تسبب الإضراب الذي دعت له نقابتا التعليم في شمال وجنوب اليمن، مستهل هذا الأسبوع، إلى تعطيل العمل في جميع المدارس الحكومية في البلاد (16 ألف مدرسة يلتحق بها خمسة ملايين ونيف طالباً وطالبة) وهو ما يضاعف من التعقيدات التي تعوق العمل في قطاع التعليم في هذا البلد الجريح، الذي يواجه كثيراً من المشكلات جراء تداعيات الحرب المستعرة هناك منذ ثلاث سنوات.
واشترطت «النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية» في صنعاء لرفع الإضراب أن تعمل وزارة التربية والتعليم في سلطة الأمر الواقع على استئناف تسليم رواتب المعلمين المنقطعة منذ عام… فيما طالبت «نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين» من وزارة التربية والتعليم في حكومة الرئيس هادي معالجة حقوق المعلمين في المحافظات الجنوبية والشرقية، وهي حقوق مطلبية مستحقة، وتضمنها بيانها الأخير (الجمعة)، وتقول النقابة عبر ممثلها في عدن لـ«القدس العربي» إن المعلمين يستلمون رواتبهم بانتظام هناك؛ لكن الحكومة أخلت بالتزامها في ما يتعلق بمعالجة استحقاقات المعلمين ولم تنفذ ما تم الاتفاق عليه بشأنها الشهر الماضي».
صندوق وضرائب
وانتهت مشاورات حكومة سلطة الأمر الواقع في صنعاء مع «النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية»، إلى تأجيل بدء العام الدراسي (أسبوعين) حتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر، وتكليف صندوق التعليم (تحت الانشاء) إدارة مالية العام التعليمي عبر فرض ضرائب إضافية بمقدار مائة ريال لكل اسطوانة غاز، ومائة ريال في كل 20 لتر بنزين، وريال واحد على اسعار الاتصالات (الدولار = 370 ريال يمني).
وكانت النقابة في صنعاء قد طالبت في بيان الشهر الفائت، جميع التربويين في عموم محافظات البلد، وعددهم 250 ألفاً (160 ألفا منهم في المحافظات الشمالية الخاضعة لسلطة تحالف الحوثي/ صالح) إلى الإضراب الشامل والمفتوح ابتداءً من أوّل يوم من العام الدراسي الجديد (2017 ـ 2018).
ووفق التقويم المدرسي لوزارة التربية والتعليم في «حكومة الإنقاذ الوطني» (شكلت في صنعاء مناصفة بين تحالف الحوثي صالح لإدارة مناطق سيطرتهما)، قد أقرت بدء العام الدراسي من 30 سبتمبر/أيلول، لكنه تعثر بسبب إصرار المعلمين هناك على تنفيذ الاضراب على الرغم من صدور خطابات من الوزارة عينها للسلطات المحلية والمركزية (في مناطق النفوذ) باتخاذ اللازم بما يضمن بدء الدراسة في المدارس. لكن النقابة شدّدت «على أن رفع الإضراب مرهون باستلام الرواتب».
وفي تصريح لـ «القدس العربي» أكد أمين عام «النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية» عصام العابد، التزام النقابة بما أعلنته في بيانها الأخير، وقال: نحن مصرّون على الالتزام بالإضراب حتى دفع رواتب المعلمين؛ فحقوق المعلمين لا يمكن التنازل عنها لا سيما وقد مضى عام كامل تجرع فيها المعلمون الويلات وهم يؤدون واجبهم دون رواتب منذ قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر/ أيلول 2016. وأضاف: نحن نقدر تماماً ما يمر به البلد من ظرف استثائي لا سيما بعد قرار نقل البنك المركزي بالإضافة إلى ما يتعرض له اليمن من عدوان (قوات الرئيس هادي والتحالف العربي بقيادة السعودية)، ولهذا فقد سعينا مع «حكومة الإنقاذ الوطني» إلى إيجاد آليات تضمن توفير حقوق المعلمين وفي ذات الوقت استئناف العمل حفاظاً على حقوق الطلاب في استمرار العملية التعليمية.
وأشار إلى أهمية ما اعتبره «استشعار كافة السلطات مسؤولية النأي بالتعليم عن السياسة وعدم إقحامه في الصراعات». وأكد» لا يمكن رفع الاضراب بدون معالجة تقضي بتسليم الرواتب». وشهدت صنعاء قبيل موعد بدء العام الدراسي (مستهل الأسبوع الجاري) لقاء بين رئيس الوزارة في سلطة الأمر الواقع مع قيادات نقابية لمناقشة إمكانات رفع الاضراب مقابل بحث سبل توفير موارد صرف رواتب المعلمين في المحافظات الشمالية… وهو ما انتهى إلى تسوية مفادها: انشاء «صندوق التعليم» وتحصيل ضرائب إضافية كموارد دائمة للصندوق… وبناء عليه تم تأجيل بدء العام الدراسي.
لكن هذه الخطوة وفق مراقبين قد لا تؤدي إلى نتيجة يمكن لمسها خلال أسبوعين بما يضمن رفع الاضراب؛ لأن الفترة ليست كافية لاستكمال الإجراءات الخاصة بإنشاء الصندوق وفرض الضرائب الجديدة وتحصيلها وتوفير المرتبات الكافية، لا سيما في ظل إصرار النقابة على موقفها المتمسك بربط رفع الاضراب باستلام الرواتب؛ وهو ما يعزز من احتمالات توقف التعليم في المدارس الحكومية شمالا هذا العام ما لم يتم التعامل مع المشكلة بخطوات عملية واقعية تستشعر المسؤولية تجاه استمرار العملية التعليمية من جهة ومن جهة أخرى تستشعر معاناة المعلمين والأعباء الملقاة على كواهلهم بعد عام من انقطاع صرف رواتبهم.
إلى ذلك ووفق مصادر فإن التسوية التي انتهت إليها حكومة صنعاء ستضع البرلمان في الواجهة باعتباره سيكون المعني بإقرار مشروع انشاء «صندوق التعليم» والموافقة على قانون موارده الضريبية التي ستضاعف من معاناة المواطن.
وكانت النقابة قد أصدرت بيانها الأول بهذا الشأن في 27 يوليو/تموز أكدت فيها على مطالبها الملحة بشأن الرواتب، محذرة من أنها ستتجه لإعلان الاضراب الشامل في حال لم يتم معالجة حقوق المعلمين «الذين يعانون حالة مادية متدهورة جراء استمرار انقطاع الرواتب لنحو عام»… إلا أن ذلك لم يلق آذاناً صاغية لتصدر النقابة بيانها الثاني داعية فيه إلى الاضراب الشامل في جميع المدارس حتى يتم صرف الرواتب المعلمين.
على مستوى صنعاء، وككل المحافظات اليمنية الشمالية، اقتصر انطلاق هذا العام الدراسي على المدارس الاهلية فقط، وعددها في العاصمة وفق تقديرات رسمية 560 مدرسة أهلية يدرس فيها 165 ألف طالب وطالبة، فيما أوقف الاضراب العمل في 480 مدرسة حكومية تضم زهاء 600 ألف طالب وطالبة.
الاضراب والجنوب
إلى ذلك صعّدت في عدن «نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين» من احتجاجها على عدم التزام وزارة التربية والتعليم في حكومة الشرعية تنفيذ ما تم الاتفاق مع النقابة في سبتمبر/ أيلول الماضي، وعدم صرف رواتب المعلمين الجنوبيين المنقولين من المحافظات الشمالية وكذا المعلمين المتقاعدين بالإضافة إلى تسوية أوضاع المعلمين الملتحقين في 2011 ومطالب أخرى.. ووفق ما قاله ممثل النقابة في عدن حسين الجعدني لـ«القدس العربي» فقد كان تم الاتفاق على جدولة تنفيذ تلك المطالب مع الوزارة بدءاً من 30 سبتمبر/أيلول، إلا أن الوزارة تجاهلت ذلك؛ ما أضطر النقابة، بعد رفع الشارات الحمراء، لعدة أيام خلال بدء العام الدراسي، إلى إعلان الاضراب الشامل في مدارس ومكاتب التربية في المحافظات الجنوبية والشرقية بدءاً من الأحد الماضي الأول من أكتوبر/تشرين الأول، «بعد أن نكثت وزارة التربية والتعليم وعودها بالاستجابة للمطالب الستة التي قدمتها النقابة» وفق بيان صدر الجمعة.
وأكدت النقابة أنه «بعد استنفاد كل السبل والوسائل المتاحة مع وزارة التربية والتعليم فيما يسمى بحكومة الشرعية للحصول على مستحقات المعلمين والتربويين الجنوبيين، قد اضطرت النقابة العامة مجبرة وغير راغبة إلى إعلان الإضراب العام والشامل عن العمل في جميع المدارس والثانويات والمكاتب الإدارية التربوية والمرافق التابعة لها في جميع المحافظات والمديريات في جنوبنا الحبيب».
وأوضح النقابي الجعدني: كنا اتفقنا مع الوزارة على جدولة تنفيذ مطالبنا الستة ذات العلاقة بالمعلمين المنقولين والمتقاعدين والتسويات والعلاوات وغيرها على أساس أن يتم حلها وفق إمكانات الوضع الراهن، وتم توقيع اتفاق مع الوزارة على أساس ان يتم معالجة وضع المعلمين المنقولين بحلول 30 سبتمبر/أيلول، فيما يتم معالجة وضع المتقاعدين خلال 30 أكتوبر/ تشرين الأول… إلا أن ذلك لم يتم فلم يكن أمامنا سوى الاضراب. وكشف عن تفاعل يجري حالياً من جهة الوزارة لمعالجة مطالب النقابة، معرباً عن أمله أن تكون الوزارة بمستوى المسؤولية هذه المرة. وانتقد الجعدني ما اعتبره قيام الوزارة بطباعة الكتاب المدرسي «بكلفة خمسين ألف دولار فيما استلمت عشرة ملايين دولار مقابل ذلك من التحالف العربي»… وقال: «لم يوزع من المنهج المدرسي في عدن سوى ما يتعلق بالصفوف من الأول إلى الرابع أساسي فيما يباع بقية المنهج لبقية الصفوف في السوق السوداء في عدن».
تحذيرات يونيسيف
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» قد حذرت عبر مكتبها في اليمن خلال سبتمبر/ أيلول الماضي من أن 4.5 مليون طفل يمني قد لا يستطيعون العودة لمدارسهم في العام الدراسي 2016/2017 بسبب توقف صرف مرتبات المعلمين.
وتأثر التعليم في اليمن بشدة جراء الحرب المستعرة هناك، حيث لم يعد من الممكن استخدام ما يصل إلى 1600 مدرسة بسبب تعرّضها للدمار الكلّي أو الجزئي أو استخدامها لاستضافة أسر نازحة أو تستخدمها جماعات مسلحة علاوة على عدم استطاعة 80٪ من أصل ستة ملايين طالباً وطالبة من الحصول على الكتاب المدرسي لتعذر طباعته… وفق تقرير أصدرته «يونيسيف» في وقت سابق.
وتشهد البلاد منذ ثلاث سنوات حرباً بين القوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي مدعوماً بتحالف تقوده السعودية وبين مسلحي جماعة «أنصار الله»(الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس السابق على عبد الله صالح…تسببت في تدمير معظم مقدرات البنية التحتية وتراجع كبير في اقتصاد البلد وتدهور الوضع المعيشي والصحي؛ لتشهد اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم وفق الأمم المتحدة.
القدس العربي _ أحمد الأغبري