حسب مصادر إعلامية إيرانية وما تداوله موالون للنظام السوري على مواقع التواصل الاجتماعي فإن مجموعة من ضباط الجيش المصري زارت القاعدة العسكرية الروسية في محافظة طرطوس على الساحل السوري، وقالت هذه المصادر إن بعض الجنرالات المصريين قاموا بجولة عسكرية عبر طائرات النظام المروحية على عدة جبهات عسكرية تتبع للثوار في عدة مناطق لم تأت على ذكر أسمائها.
وزعمت هذه المصادر نفسها أن هؤلاء الجنرالات يتبعون للجيش المصري الميداني الثاني الذي يوجد مقرّه الرئيسي في الضفة الغربية من قناة السويس، وبأن هذه الزيارة تأتي بعد أيام من وصول عتاد عسكري وذخائر مصرية خلال الأسبوع الماضي.
يبين توقيت الزيارة إلى القاعدة الروسية الذي يجيء بعد شهر تقريبا من زيارة اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوري إلى القاهرة التي التقى فيها بقيادات سياسية وأمنية مصرية، كما يأتي بعد فترة غير طويلة من دعم مصر القرار الروسي حول سوريا في مجلس الأمن.
تواتر هذه الحوادث يكشف في الحقيقة ترابطاً واضحاً فيها ويبيّن أن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يفعل غير أن يكشف علاقته الوثيقة مع النظام السوري تحت رعاية وتشجيع روسي وإيراني أدّيا، بضغط من موسكو وطهران، لحضور مصر الاجتماع الدولي الشهر الماضي في لوزان حول سوريا.
تنتظم الحادثة الأخيرة إذن في نهج متكامل يتزايد حدّة يتمحور إقليميّاً ضد «التحالف العربي» الذي ينتظم دول الخليج العربي (باستثناء عُمان) في اليمن، ويضمّ السعودية وقطر وتركيا في الشأنين السوري والعراقي، والمغرب في الشأن المغاربي (استقبال وفد البوليساريو)، وقد أضافت القاهرة على هذه السلسلة رعايتها مع روسيا لمؤتمر في مدينة غروزني التي استباحتها القوّات الروسية بين 1994 و1999، حول الإسلام أخرجت بموجبه الوهابيين و«الإخوان المسلمين» من حظيرة الإسلام!
بالخطوة الأخيرة يكون النظام المصري قد جمع «المحاسن» وشكّل حلفا عقائدياً مع روسيا وإيران حول تعريف (من هم المسلمون؟) وسياسيا (عبر دعم القرار الروسي في مجلس الأمن واتخاذ خطوات استفزازية ضد السعودية وقطر وتركيا والمغرب) وانتهاء بالتدخّل العسكري في الشأن السوري وهي نقلة غير خطيرة بكل المقاييس، وتلمّح إلى إمكانيات تصعيد وانخراط أكبر في المحور الروسيّ ـ الإيرانيّ ضد بلدان عربية «شقيقة»!
التشجيع الإيراني والروسي لمصر السيسي يضرب عدة عصافير بحجر واحد، ولكنّ فائدته الكبرى تكمن في تغطية أهداف السيطرة الإيرانية (التي أججت أوار النزاع الشيعي ـ السني) والروسية (التي تعزز نفوذها وتنقل معركتها من أوكرانيا وأوروبا الشرقية إلى سوريا وليبيا وتفتح جغرافيتها على البحر المتوسط)، فبانضمام مصر يتوسع قوس الأزمة العربية لتصبح صراعا بين أغنى وأكبر دولتين «سنّيتين» (وبالتالي يخفّ الضغط على مشروع الهيمنة الطائفية الشيعية لإيران)، ويضمن الروس رواجاً لاستراتيجيتهم في المنطقة العربية.
يأتي هذا التصعيد المصريّ في مطلع أزمة اقتصادية ومعيشية مفتوحة المصاريع بعد «تعويم» الجنيه وبدء رفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود، وقد يكون المرتجى منه تصدير مشاكل مصر الداخلية عبر افتعال أزمات خارجية، أو هو ببساطة مجرّد انسجام سياسي وعسكري مع النفس.
في كل الأحوال فإن هذا الاتجاه قد يثبت، وبسرعة، أنه خطأ كارثي فما هي الحكمة من ربط أكبر دولة عربيّة بنظام وحشيّ دمّر بلده وأصبح ألعوبة في يد دولتين أجنبيتين لا تكنّان، بالتأكيد، أي خير للعرب.
القدس العربي