بدأت الثورة السورية في عموم المحافظات بمظاهرات سلمية نادت بالحرية وإسقاط النظام ليواجهها الأخير بالرصاص ويقود هذه الثورة نحو الكفاح المسلّح للدفاع عن النفس.
خرجت بعض الأسلحة الخفيفة من أقبية البيوت في الأرياف وبدأت الانشقاقات الفردية تتوالى مشكّلة ما سمّي حينها بـ»الجيش السوري الحر» والذي افتقد في الفترة الأولى للخبرة والحنكة العسكرية في التعامل مع آلة النظام التي أسسها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد منذ أن كان وزيراً للدفاع عام 1966.
وبدأ مقاتلو المعارضة السورية المسلحة بالسيطرة على المناطق الصغيرة داخل المدن الرئيسية كما حدث في باباعمرو وحمص القديمة في محافظة حمص وفي داريا بريف دمشق وغيرها من المناطق التي تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة للنظام ليقوم الأخير باستغلال هذا الأمر فيحاصر مقاتلي المعارضة في كلّ مرة و يدمّر المنطقة عن بكرة أبيها ثمّ يقوم بإخلائها من مقاتلي المعارضة والأهالي معاً محققاً هدفه بتغيير ديمغرافي في بعض المناطق التي يريدها لتشكيل ما سماه رأس النظام في سوريا ذات يوم «سوريا المفيدة».
ويقول أحد الضابط المنشقين عن النظام لـ»القدس العربي» وهو برتبة رائد ويدعى أبو حسّان: «من أسس المعارك التي تقام في المناطق المعادية هو عدم الاحتفاظ بالأرض، فالهدف من المعارك تكبيد العدو خسائر وليس التمسك بالأرض وخاصّة إذا كانت هذه المناطق ذات أهمية استراتيجية للعدو والذي سيقوم بحشد واستنزاف قواته من أجل الحصول عليها، وبرأيي إن الاحتفاظ بمناطق صغيرة داخل مدن رئيسية من قبل الثوار السوريين هو عمل خاطئ لأن النتيجة الحتمية ستكون خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات».
ويضيف «في العلم العسكري، حصار أي منطقة يعني استسلامها، وبالأخص في حالة عدم التكافؤ مع العدو وعدم التكافل مع الجهات والفصائل المحيطة، فمن الملاحظ من خلال مناطق عدة تم حصارها أن النظام يستخدم جميع أنواع الاسلحة التي تؤدي عمداً إلى تدمير المنطقة في حين لم تقم الفصائل المجاورة لها بتنفيذ أي عمل لنجدتها فكانت النتيجة الحتمية تدمير المنطقة بالإضافة إلى خسائر في الأرواح والعتاد».
وعن الخطة العسكرية الصحيحة التي يجب على الثوار اتباعها في المناطق القابلة للحصار يقول أبو حسّان: «الطريقة المثلى في هذه الحالات هي تكبيد العدو الخسائر بالضربات النارية السريعة والحازمة وعدم الاحتفاظ بالأرض، بالإضافة إلى المناورة بالنار وضرب الأهداف بشكل خاطف وسريع وتنفيذ الكمائن وبالتالي حرمان العدو من استخدام هذه المنطقة».
من جهة أخرى، لم يعد يخفى على أحد ما يخطط له النظام ومن خلفه إيران وروسيا في إحداث تغيير ديمغرافي في سوريا، بدأ منذ استهداف بناء العقارات العامّة في مدينة حمص عام 2012 والذي يحتوي على وثائق الملكية لأهالي المدينة ولم ينته عند تهجير أهالي داريا، فبعد حصار الثوار في منطقة ضيقة وإغلاق كافة المنافذ وانتهاج سياسة التجويع كوسيلة لإخضاع السكان وتهجيرهم، يقوم النظام بإحضار الباصات الخضراء وترحيل السكان الأصليين إلى مناطق شمال البلاد.
وعن هذا الموضوع يقول الخبير الاستراتيجي والعسكري فايز الدويري في تصريح لـ «القدس العربي»، «العملية التي تتم هي عملية ترانسفير بكل ما في الكلمة من معنى، أي تهجير السكان من مناطق أطلق عليها رأس النظام بشار الأسد اسم سوريا المفيدة».
ويضيف «لا نستطيع تجزئة أفعال النظام في حمص وداريا وغيرهما، لأن عملية التهجير التي يتبعها ممنهجة من أجل تحقيق سوريا المفيدة التي تمتد من اللاذقية ـ طرطوس ـ بانياس – حماه ـ حمص ـ القلمون – دمشق إلى السيدة زينب، فالحديث في الأسبوع المنصرم كان عن داريا وإخراج المقاتلين وذويهم، وبعدها قام جيش النظام بعملية نهب البيوت، اليوم نتحدث عن المعضمية وفي المرحلة المقبلة سنتحدث عن حي الوعر، إذاً نحن هنا أمام مشروع ايراني برعاية روسية من أجل تغيير ديمغرافي حقيقي في سوريا».
وحسب عدة مراكز دراسات عسكرية ومن خلال متابعة سير المعارك في سوريا يظهر جلياً أن النظام يستميت في القتال داخل المناطق التي رسمها ضمن حدود دويلته العلوية، حتى خلال وقف إطلاق النار، بينما لا يكون ذلك في المناطق الشرقية أو البادية أو الجزيرة، على سبيل المثال دير الزور والرقة خارج سيطرته منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم تشن قوات النظام أي معركة تذكر أو محاولة لاستعادة مناطقه.
ثائر الطحي_القدس العربي