في سعيه لتمكين سيطرته على مدينة حماة يجلب النظام من يؤيده إليها ليسكنوا فيها، وخصص أجزاء من مشاريع البناء في بعض أحياء حماة لمن يدعوهم عائلات وأبناء الشهداء.
ويؤكد ناشطون ان النظام عزز المدينة عسكرياً من خلال الألوية والقطع العسكرية الموجودة فيها، كاللواء 47 وأفرع الأمن السياسي والعسكري والجوي، وأمن الدولة.
كما يعد مطار حماة العسكري، الذي يقع في طرف المدينة المحاذي للريف الغربي، أكبر قطعة عسكرية ، ويتولى مهمة قصف قرى ريف حماة، كما يحوي داخله أكبر وأقسى معتقل للنظام في المدينة، ومنه تقصف طائرات النظام المناطق المحررة في المنطقة الوسطى، فضلاً عن حملات الإعتقال العشوائية وملاحقة أقارب المعتقلين والمطلوبين أمنياً، ثم اعتقال المطلوبين للخدمة العسكرية الإحتياطية والزج بهم في صفوف الجيش الأمامية، وتلتها حملات اعتقال لكل من هم في سن الخدمة العسكرية، وبهذا أصبحت المدينة مهيأة للتغيير وبشروط مثالية فلم يبق فيها من فئة الشباب إلا القليل ممن يعيشون بحذر شديد، كما تقول أم أنس لـ «القدس العربي» وهي والدة أحد المعتقلين في سجون النظام.
وبحسب شهادة أم أنس صارت غالبية سكان المدينة من الفئة العمرية التي شهدت أحداث مذبحة حماة في الثمانينات، والتي تعيش داخل المدينة بصمت من دون أن تتدخل بشيء بسبب كمية الخوف المزروعة داخلها من نظام الأسد في تلك الأيام، وتصف أم أنس هذه الفئة بأنها أكثر فئة كان يستفيد منها النظام وما زال، فهي تبث الرعب بمن حولها، وتربي أولادها على الصمت والخوف من النظام، خصوصاً العائلات التي فقدت أبناء لها في ثورة 2011.
واستقبل النظام في حماة عدداً من النازحين من بقية المدن السورية المدمرة بعد أن دمر مدنهم، وتهيئة جوٍ من الأمان داخل المدينة، وهذه الفئة تخشى الخروج من سوريا بعد أن شاهدت التجارب السابقة والتي أصبحت عبرةً لها كالإخوان المسلمين الذين خرجوا من سوريا ولم يستطيعوا العودة إليها، وكثير من المعارضين أو حتى من لا علاقة لهم بالأحداث لكنهم بعد خروجهم من سوريا تم تصنيفهم مع المعارضين وصارت العودة إلى سوريا بالنسبة لهم حلماً بعيداً.
وهنا بدأ النظام بضخ مؤيديه إلى داخل حماة والتي كانت محرمة عليهم في ما مضى حيث كانوا يعتبرونها مدينة العصيان وخصوصاً بعد أحداث الثمانينات بدأ النظام بإسكان مؤيديه في الأحياء المتطرفة من المدينة مثل حي ضاحية أبي الفداء، وأجزاء من حي البعث، وبعض الأحياء البعيدة عن مركز المدينة بحسب شهادات سكان حماة،. ويقول رامي أبو رياض أحد سكان حي الأندلس: «بعد انتشار عناصر النظام وحواجزه في كل مكان من المدينة بدأنا نشاهد وجوهاً غريبة، ونسمع لهجات لم نكن نسمعها داخل المدينة، وكان ظاهراً أن هؤلاء الناس أتوا من مناطق الساحل والريف الغربي المؤيد للنظام والذين لم يسكنوا من قبل داخل حماة أبداً».
ويضيف لـ «القدس العربي»: «سابقاً كانت هذه الفئة من مؤيدي النظام تعمل داخل مؤسسات الدولة فقط، ولم تكن تسكن داخل المدينة، لكنهم اليوم ينتشرون بأعداد كبيرة، ويحصلون على تسهيلات كبيرة من قبل النظام أكثر من أهالي حماة في كل المجالات كالحصول على الوقود، والمعونات الإغاثية كما وصل الأمر بالنظام إلى أن يخصص لهم طرقاً خاصة للتسهيلات تحت عناوين أبناء الشهداء، وأقرباء حماة الديار …».
ويختتم رامي حديثه: أصبحنا نشعر أننا غرباء داخل بلدنا بعد أن أصبحت كل التسهيلات لهذه الفئة، وبتنا نُعامل كمن ليست لهم حقوق.
في حين يقول مظهر أبو علي أحد سكان حي طريق حلب في المدينة: «استباح النظام كل البيوت الفارغة وخصوصاً بيوت المطلوبين أمنياً الذين خرجوا من المدينة هرباً من الإعتقال، فانتقم منهم بطريقته الخاصة حيث منح هذه البيوت لعملائه ومؤيديه».
ويضيف: «لقد استطاع النظام بهذه الطريقة تغيير ديموغرافية المدينة بنشر مؤيديه بين سكانها الأصليين، وهؤلاء بدورهم يراقبون تحركات الناس ويعملون كمخبرين في أماكن تواجدهم، فتصبح للنظام عيون في كل مكان من المدينة».
وبحسب شهادات السكان فإن مؤيدي النظام هم أصحاب حصة من كل المعونات التي يتم توزيعها في المدينة، وكل معاملاتهم في الدولة تنفذ بسهولة، ويجتازون كل العقبات تحت اسم أبناء الشهداء وأقاربهم، وفي الفترة الأخيرة بدأ النظام بالاشتراط على أصحاب العقارات والإنشاءات بتخصيص حصة من كل عقار يتم بناؤه لعائلات وذوي الشهداء لكي يضمن تواجدهم في كل مكان من المدينة.
القدس العربي