النقاش حول نتائج حرب لبنان الثانية والتي يصادف هذا الاسبوع مرور عشر سنوات على اندلاعها، يجدر أن يبدأ من النهاية، من الاسطر الاخيرة. في منظار عقد من الزمن لا شك أن انجازات إسرائيل في هذه الحرب، بغض النظر عن أهميتها، كان يمكن تحقيقها بثمن أقل كثيرا من الثمن الذي تم دفعه. ابتعاد حزب الله عن الحدود وانتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان وايضا قواعد اللعب الجديدة التي تضمن الهدوء على طول الحدود، كانت اهدافا يمكن تحقيقها دون توريط إسرائيل في حرب لمدة 33 يوم ودون تعريض مناطق الشمال لاطلاق الصواريخ ودون دفع ثمن بشري كبير.
ورغم كل ذلك، فإن السلوك الفاشل للقيادة الأمنية والسياسية في إسرائيل اثناء حرب لبنان الثانية لا يحول الحرب إلى هزيمة إسرائيلية. الحديث على الأكثر هو عن تفويت فرصة خاصة في مجال الوعي، ودفع ثمن مبالغ فيه أمام انجازات لا يجب التقليل من أهميتها.
مثل إسرائيل، حزب الله ايضا سجل انجازات اثناء الحرب أهمها نجاحه في البقاء في وجه الهجمة الإسرائيلية واطلاق الصواريخ حتى آخر يوم من الحرب.
حسن نصر الله، زعيم حزب الله، استخدم الهاوية التي بين اللهجة الكلامية لقادة إسرائيل وعلى رأسهم رئيس الحكومة ايهود اولمرت الذي وعد بالقضاء على قوة حزب الله العسكرية وتفكيك الصواريخ، وبين غياب القدرة الفعلية على تحقيق هدف بعيد المدى وغير واقعي، لا سيما على ضوء ارتداع إسرائيل عن القيام بعملية برية داخل لبنان.
انجاز حزب الله في البقاء ونجاحه في التسبب بالضرر لإسرائيل لم يغطيا الثمن الباهظ الذي دفعه ـ مئات القتلى وخصوصا الدمار الذي تسببت به الحرب للطائفة الشيعية في لبنان، التي تؤيد الحزب وقائده. يبدو أن الدرس الوحيد الذي تعلمه حزب الله من الحرب من اجل الجولات القادمة مع إسرائيل، هو كيف يمكن المشاركة بشكل أفضل من المرة السابقة. وقد قام حزب الله بزيادة كمية الصواريخ من 12 ـ 18 ألف صاروخ عشية حرب لبنان الثانية إلى نحو 100 ألف بعد مرور عقد، وبعض هذه الصواريخ لها مدى يغطي كل المناطق في إسرائيل.
وخلافا لإسرائيل، سارع نصر الله إلى رفع انجازاته إلى مستوى «انتصار تاريخي» و «انتصار الهي» على إسرائيل. نجاح نصر الله التسويقي يمكن أن ننسبه للفرق الكبير بين المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الشيعي في لبنان، الذي هو مجتمع ضعيف ومجند وفيه الخيال يستبدل الواقع، وأي محاولة للانتقاد يتم خنقها.
مع مرور الوقت تبين أن ادعاء نصر الله بالانتصار هو شيء فارغ من المضمون. فالحرب لم تساعده في بيته، سواء على مستوى الطائفة الشيعية التي احتجت على الثمن الذي دفعته في الحرب، وايضا على مستوى لاعبين آخرين في الساحة اللبنانية، الذين رغم اثارة انطباعهم من قدرة الحزب على الصمود أمام الضربات الإسرائيلية، بقوا مصممين على الحفاظ على مكانتهم في مواجهة التحدي الذي فرضه حزب الله. وقد سلطت الحرب الضوء على الهوية الشيعية للحزب وعلى علاقته مع إيران. هذه مسألة حساسة بالنسبة للمنظمة التي تقدم نفسها كمن تحارب حروب العرب والمسلمين جميعا. من هذه الناحية كانت الحرب هي مقدمة للثورة السورية التي اندلعت في ربيع 2011 وخطفت كل الاوراق من نصر الله. إن مشاركة المنظمة في الحرب السورية تسببت بأكثر من ألف قتيل من بين مقاتليها في سوريا، الامر الذي أثار الغضب في اوساط الشيعة في لبنان، لا سيما على ضوء التطرف في اوساط التنظيمات الإسلامية السلفية، التي تعتبر كل شيعي عدوا يستحق الموت، لم يبق أمامهم أي خيار سوى البقاء خلف حزب الله.
هكذا تتحول حرب لبنان إلى ذكرى بعيدة. اليكم سبب آخر لاعادة اعتذار نصر الله من صيف 2006 بأنه لو كان يعرف كيف ستتطور الامور، لما كان اختطف الجنود الإسرائيليين وتسبب باندلاع الحرب.
ايال زيسر
إسرائيل اليوم 11/7/2016