بعد أشهر من التصريحات والوعود، وفي أول خطوة عملية، أكد والي اسطنبول واصب شاهين أن الجهات المعنية بدأت بإجراءات فعلية لمنح الجنسية للاجئين السوريين في تركيا، في خطوة أعادت الجدل السياسي والاجتماعي الحاد حول هذه القضية مجدداً إلى الواجهة بالتزامن مع الاحتقان السياسي الذي تعيشه البلاد مع اقتراب موعد التصويت في الاستفتاء المقبل على التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي.
والي اسطنبول أكد في تصريحات صحافية أمس الخميس، أن الإجراءات في هذا الإطار بدأت بالفعل وأن ملفات 2000 لاجئ سوري تم تجهيزها بشكل نهائي وإرسالها إلى العاصمة أنقرة لمتابعة الإجراءات النهائية حولها.
ولكن وخلال أقل من ساعة وبعد الضجة الكبيرة التي أحدثها الخبر في وسائل الإعلام التركية ومواقع التواصل الاجتماعي، اضطر الوالي إلى اصدار تصريح آخر أكد فيه أنه لن يتم عملياً منح الجنسية للاجئين السوريين وإنما فقط تم تجهيز ملفاتهم وإرسالها للجهات المعنية في أنقرة لمتابعتها.
وفي السياق ذاته، أصدر مساعد رئيس الوزراء التركي ويسني كايناك بيان مشابه أكد فيه أنه لن يتم منح جنسيات للاجئين السوريين قبيل موعد الاستفتاء المقبل حول التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي في السادس عشر من نيسان/أبريل المقبل، مشدداً على أن النظر في طلبات الجنسية سوف يتم عقب الاستفتاء المقبل، و»الحكومة التركية لا تريد لهكذا موضوع أي يشوش على الاستفتاء المقبل». ويُظهر الرد السريع من قبل الوالي والحكومة مدى حساسية هذا الملف سياسياً واجتماعاً في البلاد، حيث تخشى الحكومة أن تستثمر المعارضة هذه القضية في الحملات المتصاعدة لحشد الشارع التركي للتصويت بنعم أو لا في الاستفتاء المقبل والذي يعتبره حزب العدالة والتنمية الحاكم «استفتاء مصيري» كما أنه سوف يحدد حجم شعبية الأحزاب في الشارع التركي.
ويعيش في تركيا قرابة 3 ملايين سوري، 250 ألف منهم في المخيمات الحدودية ويتلقون مساعدات كاملة من الحكومة التركية. أما الباقون فيتوزعون بين المحافظات المختلفة ويتلقون مساعدات محدودة في مجالي التعليم والصحة بالإضافة إلى تسهيلات الإقامة الإنسانية والعمل.
وقبل يومين، قال نائب رئيس الوزراء التركي إن هناك قرابة 20 ألف عائلة سورية بواقع 80 ألف شخص مناسبين لشروط المواطنة التي تم تخصيصها من قبل حكومة بلاده، لافتاً إلى أنه تم تأجيل موضوع تجنيس السوريين عقب عملية الاستفتاء على الدستور «وذلك لتجنب الاتهامات للحكومة بتجنيسهم بحجة دعم عملية التصويت على الدستور».
وبينما كشف عن أن الفحوصات الأمنية لجزء كبير من المرشحين لنيل الجنسية التركية ما زالت مستمرة، لفت إلى أن كلًا من حاملي إذن العمل، والمؤهلات العملية، بالإضافة إلى أصحاب المهن سيستفيدون من فرصة الجنسية التركية، مبينًا أن هناك أكثر من 10 آلاف عامل سوري في تركيا.
ويقصد بالعاملين هنا من حصلوا على تصريح إذن عمل رسمي ويزاولون أعمالهم بشكل قانوني، وهم بذلك تنطبق عليهم إلى حد كبير الشروط العامة للجنسية للتركية، لكن في المقابل يوجد مئات آلاف السوريين الذين يعملون بشكل غير قانوني ولا يحملون مؤهلات علمية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد في أكثر من خطاب له نية بلاده منح شريحة من اللاجئين السوريين الجنسية التركية موضحاً أنه سيتم التركيز على أصحاب الكفاءات والمؤهلات العلمية كالأطباء والهندسين وأصحاب المواهب، لافتاً إلى أن منح الجنسية ستساعد اللاجئين على العمل بشكل قانوني والاندماج بالمجتمع كمواطن لا يعتمد على المساعدات.
وكشف سابقاً عن انه «من الممكن أن يتم تطبيق ازدواج الجنسية بالنسبة للسوريين الذين من المتوقع منحهم الجنسية التركية»، حيث أن الحصول على الجنسية التركية ـ في أغلب الأحوال- يتطلب التخلي عن الجنسية الأصلية، ولفت إلى إمكانية منح المواطنين السوريين حق التملك في المشروعات السكنية التي تقوم الحكومة التركية ببنائها عن طريق مؤسسة «توكي»، حيث يدفع السوريون ثمنها بالتقسيط المريح وبأسعار مناسبة.
وأشار وزير الجمارك والتجارة التركي بولنت توفنكجي إلى أن «التركيز في عملية التجنيس يتم في هذه المرحلة على الأشخاص ذوي الكفاءات وغير المتورطين بجرائم»، وقال: «الحكومة عاقدة العزم على تفعيل آلية منح السوريين الجنسية للمساهمة في دخول أصحاب الكفاءات منهم إلى سوق العمل وتعزيز اعتمادهم على أنفسهم، وبالتالي إشراكهم في المساهمة بالاقتصاد التركي».
وطول الأشهر الماضية ومع كل تصريح عن إمكانية تجنيس اللاجئين، تصاعد النقاش الداخلي بين أنصار الحكومة التركية والمؤيدين للقرار وأتباع المعارضة الذين يعارضون خطط منح الجنسية للاجئين بقوة، ونظموا حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي وطالبوا بطرد اللاجئين.
لكن مبدأ منح الجنسية التركية إلى الأجانب هو أمر قانوني وغير جديد. وحسب القانون التركي يحق لأي شخص عاش في تركيا لمدة 5 سنوات متواصلة دون انقطاع التقديم وبدء إجراءات محاولة الحصول على الجنسية التركية. لكن الكثير من الأجانب الذين يعيشون في البلاد منذ سنوات طويلة وتنطبق عليهم الشروط ينتظرون لسنوات دون إتمام إجراءاتهم، التي تتسم بالبطء الشديد.
كما يمنح مجلس الوزراء التركي بشكل دوري الجنسية التركية بطريقة أسرع وأسهل ضمن كشوفات «الاستثناءات»، حيث يوقع وزير الداخلية ورئيس الوزراء على أسماء الأشخاص بشروط استثنائية ليس بالضرورة تنطبق عليهم الشروط العامة، وتشمل في كثير من الأحيان أشخاصا ذوي كفاءة عالية ولاجئين سياسيين وآخرين لأسباب سياسية وأمنية.
ويسود اعتقاد عام أنه سيكون من الصعب جداً على الرئيس التركي وحكومته تمرير قرارات سريعة لتجنيس أعداد لافتة من اللاجئين، بمعنى أنه من شبه المستحيل أن يحصل تجنيس على نطاق واسع مرة واحدة، وربما لن يتجاوز الأمر عشرات الآلاف في أبعد تقدير خلال السنوات القليلة المقبلة.
والاستثناء الأهم الذي سيتم منحه للسوريين بموجب الإجراءات الحاصلة الآن أن الشرط العام يتطلب الإقامة لمدة 5 سنوات متواصلة دون انقطاع طويل وأن يكون حاصل على إقامة عمل وهو ما لا يمتلكه اللاجئين السوريين، وبذلك ستعمل الحكومة على احتساب سنوات إقامة اللجوء والسياحة للسوريين ضمن السنوات الخمس التي يتم احتسابها كشرط للتقدم للحصول على الجنسية.
القدس العربي