قد يكون صحيحاً القول أن سقوط أو إسقاط الطائرة المروحية الروسية بين ريفي ادلب وحلب أكبر خسارة للروس من حيث عدد القتلى في الجنود.
برغم ذلك نعتقد أن الخسارة الحقيقية للروس في سوريا منذ إعلان عدوانهم على الثورة السورية في أيلول/سبتمبر 2015 وقرارها الحاسم بالوقوف إلى جانب ميليشيا الأسد ضد تطلعات الشعب السوري الثائر، تمثلت هذه الخسارة الكبرى في عدم تمكنهم من السيطرة على حلب الأمر الذي أرادت منه موسكو أن يكون ورقتها القوية في وجه الهيئة العليا، للمفاوضات جنيف التي سارع ديمستورا الدعوة إليها في مطلع آب/اغسطس الجاري ثم تم تأجيلها لموعد لاحق.
حصار حلب التي عملت عليه روسيا على مدى عدوانها على الثورة السورية الذي يكمل عامه الأول بعد اسابيع قليلة وكرست له معظم إمكانياتها العسكرية والاعلامية والدبلوماسية.
خلال الأسابيع القليلة الماضية أعلنت موسكو عن ممرات «إنسانية» في حلب ودعت الثوار لتسليم أنفسهم وفتحت للمسلحين ممراً خاص وطلبت ممن يسلم نفسه من المسلحين أن يلتزموا بتعليمات ميليشيا الأسد التي أطبق الحصار حينها على أحياء حلب المحررة.
وكان قد سبق هذا كله أن وجه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إنذاراً لفصائل حلب المسلحة والمتحالفة معها، بتسليم أنفسهم والإنسحاب من حلب من خلال الممرات التي تم فتحها لهم،إنذار وزير الدفاع الروسي يعيد للأذهان السوريين إنذار الجنرال الفرنسي هنري غورو الذي وجهه للجيش السوري في عام 1920 لتسليم مدينة دمشق، حينها رفض وزير الحرب «يوسف العظمة» الإنذار وكانت معركة ميسلون نتيجة لذلك.
واليوم يعيد التاريخ نفسه في حلب لكن نتائج رفض ثوار حلب كانت كارثية على الروس «ملحمة حلب الكبرى» التي تمكنت من خلالها الفصائل المنضوية تحت «جيش الفتح» من تكبيد ميليشيا الأسد والميليشيا الداعمة له وفكت الحصار عن أحياء حلب الشرقية التي فرضتها الطائرات الروسية الغازية وخبراؤها العسكريون على الأرض، فكانت هزيمة منكرة بكل المقاييس والمعاني لموسكو وجيشها الأحمر، وقيصرها المزعوم.
صحيح أن روسيا خسرت ما يقرب من تسعة عشرعسكرياً في سوريا وعددا من المروحيات وطائرة حربية أسقطتها تركيا.
لكن الخسارة الحقيقية كانت صمود حلب ما يقارب من عام في وجه الجيش «الأحمر» ولم تكتف الفصائل المسلحة بالصمود بل شنت هجوماً مضاداً تمكنت فيه من السيطرة على ضعف من خسرته بسبب العدوان الروسي، وأطلقت عملية «فك الحصار عن حلب « الذي يبدو أنه سيتحول إلى تحرير حلب من الميليشيا الروسية الإيرانية المحتلة.
نعم صمد الثوار وامتصوا التصعيد الجوي الروسي، وأمتلكوا زمام المبادرة وحلب قاب قوسين أو أدنى من التحرر من نير العبودية «الأسدية» والفرس والروس. لم نعد في هذا المقام نتحدث عن صمود بل نتحدث عن ردة فعل جامحة تكاد تطيح بالوجود الروسي الإيراني في حلب. ربما يتحول لطوفان يهدد الوجود الروسي في سوريا برمته ويجبر موسكو على مراجعة حساباتها بدقة وواقعية أكثر.
لم يعد من المنطقي القول أن حلب «صمدت» فحسب، بل المنطقي والأصح القول إن حلب تنتصر، حلب تتحرر بعزيمة أطفالها ورجالها، وثباتهم بوجه طائرات روسيا وخبرائها.
رغم أهمية ما تم إنجازه في حلب من انتصارات، لكن علينا أن لا نغرق في التحليلات العاطفية، تحرير حلب لا يعني سقوط نظام دمشق، إنما هو خطوة كبيرة في طريق اسقاط نظام دمشق، بالقوة العسكرية، وصفعة كبيرة لموسكو الرامية لفرض مشروعها السياسي في سوريا بفرض نظام الأسد في أي حل سياسي مستقبلي.
وهي ورقة تفاوضية قوية للهيئة العليا للمفاوضات «المعارضة» في جنيف في السياق نفسه انتصارات»جيش الفتح» في حلب، يمكن اعتبارها دلو ماء بارد سكب على رأس بشار الأسد الذي مازال يتحدث ومن خلفه الروس عن إمكانية سيطرته على سوريا، بل أنه اصدر منذ أيام قليلة مرسوماً يعفو فيه عن الثوار في حلب الذين يسلمون انفسهم لميليشيا الأسد، فإذا بجيش الفتح هو من يعرض العفو على منتسبي الميليشيات الداعمة لنظام دمشق.
على الجانب السياسي وبعد ما تم إنجازه في حلب، أصبحت يد المعارضة السورية العليا في المفاوضات المقبلة، التي ضرب لها موعد أواخر شهر آب /أغسطس الجاري، في حال تم إنعقادها.
كما نستطيع إدراج انتصارات حلب تحت عنوان الرد على تساؤلات رئيس الهيئة المركزية لوكالت الاستخبارات الامريكية «جون برينان» عندما قال إنه لا يعرف إذا كان في الإمكان عودة سوريا موحدة كما كانت.
رد ثوار حلب كان بتكاتف كل الكتائب المسلحة في الشمال السوري تحت عنوان «جيش الفتح» معركة ملحمة حلب الكبرى، أثبتت أن السوريين قادرون على توحيد بلادهم وإعادتها كما كانت لو توقف العبث الأمريكي والروسي في دعم العصابات الكردية والأسدية، والتوقف عن المهاترات السياسية ونفاق المحافظة على مؤسسات الدولة السورية.
القدس العربي – ميسرة بكور