لا يأتي الأردن بجديد ميدانياً وامنياً وهو يتمسك بحزم وصلابة بالبروتوكول المقرر على حدوده الشمالية مع جنوب سوريا. تتزايد إفصاحات وبيانات القوات المسلحة الأردنية التي تعكس مستوى الضبط الشامل والكامل لأي حركة عبر الحدود في اتجاه الأردن. بعد الاعلان عن ضبط متسلل الاسبوع الماضي أفصح بيان رسمي عن التصدي لشحنة مخدرات كبيرة حاولت العبور والاشتباك مع عصابة متخصصة بالنار.
تقصد السلطات الأردنية ذلك تماماً فهي توحي بالاستعداد التام سيادياً لمراقبة كل صغيرة وكبيرة تحاول الاقتراب أو العبور من حدود سوريا بصورة غير شرعية. الرقابة المضادة أردنياً لا تقف عند حدود العسكريين المتسللين أو حتى الجهاديين الأردنيين الراغبون في العودة بل تشمل ايضا عبور اللاجئين المحتملين ومع ذلك نشاطات عصابات التهريب سواء تعلق الامر بالاغنام أو بالمخدرات أو حتى بالبضائع.
يقصد تماما التصريح الصادر نحو اسبوعين عن حرس الحدود بخصوص ضبط «حمامة زاجلة» حاول استخدامها ارهابيون في سوريا كل المفارقات المحتملة لأن الهدف ابلاغ الرأي العام بأقصى درجات الانضباط والضبط وباستعمال كل الوسائل المتاحة للسيطرة تماماً على الحدود.
بهذا المعنى يقول الجيش الأردني ضمنياً أن سيطرته شاملة ولا تفلت من بيني يدي حراسه اية مظاهر أو حتى ألاعيب يمكن ان يستخدمها مهربون أو مقاتلون بصرف النظر عن هويتهم وأهدافهم.
يحصل ذلك في الوقت الذي يراقب فيه الأردنيون كل المعطيات داخل محافظة درعا وما خلف حدود الشمال بكل التفاصيل، الامر الذي يبرر الهدوء النسبي الكبير على الحدود الشمالية وانقطاع تلك الرسائل التحذيرية التي كان النظام السوري يوجهها بين الحين والاخر عبر قذيفة مدفعية عشوائية تسقط هنا وهناك داخل حدود الأردن وتحديداً في محيط مدينة الرمثا شمالي البلاد.
وهذا النمط من الترتيب الأمني الحدودي برز إلى سطح الأحداث مباشرة بين كلمة الاعتراض الأردنية الكبيرة على العملية العسكرية الواسعة التي حصلت في بلدة الشيخ مسكين وسط درعا حيث توجه رئيس الأركان الأردني الجنرال مشعل الزبن فوراً إلى موسكو محذراً من ان سماح روسيا بعمليات عسكرية واسعة النطاق جنوب سوريا يعني خروج الأردن من معادلات البروتوكول المتفق عليه مع موسكو واجباره على التعامل مع الأحداث بالطريقة التي تناسب مصالحه وتحمي حدوده.
يبدو أن رسالة التحديث انتجت فعلها في موسكو فالجبهة في جنوب سوريا خالية من عمليات عسكرية كبيرة والتركيز كله على ما يحصل في الجبهة الشمالية وبالتالي تبدو جبهة الجنوب بالنسبة للأردنيين حتى الآن نموذجية وهادئة وخالية من عمليات عسكرية واسعة.
ما يجعل جبهة الجنوب نموذجية ايضاً بالحسابات الأردنية هو ان الصراع والصدام العسكري فيها هو الدائر بين الفصائل الجهادية والمعارضة نفسها.
تقدر ورقة موقف اردنية استعرضت ودرست في مجلس السياسات بان عمان مرتاحة لأي صراع وصدا م عسكري يمكن ان يحصل في الجنوب بين تنظيمي «جبهة النصرة» و»الدولة ـ داعش» تحديدا لان الفائدة مضاعفة في حال انشغال الفصيلين ببعضهما البعض.
«داعش» في سوريا تتصدر القائمة التصنيفية المخصصة لعصابات الإرهاب كما يسميها وزير الاتصال الناطق الرسمي الدكتور محمد المومني.
و«جبهة النصرة» مصنفة ارهابية ايضاً وفقاً لتعبير استخدمه علناً عدة مرات رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور. وبالتالي صراع محتمل ودائم بين «النصرة» و«داعش» تحديداً في مناطق جنوب سوريا امر مطلوب للاردن في كل الاحوال في الوقت الذي بدأ فيه مسؤولون بالاعلان رسمياً وبلغة واضحة عن اهتمام المملكة بتعزيز قوة الفصائل المعتدلة وعلى رأسها «الجيش الحر».
عبر عن ذلك رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز طراونة في لقاءات جمعته مؤخراً بالعديد من النخب ولم يعارضه على سبيل الاستنتاج الوزير المومني عندما حاورته «القدس العربي».
ومعادلة الأردن في هذا الصدد مبنية على التعامل مع الحقائق والوقائع كما يلمح المومني وليس على التكهنات وحسابات الآخرين فلا مجال لأي تساهل أو تغافل من أي نوع خارج حسابات الذات الوطنية والأمنية عندما يتعلق الأمر بمسألتين: اولا حماية الحدود والتراب الأردني، وثانيا: السهر على بقاء مظاهر الأزمة السورية داخل حدود هذا البلد الجار بدون عبورها للأردن.
على هذا الأساس وبسبب غياب مظاهر الدولة السورية في مساحة شاسعة في محافظة درعا الواسعة يتمسك الأردن بخياره العلني في دعم «الجيش الحر» وتقوية جبهته وبدون تحفظ كما كان يحصل في الماضي وهنا تبرز المساحة التي تسللت منها مجدداً استراتيجية السعودية في تسليح وتعزيز أسلحة «الجيش الحر».
القدس العربي