بعد اللقاءات والاتصالات المتسارعة بين كبار المسؤولين الأمريكيين والأتراك خلال الأيام الماضية التقى، أمس الجمعة، في تركيا، رئيس أركان الجيش الأمريكي مع نظيره التركي، في ظل تأكيد الجانبين على تركز البحث حول التعاون العسكري بين البلدين في سوريا، لا سيما معركة طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» من معقله الرئيسي في مدينة الرقة.
من غير المعروف حتى الآن المرحلة التي وصلت إليها الاتصالات بين الإدارة الأمريكية الجديدة وتركيا، وما إذا كانت في مرحلة استكشاف المواقف واختبار النوايا أم أنها وصلت إلى مرحلة متقدمة في التحضير والتنسيق العسكري الفعلي لمعركة الرقة، في ظل تأكيد الجيش التركي أنه بات على بعد أيام قليلة من تطهير مدينة الباب شمالي سوريا من عناصر تنظيم «الدولة».
وعقب ساعات من أول اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب، منذ تولي الأخير منصبه رسمياً، زار رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي أي أيه» أنقرة في أول جولة خارجية له، والتقى أردوغان ورئيس مخابراته هاكان فيدان.
كما اتفق رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، ونائب الرئيس الأمريكي، مايكل بنس، في اتصال هاتفي على تكثيف «التعاون الثنائي القائم على الشراكة والتحالف في المجالات العسكرية والأمن ومكافحة الإرهاب».
وأكد البنتاغون أن علاقات بلاده مع تركيا، حول سوريا، في تطور مستمر، مبينا أن تركيا ستلعب دورا في استراتيجية أمريكا الجديدة في محاربة تنظيم «الدولة».
وشدد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو في لقاء جمعه بنظيره الأمريكي، على «مدى خطورة» دعم الولايات المتحدة، للوحدات الكردية، لافتاً إلى أن «الإدارة الأمريكية الحالية مدركة لأخطاء الإدارة السابقة»، مشيراً إلى وجود خطة لعقد لقاء بين أردوغان وترامب، خلال الفترة المقبلة، لـ«رسم خريطة طريق بين البلدين»، دون تحديد موعد اللقاء.
كذلك أعرب وزير الدفاع التركي، فكري إشيق، لنظيره الأمريكي، جيمس ماتيس، عن انزعاجه من استخدام الولايات المتحدة، للوحدات الكردية في العمليات ضد تنظيم الدولة، وذلك خلال لقائهما الثنائي، على هامش اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي، الـ«ناتو» في بروكسل.
وبينما أكد إشيق على أن «عملية الرقة يجب أن تتم على يد العناصر العربية، وليس من خلال تنظيم ب ي د»، شدد وزير الخارجية على أن فكرة إقامة «مناطق آمنة» في شمال سوريا يجب أن تنفذ سريعا لاستقبال آلاف النازحين السوريين.
وأمس الجمعة، زار تركيا رئيس هيئة الأركان المشتركة وقائد قوات مشاة البحرية الأمريكية، جوزيف دانفورد، لبحث الخلاف بين أنقرة وواشنطن حول الوحدات الكردية في سوريا والمرحلة المقبلة من عملية «درع الفرات».
وأكد على أن الزيارة تأتي في إطار نية الولايات المتحدة تقديم المزيد من الدعم إلى تركيا في مجال الحرب الإرهاب، وشدد على أن «الهدف التالي لعملية درع الفرات يتمثل في تحرير منبج من تنظيم «ب ي د»، وتحرير الرقة من تنظيم «الدولة».
والجمعة أيضاً، قال الجيش التركي إنه يوشك على استكمال عملية انتزاع السيطرة على مدينة الباب، لافتاً إلى أن «عملية انتزاع السيطرة الكاملة على الباب قاربت نهايتها ومقاومة جماعة داعش الإرهابية انهارت إلى حد كبير»، وذلك بعد يومين من إعلان رئيس الأركان، خلوصي أقار، انتهاء عملية تحرير مدينة الباب
المحلل السياسي التركي مصطفى اوزجان عبر عن اعتقاده أن إدارة ترامب سوف تعتمد في نهاية المطاف على تركيا من أجل الحفاظ على نفوذها في المنطقة وحسم العمليات في شمالي سوريا، معتبراً أن ترامب يُظهر اهتماما ورغبة أكبر بكثير من إدارة أوباما في التدخل في سوريا وحسم بعض الملفات.
وأوضح لـ«القدس العربي» أن الخلاف الأبرز بين تركيا والإدارة الأمريكية هو الوحدات الكردية في سوريا. وبين أن «الوحدات الكردية تعتمد سياسة فرض الأمر الواقع من خلال التقدم نحو الباب لإثبات جدارتها بالقيام بمهمة طرد تنظيم داعش من الرقة».
وعبر اوزجان عن اعتقاده بأن الاتصالات الحالية تأتي في خانة التنسيق وتبادل المواقف وجس النبض، معتبراً أن مواقف تركيا واضحة ومطلبها مُعلن بضرورة استبعاد الوحدات الكردية من المعركة والاعتماد على تركيا وحلفائها لتحرير الرقة، وأن تركيا «جاهزة بالفعل» للدخول في هذه المعركة.
أما المحلل السياسي التركي باكير اتاجان، فرأى أن الموقف الأمريكي الحالي يشير بوضوح إلى وجود توجه واضح نحو تعزيز التعاون مع تركيا، لكنه حذر من حصول تغيرات بسبب الخلافات داخل الإدارة الأمريكية وبين ما وصفه بـ»الدولة العميقة وإدارة ترامب الحالية».
وقال لـ«القدس العربي»: «حصلت في الآونة الأخيرة تفاهمات بين تركيا وإدارة ترامب لكن يتضح بشكل جلي وجود اختلاف في مواقف البنتاغون والمخابرات من تركيا وإقالة مدير الأمن القومي الأخيرة تأتي في هذا الإطار».
ولفت اتاجان إلى أن الأكراد هم ورقة مهمة في يد روسيا وتركيا، وعلى الرغم من اعتقاده أن إدارة ترامب تريد التعاون مع تركيا إلا أنه لفت إلى أن الإدارة الأمريكية «لن تقوم بالتخلي بشكل كامل عن دعم الوحدات الكردية في شمالي سوريا حتى لا تتحول إلى التعاون مع روسيا وتصبح ورقة في يد موسكو التي احتضنت قبل أيام اجتماعا لممثلي الأكراد من سوريا وتركيا وإيران والعراق».
واستبعد أن توافق تركيا على المشاركة في عملية الرقة بشكل مشترك مع الوحدات الكردية التي تصنفها على قائمة المنظمات الإرهابية.
كذلك، بين الباحث في العلاقات الدولية محمد حامد أن «الزيارتين لرئيس الأركان ورئيس المخابرات الأمريكية إلى تركيا تهدف إلى الاستماع إلى الرؤية التركية للإقليم خاصة في الملف السوري والعراقي، وأيضا كيفية هزيمة تنظيم الدولة وإسقاط عاصمته وهي الرقة عبر قوات درع الفرات كما تريد أنقرة وليس عبر قوات سوريا الديمقراطية التي لا تتوافق معها تركيا».
وأضاف لـ«القدس العربي»أن «ترامب أو الاستراتيجية الأمريكية بشكل عام ترى في الأكراد مكونا هاما ورئيسيا في سوريا وتهدف إلى تقوية هذا الكيان بالتدريب والسلاح بهدف محاربة تنظيم الدولة وتسعى تركيا إلى تقليم أظافر الحزب ومحاصرة دوره الحالي».
ورأى الكاتب التركي المقرب من دوائر صنع القرار عبد القادر سيلفي في مقال له في صحيفة «حرييت» إن «تركيا على قناعة بأن الإدارة الأمريكية الجديدة ستكشف عن استراتيجيتها تجاه المنطقة في أواخر أبريل/ نيسان وأوائل مايو/ أيار من العام الجاري»، مضيفاً: «ولكي تتجنب المفاجآت في هذا الخصوص اختارت تركيا أن تكون في ميدان المعركة».
وكتب: «في زيارته لدول الخليج العربي أدلى أردوغان بتصريحات مهمة فيما يتعلق بتنظيم داعش وإقامة منطقة آمنة في سوريا. بهذه التصريحات أراد التأثير على الإدارة الأمريكية الجديدة التي تبني استراتيجيتها تجاه المنطقة من جهة، وأراد خلق توازن بمشاركة دول المنطقة من جهة أخرى».
وكشف سيلفي عن أن أردوغان تقدم إلى ترامب بمقترحين «القيام بعملية تركية ـ أمريكية مشتركة في الرقة وإنشاء منطقة آمنة خالية من الإرهاب»، مضيفاً: «تركيا ترفض مشاركة الوحدات الكردية وقدمت مقترحات بديلة لواشنطن تتضمن إنشاء قوة عسكرية من 8 ـ 10 آلاف عنصر من عناصر الجيش السوري الحر بجانب العناصر العربية المقاتلة من المناطق المُزمَع تحريرها، بالإضافة إلى دعم وحدات خاصة تركية وأمريكية للعناصر المقاتلة».
وتابع: «لهذه اللحظة، المباحثات في ملف عملية الرقة تسير في صالح مشاركة قوى سوريا الديمقراطية الكردية في العملية.
والرئيس أردوغان يحاول منع مشاركة هذه القوى بتقديمه تلك المقترحات التي ينظر الرئيس الأمريكي إليها بجدية ويرى أنها تستحق الدراسة حسب آخر التقارير».
وحذر من أن «إدارة ترامب تدعم إنشاء منطقة آمنة ولكن بمشاركة من ستنشئها؟. إذا كانت ستنشئها مع الحكومة التركية فلن تكون هناك مشكلة. أما إذا أنشأتها مع الأحزاب الكردية وتم إعلان منطقة كوباني وعفرين مناطق آمنة فإن هذه ستكون الكارثة. وستتسبب بأزمة كبرى».
المصدر:القدس العربي