يستمر الغزو الإيراني للأراضي السورية بأوجه مختلفة إما عبر الدعم العسكري المباشر، أو عن طريق الدعم الاقتصادي. وتطورت أشكال جديدة من الدعم مؤخرا كتأسيس أحزاب ومنظمات وفصائل تابعة بشكل مباشر للقرار الإيراني، من دون المرور أو التنسيق مع سلطة النظام التي تتحث ليلا ونهارا عن سيادتها واستقلال قرارها.
ولم تكتف إيران بدعم النظام بل جيشت الطائفة الشيعية في العالم للمشاركة في الحرب السورية بدعوى الدفاع عن مزارات الشيعة المقدسة التي تدعي وجودها في سوريا. فشكلت عشرات الألوية والكتائب كلواء أبو الفضل العباس، وحزب الله السوري، وبعض أجنحة الدفاع الوطني. وعملت هذه جميعا في ما مضى بالتعاون والتنسيق مع قوات الأسد، أو تحت إمرته في معظم الأحيان.
ولكن مع مرور الأيام واستمرار سقوط المدن بيد قوات المعارضة تحدثت تقارير عن قرار إيراني بتحويل تبعية هذه الفصائل للقرار الإيراني مباشرة. وهذا يدل على تغير شكل الدعم والسياسة الإيرانية المتبعة تجاه سوريا. لكن ما الهدف من كل هذا الدعم اللامحدود والذي قدر بحوالي 35 مليار دولار سنويا وما الثمن الذي يدفعه بشار الأسد في المقابل؟
كشف صحافي أردني مقرب من «محور المقاومة» على حد وصفه، في إطار حديثه عن رفضه للتقارب التركي – الإيراني على حساب الدعم الإيراني لسوريا معلنا عن رهن أراضٍ شاسعة، ومبانٍ حكومية، ومنشآت ومعامل تابعة للدولة السورية مقابل الدعم الذي يتلقاه نظام بشار الأسد لاستمرار حربه على الشعب السوري. وهذا للإشارة إلى أن سوريا لا تتلقى دعما مجانيا من أحد، هذا بالتزامن مع اعتراف صريح من بشار الأسد بإمكانية استباحة الأراضي السورية عبر مرسوم تشريعي يسمح ببيع وشراء الأراضي السورية على قاعدة الربحية والتشاركية مع أي قطاع أو جهة أو جماعة أو دولة تحت مظلة الشركات القابضة، وإعادة الإعمار. وكل ذلك لتسديد مجموعة من الديون المترتبة على النظام جراء حربه الشاملة التي يخوضها منذ أكثر من ثلاث سنوات.
يقول الناشط أبو حسام الدمشقي أن التغلغل الإيراني في سوريا قديم ومتجدد. فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية وجهت الأنظار إلى سوريا. فتم تحويل مسجد في جنوب دمشق إلى مزار شيعي على يد الإيراني الشيرازي، واعتبر في ما بعد قبرا مقدسا للسيدة زينب. وكان موسى الصدر في فترة سابقة قد غازل طائفة الحكم باعتبارها جزءا من الطائفة الشيعية.
واستمر هذا التغلغل – عن طريق علماء الدين – بالسيطرة على قطاعات كبيرة من الاقتصاد السوري. فأغرقت السوق السورية بالسيارات الإيرانية في قرار سياسي لمساعدة إيران اقتصاديا. وافتتحت إيران في ما بعد مصنع السيارات السوري الوحيد، وحصدت عقودا في أكبر الصفقات الاقتصادية. كما رفرف العلم الإيراني على عدد من مناطق العاصمة كحي المزة وسط دمشق حيث يبنى مبنى ضخم للسفارة الإيرانية الجديدة.
وفي الثورة ازدادت وتيرة هذه التحركات فأصبح الحراك الإيراني في دمشق خاصة ملحوظا. وشهدت عدة أحياء في دمشق موجة شراء كبيرة للمنازل والعقارات من قبل إيرانيين، أو أشخاص من الطائفة الشيعية أو العلوية، كحي العمارة الملاصق لقبر السيدة رقية الذي رفعت فيه الأعلام السود والصفر والحمر المزينة بالكتابات الشيعية.
وكذلك الأمر في حي زين العابدين في المهاجرين الذي تحول إلى ثكنة عسكرية كبيرة، ومخزن للسلاح وهجر معظم أهاليه. واستولت العائلات القادمة للقتال إلى جانب النظام السوري على منازلهم كما حدث في حي الجورة في الميدان.
وتواطأ نظام بشار الأسد مع التحركات الإيرانية لتشجيع مقاتلين للقدوم إلى سوريا. فقد أصدرت منذ حوالي العام قوانين جديدة تسمح بإعطاء الجنسية إلى مثل هؤلاء. وحاول عدد من التجار الذين يتعاملون مع الإيرانيين الاستفادة من الدمار والخراب الكبير الذي حل بالمناطق المحررة عبر إغراء الأهالي النازحين بالمال لشراء عقاراتهم. وجاءت هذه القرارات الأخيرة كاستمرار لهذه الممارسات عبر شرعنة التملك، وإدارة المناطق اقتصاديا وإداريا. وكل هذا يعني ابتلاع مناطق كاملة وإخضاعها للنفوذ الإيراني. وهذا عدا عن رهن العشرات من مباني وأملاك الدولة.
ففي أحد أحياء دمشق التي دمرت بشكل كبير، اضطرت عائشة – وهي امرأة مسنة تملك عددا من الأراضي في محيط دمشق الشمالي – إلى بيع إحداها ليتمكن أبناؤها من إعادة إعمار ما تدمر من منازلهم. وعندما عرض عليها المشتري سعر الأرض فوجئت بأن السعر مغر جدا. واعترف لمن جاء بالمستثمر بأن هذا الاخير «مستعد لأن يشتري كل الأراضي المحيطة بأرضها فهو مدعوم من رجل أعمال إيراني مقيم في الخليج».
ويبدو أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين بسيطرتهم على العاصمة دمشق وامتداد حدودهم إلى المتوسط لم تأت من فراغ، بالإضافة إلى أنهم يسعون إلى تدعيم هذا النفوذ بتحركات على الأرض تمثلت بالتملك والاستثمار وتوطين الأجانب وتغيير سوريا ديموغرافيا.
أحمد الدمشقي «القدس العربي» :