تداولت وسائل التواصل الاجتماعي خبرا عن تصريح منحول على لسان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يُقصد منه المديح في الرئيس السوري بشار الأسد بدعوى أنه أدان الانقلاب الفاشل في تركيا في الوقت الذي طعنت فيه أمريكا وأوروبا… والسعودية إردوغان في الظهر. تتبع الناشطون الخبر المنقول، زعماً، عن صحيفة «صباح» التركيّة الموالية للحكومة واتصلوا بمسؤولي التحرير فيها الذين أنكروا نشر هذا الخبر وأكدوا عدم صحّته.
والحال أن بورصة التكهّنات السياسية حول انعطافة تركية مقبلة في الموضوع السوري قد ارتفعت إثر لقاء الزعيم التركي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة أمس الجمعة ولقاؤه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لتزيد قوة الحديث في هذا الاتجاه.
ترتكز التكهنات المذكورة على فكرة أساسية وهي أن وقف روسيا عقوباتها الاقتصادية على تركيّا سيكون له ثمن سياسيّ، وهي فكرة صحيحة من حيث المبدأ.
توقع الرئيس التركي خلال لقائه بنظيره الروسي أن يصل حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين إلى 100 مليار دولار، وكان حجم التبادل الاقتصادي بينهما قد وصل إلى 35 مليار دولار ولكنه انخفض بعد أزمة إسقاط المقاتلة الروسية إلى حدود 28 مليار دولار.
كانت روسيا في العام 2015 هي البلد الثاني في حجم الصادرات التركية، ولكنّ روسيا، ايضاً، من جهة أخرى، كانت البلد الثالث في حجم الصادرات إلى تركيا، وهو ما يعني، في هذه الناحية بالذات، أن الضرر الاقتصادي الناتج عن العقوبات التي أقرّتها موسكو كان باتجاهين.
الجانب الثاني الذي أثر على الاقتصاد التركيّ بسبب تراجع العلاقات مع روسيا كان انخفاض عدد السيّاح الروس بنسبة 87٪ خلال الشهور الستة بعد العقوبات، وأدّى إلى خسارة إجماليّة تبلغ 840 مليون دولار، لكنّ الأمر الذي لم يتحدّث عنه الاقتصاديون هو أن جزءاً من هذا المبلغ تم تعويضه من خلال تشجيع السياحة الداخلية في تركيا، وكذلك عبر تسويق السياحة من بلدان أخرى غير روسيا.
الجانب الثالث للعلاقات بين البلدين هو قطاع الطاقة، وهو، بشكل كبير، يقدّم منافع لروسيا أكثر مما يفعل لتركيا، فقد استورد الأتراك في العام الماضي 27 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، كما أنهم كانوا، قبل العقوبات، بصدد استثمار 25 مليار دولار لإنشاء محطة نووية يقوم الروس بالإشراف عليها وتجهيزها.
يضاف إلى مشروع «السيل التركي» العملاق الذي يؤمن عبور الغاز الروسي عبر الأراضي التركية نحو أوروبا، وهو أيضاً مشروع استراتيجيّ لروسيا يخرجها من تبعية مروره عبر أراضي خصمها الأوكراني، ويؤمّن طريقة أسرع (وبالتالي أوفر) لوصول الغاز إلى الأسواق الأوروبية. يحب الرئيس الروسي، حتى في مواضع غير سياسية، أن يتحدث عن الجغرافيا السياسية (جيوبوليتيك) وهو أمر في صلب استراتيجيات أكبر البلدان مساحة في العالم، لكن هذا ينطبق على تركيّا أيضاً التي تشكّلت قوميّاً في أواسط آسيا واستقرّت كأمّة في بر الأناضول، وتمدّدت في وعيها التاريخي القريب لتصبح امبراطورية جغرافية هائلة، كما أنها، حاليّا، في موقع تشابك تاريخيّ يطلّ على آسيا وأوروبا والعالم العربي.
يحمل اجتماع بوتين وإردوغان، في طيّاته اعترافاً من الزعمين وبلديهما، أنهما غير قادرين على تحمّل تكاليف اشتباكهما اقتصاديّاً، في الوقت الذي يعاني فيه بوتين من عقوبات أوروبية وأمريكية ضدّه بخصوص الموضوع الأوكراني، كما يعاني إردوغان من الضغط الأمريكي والأوروبي عليه بخصوص الأكراد والاحتجاجات على الحجم الكبير لحملة التطهير ضد جماعة غولن.
الانعطافة بهذا المعنى، ذات طابع اقتصاديّ كبير، أما التصريحات عن «الأخبار الجيدة» في الموضوع السوري، حسب تصريح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، فهي البهارات الضرورية للطبخة الأساسية التي موضوعها الاقتصاد.
القدس العربي