النظام وروسيا يحولان حلب إلى جحيم والضحية دوماً هم المدنيون

الحملة المكثفة لطيران النظام على مدينة حلب، والتي استمرت اثني عشر يوماً، زادت من أوجاع المدينة وعمقت جراحها التي لم تندمل، حيث استهدف طيران نظام الأسد وحليفه الروسي الأحياء السكنية ومرافق الحياة المدنية سعياً إلى قتل عوامل الحياة في أقدم مدينة مأهولة في العالم.
وعن أهداف النظام وروسيا من حملة القصف المكثفة يقول الصحافي أحمد بريمو لـ»لقدس العربي»: «الهدف من الحملة تهجير أكبر عدد ممكن من المدنيين من سكان مدينة حلب نحو الأرياف ومدينة إدلب، تمهيداً لعمل عسكري للسيطرة على المدينة أو إحكام الطوق عليها».
ويضيف بريمو: «بالتأكيد فالنظام ليس حريصاً على سلامة المدنيين، إنما الهدف من تهجيرهم هو إفراغ المدينة من سكانها المدنيين، ولاحقاً محاربة المتبقين في المدينة من الثوار والمسلحين ليظهر أمام العالم أنه يقاتل مسلحين فقط، ويمكن أن يتكرر حينها ما حصل في حمص القديمة من تغيير ديموغرافي أساسه طرد أو إجبار سكان مدينة حلب الأصليين على النزوح، واستبدالهم بسكان جدد، ربما من أسر الميليشيات الطائفية والمقاتلين الأجانب الذين يقوم النظام باستقدامهم لقتال الشعب السوري».
ورغم كل المناشدات الإنسانية إلا أن الواقع الذي عاشه أهالي حلب خلال حملة القصف المركز كان مريراً، ولم تشهد المدينة واقعاً أشد مرارة منه حتى خلال حملة القصف بالبراميل المتفجرة التي استمرت أكثر من ثمانين يوماً منذ عامين ونصف.
وعن هذا الواقع يقول بيبرس مشعل، رئيس مركز باب النيرب في الدفاع المدني السوري: «الوضع الإنساني كان مرعباً بالنسبة للمدنيين داخل المدينة، فالطيران كان مستمراً بقصفه، مستهدفاً التجمعات السكنية والمرافق الخدمية، وحالة الرعب في المدينة أجبرت الناس على عدم التحرك في الشوارع».
وحسب إحصائيات الدفاع المدني فقد بلغ عدد الشهداء أكثر من 280 شهيداً خلال فترة الحملة الدموية للنظام، وأكبر مجزرة كانت في مشفى «القدس» حيث بلغ عدد الشهداء 59 شهيداً وحوالي تسعين مصاباً.
وحول خيارات النزوح لأهالي المدينة المنكوبة يقول بريمو: «نجح نظام الأسد من خلال حملته بتهجير عدد لا بأس به من المدنيين، لكن العدد الأكبر ليس لديه خيارات النزوح وبقي موجوداً في مدينة حلب، بسبب تخمة النازحين في إدلب وريفها، ولا يوجد إمكانية للنزوح إلى ريف حلب الشمالي بسبب احتلال معظمه من قبل ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، ولا يمكن النزوح إلى تركيا التي تغلق حدودها، مما اضطر أغلب سكان مدينة حلب للبقاء بانتظار البرميل أو الصاروخ الذي سيحمله للنزوح إلى السماء».
ويفنّد بريمو مزاعم النظام وروسيا أن الحملة تستهدف «الإرهابيين»، قائلاً: «بالعودة للإحصائيات والأرقام والصور التي وثقتها عدسات الناشطين والمصورين الصحفيين خلال الحملة الأخيرة، نجد أن الاستهداف بشكل كامل هو للمدنيين والمناطق السكنية المأهولة، ولم يتم استهداف مقرات عسكرية لجبهة النصرة أو للجيش الحر أو أي فصيل آخر، علماً أن هذه المقرات معروفة للجميع، سواء النظام أو الروس أو الأمريكان، بينما كانت الحملة تستهدف المنشآت المدنية، مثل المشافي والمستوصفات ومراكز الدفاع المدني إضافة للمباني السكنية».
وفي ظل القصف المكثف على المدينة كان الحاضر الأبرز هو الدفاع المدني السوري الذي تحمل العبء الأكبر في إنقاذ المدنيين.
وعن عمل الدفاع المدني خلال الحملة، يوضح بيبرس مشعل: «كان عمل الدفاع المدني هاماً جداً وفي ظروف خطرة، حيث كان النظام ينفذ يومياً بين ثلاثين إلى أربعين غارة جوية، ما عدا البراميل المتفجرة. وانتشرت فرق الدفاع المدني في كل مكان في أحياء مدينة حلب المحررة، والحمد لله كنا قادرين على تغطية كل الضربات وكل المجازر وكل أماكن القصف، إضافة لأماكن الحرائق التي تسبب بها القصف».
من ناحية المباني المستهدفة هنالك الكثير من الأبنية السكنية التي تم قصفها من قبل النظام، إضافة إلى العديد من المرافق، مثل بعض مراكز الدفاع المدني التي لم تكن إصابتها دقيقة، إضافة إلى قصف مشفى «القدس» ومركز طبي في بستان القصر ومستوصف في حي المرجة.
وانطلقت الكثير من الحملات الإغاثية والإنسانية لدعم أهالي مدينة حلب، ومنها حملة «استجابة – أنقذوا حلب» التي أطلقها «فريق ملهم التطوعي». ويشرح عاطف نعنوع، مدير الفريق، أسباب الحملة الإغاثية بقوله: «الوضع الإنساني في مدينة حلب كان سيئاً جداً قبل الحملة المكثفة التي تعرضت لها المدينة مؤخراً، وبالتأكيد فقد ازداد سوءاً بعد مئات الغارات وقرابة ثلاثمئة شهيد، وبعد استهداف المشافي والكوادر الطبية. فمدينة حلب بحاجة للكثير من المساعدات الإنسانية، كما إنها بحاجة لكوادر طبية جديدة وخاصة في قطاعي طب الأطفال والنسائية».
وأطلق فريق ملهم التطوعي حملة «استجابة – أنقذوا حلب» في الخامس من شباط/فبراير الماضي، بعد الهجوم على ريف حلب الشمالي ومدينة حلب وريف حلب الجنوبي، وجدد الفريق الحملة بعد الوضع الاستثنائي الذي شهدته المدينة في الأسبوعين الماضيين. ويضيف نعنوع: «حالياً نسعى لتأمين احتياجات العائلات التي غادرت منازلها، بالإضافة إلى محاولتنا دعم المدينة من النواحي الطبية وتأمين ما نقدر عليه من نواقص، وليس صحيحاً ما يشيعه البعض من أن حلب ليست بحاجة لمساعدة، فالمدينة في وضع لا تحسد عليه، ونحن نعمل على دعم حلب بالتنسيق مع المجالس الطبية والإغاثية في المدينة».
ومع الدمار الكبير في البنية التحتية الذي يتسبب به القصف الجوي، يعمل مجلس مدينة حلب الحرة على تأمين الخدمات الأساسية لسكان المدينة، وعن ذلك صرّح المهندس بريتا حاجي حسن، رئيس المجلس لـ«القدس العربي» قائلاً: «بالنسبة إلى واقع العمل في المجلس فهو مستمر بكامل طاقته ولم يتأثر نهائياً بحملة قصف النظام المركز على مدينة حلب، وخلال الأيام التي اشتد فيها القصف كان هنالك عمل بظروف خطرة للغاية، وكان تحرك عمال المجلس حذراً جداً».
وحول ظروف العمل الاستثنائية يضيف المهندس حاجي حسن: «هناك تقصير من قبل مجلس المدينة من ناحية فتح الطرقات وإزالة الأنقاض، لأن حجم الدمار يفوق الوصف، وإزالة آثاره أمر يصعب إنجازه من خلال إمكانياتنا وآلياتنا، ورغم ذلك نعمل حالياً بكامل جهودنا على فتح الشوارع الرئيسية الأكثر حيوية».
وبعد الكثير من المطالبات بوقف الأعمال العسكرية التي تستهدف المدنيين في حلب، أعلنت روسيا هدنة لمدة 48 ساعة، بدأت في الساعة الواحدة من ليل الخميس الفائت، ما أتاح فرصة قصيرة لكوادر العمل المدني في المدينة لالتقاط أنفاسهم، والاستعداد لمرحلة ما بعد الهدنة.
ويتحدث بيبرس مشعل عن استعدادات الدفاع المدني قائلاً: «بالنسبة إلى مرحلة ما بعد الهدنة، في حال كثف النظام غاراته الجوية على مدينة حلب، فنحن جاهزون إن شاء الله، ووزعنا فرقاً في كل أحياء المدينة، ومستنفرون 24 ساعة، وإن شاء الله سنبقى صامدين وجاهزين لكل حالات المجازر، التي نتمنى أن تنتهي ويتوقف شلال الدم في مدينة حلب وباقي المناطق السورية».
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها المدن السورية الخارجة عن سيطرة النظام، ومدينة حلب بشكل خاص، إلى حملات عسكرية تستهدف المدنيين. لكن الحملة الراهنة كانت الأقسى والأعنف بسبب عدد الغارات الجوية الكبير والمتتابع، وكانت الأكثر تأثيراً على الحياة المدنية كونها استهدفت مرافق الحياة العامة من مشافٍ ومستوصفات ومراكز دفاع مدني، في ظل سياسة «غضّ بصر» من المجتمع الدولي عن الكارثة الإنسانية التي تعيشها مدينة حلب.
القدس العربي