالتنظيمات الإرهابية والطائفية كافة؛ وتسليمُ العناصر الإرهابية المطلوبة لدى دول الحصار، أو المدرجة بالقوائم الأمريكية والدولية.
كما تضمنت المطالبة بإغلاق قنوات «الجزيرة» والقنوات التابعة لها، وكل وسائل الإعلام التي تدعمها قطر. ووقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية، ومنعها من تجنيس أي مواطن يحمل جنسية إحدى الدول الأربع؛ والتعويض عن الضحايا والخسائر كافة، وما فات من كسب للدول الأربع، بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة.
وطلبت دول الحصار من قطر أن تكون منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي على الأصعدة كافة؛ وتسليمَ كل قواعد البيانات الخاصة بالمعارضين، وإيضاحَ الدعم الذي تم تقديمه إليهم. وأوضحت أن هذه الطلبات يجب الموافقة عليها في غضون عشرة أيام من تاريخ تقديمها، وإلا اعتُبرت لاغية. ولم تكتف الدول المحاصرة بسلسلة المطالب «التعجيزية» تلك، بل إنها اشترطت أن يخضع الاتفاق على تنفيذ هذه المطالب للمراقبة، وتصدر بشأنه تقارير شهرية في السنة الأولى، ثم كل ثلاثة أشهر في السنة التالية، ثم تقرير سنوي لمدة عشرة أعوام! وفيما بدا استباقا لرفض قطري متوقع للمطالب سارع وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش لاتهام قطر بعدم الجدية في حل الأزمة، متهماً إياها بتعمد تسريب المطالب، حتى قبل إبداء موقف رسمي منها. على الرغم من تأكيد وكالة «رويترز» للأنباء التي كان لها السبق في نشر المطالب، أنها حصلت عليها من مصادر مسؤولة من دول الحصار.
وأطلق قرقاش عبر حسابه في «تويتر» سلسلة تغريدات، تهجم فيها على الدوحة، بقوله: «إن تسريب قطر لمطالب وجهت إلى الدوحة، يسعى إلى إفشال الوساطة في أزمتها مع دول عربية»، واصفا الخطوة بأنها «مراهقة معهودة من الشقيق»، معتبرا أنه «كان من الأعقل أن تتعامل الدوحة مع مطالب جيرانها ومشاغلهم بجدية، أما دون ذلك فالطلاق واقع».
ومضى إلى تأكيد «عدم إمكانية القبول باستمرار دور قطر كحصان طروادة في محيطه الخليجي، ومصدر التمويل والمنصة الإعلامية والسياسية لأجندة التطرف».
المطالب تأكيد
لاستهداف سيادة قطر
وفي رد فعل أولي، أعلنت دولة قطر استلامها ورقة تتضمن طلبات من الدول المحاصرة ومصر. وأوضح بيان لوزارة الخارجية القطرية يوم الجمعة 23 حزيران/يونيو، أن «دولة قطر تعكف الآن على بحث هذه الورقة والطلبات الواردة فيها والأسس التي استندت إليها لغرض إعداد الرد المناسب بشأنها وتسليمه لدولة الكويت». وأكد البيان «شكر دولة قطر وتثمينها لمساعي دولة الكويت الشقيقة الهادفة إلى تجاوز الأزمة الراهنة».
وفي وقت مبكر من فجر أمس، صرّح الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي القطري، لوكالة الأنباء الرسمية (قنا)، قائلاً: إن المطالب التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام تؤكد أن الهدف من «الحصار هو الحد من سيادة دولة قطر والتدخل في سياستها الخارجية وليس محاربة الإرهاب»، لافتاً إلى أن قائمة المطالب المعلنة عبر وسائل الإعلام لا «تتسق مع المعايير» التي عبر عنها وزيرا خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في إشارة إلى تصريحات وزيرا خارجيتي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وسريعا، توالت ردود الفعل «الرافضة» للائحة مطالب الدول المقاطعة، حيث انتقدت اللجنة القطرية لحقوق الإنسان، وهي هيئة حكومية، قائمة المطالب والشروط التي تقدمت بها دول الحصار، واصفة إياها بأنها «تحمل شروطاً تنتهك اتفاقيات حقوق الإنسان، وغيرها من الاتفاقيات الدولية والإقليمية»، داعية الحكومة القطرية إلى رفض هذه الشروط وعدم القبول بها.
وقالت اللجنة، في بيان أصدرته مساء الجمعة الماضي، وحصلت «القدس العربي» على نسخة منه: «إن رفع الحصار لا يمكن له أن يخضع لقيود أو شروط؛ لأنه يتنافى أصلًا مع الاتفاقيات الدولية، واتفاقيات حقوق الإنسان، ويجب رفعه فورًا دون قيد أو شرط».
وأكّدت أن «بعض الشروط الواردة في قائمة المطالب تتعلّق بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كالحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في الجنسية، والحق في اللجوء».
وقالت إن شرط إغلاق «شبكة الجزيرة» والقنوات التابعة لها، منافٍ لكافة اتفاقيات حقوق الإنسان التي تنصّ على حرية الرأي والتعبير وحماية الصحافيين؛ كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، وغيرها من المواثيق الصادرة عن منظمة «يونيسكو»، وقرارات المؤتمرات الدولية لحقوق الإنسان.
كما اعتبرت أن شرط رفض تجنيس مواطني الدول الأربع المحاصرة، وطرد الموجودين حالياً في دولة قطر، يتنافى مع أغلب اتفاقيات حقوق الإنسان والقرارات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان، والتي تنص على الحق في الجنسية، وعدم الحرمان التعسفي منها كأحد الحقوق الأساسية.
وبشأن مطلب دول الحصار لقطر بتسليم المطلوبين، قالت اللجنة إن «الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، تمنع على الدول تسليم المجرمين إلى دولهم الأصلية؛ خشية أن يتعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة، أو إلى محاكمات غير عادلة، أو أحكامٍ بالإعدام؛ فكيف إذا كانوا معارضين سياسيين؟ الشيء الذي يتنــــــافى قطعيًّا مع اتفاقيات حقوق الإنســــان، واتفاقيات اللجوء، ومعايير المحاكمة العادلة، وحتى مع الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي».
وشدّد البيان على أن القانون الدولي يحظر على الدول مطالبة دول أخرى أو الاشتراط عليها القيام بانتهاك حقوق الإنسان، ودعت كافة المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمات حماية حرية الرأي والتعبير، وعلى رأسها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وآليات الأمم المتحدة التعاقدية وغير التعاقدية، إلى التحرك العاجل لإيقاف الحصار غير القانوني، والضغط على الدول المحاصرة لوقف التمادي في الانتهاكات، ومنع تنفيذ تلك الشروط المنافية لاتفاقيات حقوق الإنسان.
وخلص بيان اللجنة القطرية لحقوق الإنسان إلى التأكيد أن قبول دولة قطــــر بهذه المطالب والشروط ســـوف يعرضها للمساءلة الدوليــــة، والإخلال بالتزاماتها بشأن اتفاقيات حقوق الإنسان، وأنها تطلب من دولة قطر عدم قبول تلك المطالب.
وقالت إنها ستقوم بتحركات قانونية وقضائية لمنع تلك الانتهاكات الواردة في قائمة المطالب، وتحديد المسؤوليات الدولية للدول المحاصرة في المحافل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة «يونسكو».
وختم البيان باستغراب اللجنة للمطالب والشروط من دول الحصار، منوهة إلى أنه لأول مرة يفرض حصار على شعب لمطالبة دولته بانتهاك حقوق الإنسان، والتنكر للقيم والمبادئ والأخلاق والالتزامات الدولية.
الجزيرة تستنكر
واستنكرت شبكة «الجزيرة» مطالبة دول الحصار إغلاق قنواتها. ونوهت إلى أن المطلب محاولة يائسة لإسكات الإعلام الحر.
وجددت «الجزيرة» استنكارها لما يحدث حاليا في المنطقة من مصادرة وتضييق لحرية الرأي والصحافة، والإجراءات التي اتخذتها حكومات الدول المحاصرة لدولة قطر بحجب مواقع إلكترونية من بينها مواقع شبكة «الجزيرة» الإعلامية، وإغلاق مكاتب الشبكة ومنع مراسليها من تأدية مهامهم، وتشديد الرقابة على العديد من وسائل الإعلام الأخرى.
وطالبت شبكة «الجزيرة» حكومات الدول الديمقراطية والهيئات الدولية المدافعة عن حرية الرأي وحقوق الإنسان، والمؤسسات الحقوقية الدولية والمؤسسات الإعلامية الحرة في كافة دول العالم بالتنديد بهذه المطالب الخطيرة.
الأمم المتحدة: جاهزون
للتدخل بتوافق الأطراف
وفي أول رد فعل من تركيا، قال وزير الدفاع التركي، فكري إشيق في حديث لتلفزيون «أن تي في» إن بلاده لا تعتزم إعادة تقييم وضع قاعدتها العسكرية في قطر، وأن أي مطلب بإغلاق القاعدة سيمثل تدخلا في العلاقات بن البلدين.
وأكدت الأمم المتحدة أن حل الأزمة الخليجية يجب أن يستند إلى القانون الدولي وميثاق المنظمة الدولية. وقالت إنها تتابع الوضع حيال هذه الأزمة بقلق عميق، مشيرة إلى قائمة المطالب المقدمة إلى دولة قطر والتي تناقلتها بعض وسائل الإعلام.
وقالت إيري كانكو المتحدثة الرسمية باسم الأمم المتحدة إن المنظمة الدولية «تواصل متابعة الموقف بقلق بالغ ونحن على دراية بقائمة المطالب ونأمل من الدول المعنية أن تحل الموقف من خلال الحوار».
وأضافت المتحدثة في تصريح لها الجمعة إن «المنظمة الدولية تقف على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة إزاء هذه الأزمة إذا طلبت منها الأطراف المعنية ذلك»، مبينة أن أي حل أو حوار يجب أن يستند إلى القانون الدولي وحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وكذلك على ميثاق الأمم المتحدة.
ونوهت إلى دعوة أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة إلى حل الأزمة بين دولة قطر وبعض جيرانها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال الحوار، والقنوات الدبلوماسية.
واعتبرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن المطالــــبة بإغلاق الجزيرة هو عقاب لملايين العرب وليس لقطر.
القدس العربي