يستمر القصف الجوي الروسي دون توقف منذ إعلان موسكو بدء العمليات العسكرية في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، ورغم خسارتهم قاذفة السوخوي -24 بعد اعتراضها من قبل المقاتلات التركية، وتدمير الثوار مقاتلة مروحية في عملية انقاذ طياري السوخوي -24، إلا أن الروس ما زالوا مستمرين بالتدخل، بل ودفعتهم خسارتهم تلك إلى إثبات دور عسكري تعتقد إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه سيفرض حلاً سياسياً بالقوة تقبله فصائل الثوار، من أجل الحرب على تنظيم الدولة تحت لواء نظام الأسد.
وتشير التقارير إلى وحشية القصف الروسي الذي يستهدف البنية الحتية والمراكز الحيوية والتجمعات السكانية، إضافة لقصف فصائل الجيش الحر ووصفها بـ»داعش».
عن الدور العسكري الروسي، قال قائد الفرقة الشمالية، المقدم فارس بيوش، لـ«القدس العربي» إن الروس «قدموا للنظام مساعدة كبيرة من خلال القصف الجوي والمعلومات الاستخبارتية، وأول ماقصفوا، قصفوا من يحارب داعش من فصائل الجيش الحر، وخصوصاً على جبهات شمال حلب التي نشتبك فيها مع داعش». وأشار المقدم بيوش إلى أن الروس «لا يستطيعون الاستمرار طويلا في الحرب لأنها مكلفة جداً، والوضع الاقتصادي يتدهور في موسكو، لكنهم يحاولون الضغط من أجل اجبارنا على الجلوس للمفاوضات بشروط النظام».
وعن مقدرة الثوار على الصمود أمام وحشية القصف الروسي، قال «الثورة تستطيع الصمود ولا خوف عليها مهما اشتد القصف، صحيح أن النظام وميليشياته أحرزوا بعض التقدم بسبب التغطية الجوية، لكن الروس لن يستطيعوا أن يشغلوا السماء كل الوقت». وعن تقدم النظام وسيطرته على منطاق متعددة يقول بيوش «خسرنا مورك سابقاً عندما ألقى النظام أكثر من 100 برميل بعد ان حررناها. وعندما توقف الطيران استرجعناها». ووصف قائد جبهة شام، محمد الغابي، تدخل الروس بأنه «من أجل انقاذ النظام، بعد أن بدأ بالتهالك وخسارته عدة مدن في ادلب وحماة». وأضاف إن «النظام لم يعد يملك المقدرة البشرية والتدخل الروسي شجع الإيرانيين على إرسال المزيد من الميليشيات بالعلن بعد أن كانوا يتحدثون عن دور استشاري ووجود خبراء فقط «.
رئيس المكتب السياسي في حركة نور الدين الزنكي، بسام حجي مصطفى، أشار إلى أنه في أول أيام التدخل الروسي «خسر النظام أكثر من خمسين مدرعة في ريفي حماة وحمص وعددا كبيرا من الآليات والجنود، وكذلك الأمر في ريف حلب الجنوبي حيث أراد الروس ان تكون معركة سهلة تصل فيها قوات النظام إلى كفريا والفوعه لتظهر متفوقة على الثوار الأمر الذي لم يتحقق». وقال حجي مصطفى: «أحد الجنرالات الروس قال ان الطيران يقدم غطاء ناريا للتقدم، ولكن النظام لا يملك قوات برية، هو وحلفاؤه، قادرة على القتال وتحقيق النصر».
وقال حجي مصطفى لـ«القدس العربي» أن «إزدياد التدخل الروسي لإنقاذ النظام، سيؤدي إلى دمار أكثر وتهديد أكبر للأمن والإستقرار في المنطقة وازدياداً في حدة الصراعات الطائفية والتطرف وسينعكس ذلك على خريطة الحل وصعوبتها مستقبلاً». ونفى إمكانية استمرار الروس في هذه المعركة، معتبرا أنهم «سيحتاجون وحلفاؤهم إلى مئات آلاف الجنود ومليارات الدولارات في السنوات المقبلة للبقاء على تخوم سوريا/العصابة التي يفكرون بابقائها تحت سيطرتهم».
إنسانياً، تحدث ياسر عبد العزيز ننة، قائد الدفاع المدني في دارة عزة، لـ«القدس العربي»: «الطيران الروسي قصف ثلاث مدارس في عنجارة في ريف حلب بشكل مباشر، بالتوقيت نفسه، إضافة إلى منزل تقطنه عائلة من أب وأم وأربعة أطفال، تم الاستهداف وقت الامتحانات الصباحية التي لا تتجاوز ساعة ونصف، وتم الاستهداف في تمام الساعة الثامنة والنصف عندما باشر الطلاب امتحاناتهم، ما يؤكد أن الاستهداف كان ممنهجاً». ونوه ننة أنه «عندما باشرنا بإخلاء الأطفال الجرحى إلى المستشفيات، قام الطيران بقصف مستشفى حور مباشرة».
مدير صحة ادلب الحرة، الدكتور منذر خليل، قال إن «الطيران الروسي قصف كل من مشفى الأورينت في كفرنبل، ومركز التمانعة، والمشفى الميداني في سرمين، وأطباء بلا حدود في معرة النعمان، ومشفى تفتناز واستشهد ثلاثة من الكادر الطبي وسقط العديد من الجرحى، والقصف الروسي بدأ يهدد بانهيار القطاع الطبي في ادلب».
وأشار قائد الدفاع المدني في محافظة حلب إلى أن القصف الجوي «تركزعلى المشافي والمدارس في حلب، وبعض المساجد وروضة للأطفال، واستخدم الطيران الصورايخ الفراغية على أغلب أهدافه». وصرح مدير الدفاع المدني السوري الحر، رائد الصالح، في حديث لـ«القدس العربي»: «استشهد أربعة عناصر من فرق الدفاع المدني في محافظة ادلب، والطيران الروسي أتبع سياسة تكرار القصف بعد القصف الأول، فعندما تتجمع سيارات الدفاع المدني والاسعاف لاسعاف الجرحى، يكرر الطيران القصف على الهدف الأول من أجل حصد أكبر عدد من الأرواح». وأضاف: «خسر الدفاع المدني خمسة عشر شهيداً من فرقه في عموم البلاد، منذ بداية القصف الروسي قبل ثلاثة أشهر».
وعلقت مديرية التربية والتعليم في محافظة ادلب عملها لمدة اسبوع ابتداء من يوم الاربعاء الماضي، «نظرا لاستهداف الطيران الروسي للمدارس في كل أنحاء محافظة ادلب»، حسب البيان الذي تلقت «القدس العربي» نسخة منه. مدير التربية والتعليم محمد جمال شحود قال: «قررنا اغلاق المدارس بعد قصف الطيران الروسي وسقوط عدد من الطلاب شهداء في 11 مدرسة متفرقة في المحافظة».
مدير المكتب الإعلامي في مديرية التربية والتعليم، مصطفى الحاج علي، أكد قضاء عدد كبير من الطلاب في المدارس نتيجة القصف الجوي الروسي، وقال: «سقط ثمانية طلاب في مدرسة جرجناز، وخمسة طلاب في ثانوية معرة النعمان، وسقطت تسع طالبات في مدينة ادلب، وقام الطيران بقصف مدرسة في سرمين وبث التلفزيون السوري انها مقر للتنظيم الدولة الإسلامية».
من جانب آخر، تشن ميليشيا جيش الدفاع الوطني، منذ عشرين يوماً، معارك في ريف حماة الجنوبي المتاخم للريف الشمالي المحاصر لحمص، بهدف تضييق الخناق وقطع طرق الإمداد باتجاه الرستن وتلبيسة.
الناشط الإعلامي محمد الرحال اعتبر أنه «ارتفعت معنويات النظام كثيرا وبعد فترة طويلة من الركود العسكري لديه، حاول شن عدد من المعارك لتضييق الخناق على ريف حمص الشمالي المحاصر، لا نسمع صوت الطيران الروسي الذي يطير على ارتفاعات عالية، فجأة نرى الصاروخ يسقط فوقنا. ويمتاز الطيران الروسي أنه يقذف عددا من الصواريخ بذات اللحظة وأغلب الصواريخ فراغية إضافة إلى صواريخ تحوي قنابل عنقودية ومتشظية، وصواريخ يبدو أنها تحوي الفوسفور أو مواد حارقة». وأدى قطع الطرق إلى «ارتفاع أسعار المحرووقات والطحين وبعد المواد الغذائية « كما أفاد الرحال.
يبدو أن سياسة قصف المراكز الحيوية في المناطق المحررة أمر ممنهج بالنسبة للقيادة الروسية العسكرية التي تدير العمليات في سوريا ضد الثوار، وتعتمد هذه القيادة فيما يبدو خيار تدمير البنية التحتية في المناطق المحررة وقصف المناطق المدنية الحاضنة للثورة من أجل إجبار الثوار على القبول بالحل السياسي الذي يعيد إنتاج نظام الأسد.
ويبقى السؤال والرهان: هل يستطيع الروس الصمود في هذه الحرب الطويلة وكسر إرادة السوريين الذين ضحوا بمئات آلاف الشهداء وملايين المهجرين، خصوصاً أن أسعار النفط بدأت بالتدهور ما سيؤثر سلباً على الميزانية الروسية التي بدأت ببحث سياسة التقشف قبل أيام؟
القدس العربي